التي قام بها شعراء الحداثة حول مجلة «شعر» لصاحبها يوسف الخال والتي جمعت أهم الشعراء الشباب في بداية الستينيات مثل ادونيس وخليل حاوي وأنسي حاج وغيرهم كثيرون والتي ستعزز مع شعراء المقاومة مثل محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم،فقد اهتممت كذلك بالشعر العربي الكلاسيكي ليحظى أبو الطيب المتنبي باهتمام وعشق لا متناه لقيمة قصائده وإبداعاته.
ما أثار إعجابي إلى اليوم بشاعر العرب رونق لغته وقوة معانيه وكبريائه وافتخاره بنفسه واعتداده بالكلمة العذبة.وكان أبو الطيب تعبيرا عن الرقي الثقافي والفكري الذي وصلته الدولة العباسية بالرغم من مرحلة التفكك والانهيار السياسي الذي وصلته .وقد انتقل المتنبي بين هذه الدويلات المتناثرة مادحا هذا وهاجيا ذاك.
ولعل نبوغ المتنبي وقوة شعره وعمق قصائده جعلته حاضرا معنا بعد أكثر من عشرة قرون من وفاته لتدخل بعض قصائده وأبياته في الخطاب العام والمتداول بين أغلب الناس.
جال الشاعر العرب بخاطري وخاصة قصيدة «ما كل ما يتمناه المرء يدركه» وأنا أتابع تقديم الحكومة والبرنامج الوطني للإصلاحات والحملة الصحفية الهامة التي صاحبته والتي حاول من خلالها عديد أعضاء الحكومة تقديم تصوراتهم لإصلاح الاقتصاد والنهوض به. وستكون هذه الحملة أول فرصة منذ تعيين هذه الحكومة لتقديم رؤيتها وتصورها للواقع الاقتصادي والمالي وسبل الإنقاذ.
وإن عدت إلى المتنبي وبصفة خاصة إلى قصيدة كل ما يتمناه المرء يدركه فلأطرح تساؤلا هاما يهم كل الحكومات ولا يخص هذه الحكومة بالذات وهو عجزها على تطبيق البرامج الإصلاحية التي صاغتها .فقد قامت عديد الحكومات بتحديد عديد البرامج الإصلاحية .وقامت بحملات عديدة للتعريف بها والترويج لها. إلا أن اغلب الحكومات عجزت على تطبيق الإصلاحات وحتى إن طبقت بعضها فإن النتائج تكون محدودة وبالتالي عجزت البرامج والإصلاحات بالرغم من وجاهة بعضها وقيمتها الفنية والتقنية على الخروج ببلادنا من الأزمات الاقتصادية المتتالية ووضعها على سكة النمو والتحول الاقتصادي .
وكان هذا العجز والفشل في تطبيق الإصلاحات الكبرى والخروج من نمط التنمية المتآكل والموروث من بداية السبعينات وراء الصعوبات الكبرى التي نعيشها مع المؤسسات الدولية وبصفة خاصة صندوق النقد الدولي وتعثر المفاوضات معها.
وفي رأيي فإن السؤال الأهم والذي يطرح نفسه على مختلف الحكومات وخاصة على مؤسسات الدول المناط بعهدتها انجازها هو أسباب هذا العجز والفشل في التغيير والإصلاح.وهل أن بلادنا كما بدأ يشير البعض عصية على الإصلاح؟
سنحاول في هذا المقال تقديم بعض الأجوبة عن هذا السؤال الأهم .وفي رأيي فإن العجز يكمن في أربعة عاصر أساسية وهي : السياسة ،المنهج،الرؤيا والآليات .
وقبل الإجابة على سؤالنا لابد من تثمين الجهود التي قامت بها كالحكومة من اجل ضبط تصور ورؤيا إصلاحية والتخطيط للمستقبل.وكنت أكدت في عديد المناسبات على أهمية هذا التمشي باعتبار أن بلادنا تحتاج إلى رؤيا وتصور قادرين على تجاوز نمط التنمية المتآكل وبناء نمط جديد .
• الإصلاحات مسار سياسي بالأساس
إن احد أولى المطبات التي تعترض برامج الإصلاح التي قامت بها عديد الحكومات هي الرؤيا التقنية والتكنوقراطية التي قادت المسار الإصلاحي.
فقد صاحبت هذه المسارات نظرة تعتقد أن العمل الإصلاحي هو في الأساس عمل تقني يعده الخبراء ومسؤولو الإدارة ومكاتب الدراسات .وقد لقي هذا التصور الكثير من الصعوبات والمعارضة من طرف عديد الفئات الاجتماعية والتي ساهمت في إفشال الإصلاحات وعدم دخولها أرض الواقع .
أكدت هذه الاخفاقات أن الإصلاح الاقتصادي هو قبل كل شيء عملية سياسية باعتبارها تضع على المحك المصالح الأساسية لعديد الفئات الاجتماعية والتي ستتصدى للإصلاحات خاصة إذا لم تستفد منها.هذه القراءة والتصور الجديد للإصلاحات الاقتصادية كان وراء تراجع النظرة التقليدية للإصلاح والتي تقتصر على الجانب التكنوقراطي وهو مجال أكاديمي جديد وهو الاقتصاد السياسي للإصلاح.وتؤكد هذه النظرة الجديدة على أن المسار الإصلاحي ينخرط في صلب العملية السياسية والاجتماعية حيث انه يمس مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية .
وقد أدخلت هذه الرؤيا الجديدة والواسعة للإصلاح عناصر مهمة لابد لكل عملية إصلاحية من أخذها بعين الاعتبار لتوفير شروط النجاح لهذا المسار.واذكر من هذه العناصر الانعكاسات الاجتماعية للمسار الإصلاحي وبصفة خاصة تحديد الفئات الاجتماعية الخاسرة والمستفيدة من هذه الإصلاحات .وهذه القراءة ضرورية وهامة لنجاح المسار الإصلاحي.فالفئات الاجتماعية المتضررة من الإصلاحات ستتصدى لهذا المسار بقوة . وتجسيدها يتطلب مفاوضات في بعض الأحيان عسيرة من اجل تعويض خسارتها .أما الفئات الاجتماعية المستفيدة من الإصلاحات فقد أثبتت الأزمات أنها لن تتفاعل مع المسار ولن تعبر على موقفها المساند بنفس القوة التي ستحرك الفئات المتضررة .
تقودنا المسارات الإصلاحية إلى جوهر الصراع السياسي والاجتماعي وبالتالي يتطلب نجاحها قدرة تفاوضية كبيرة لتأكيد انخراط مجتمعي كبير .
إلى جانب الانعكاسات الاجتماعية فإن الاقتصاد السياسي يؤكد على مسألة ثانية ومهمة وهي برامج الإصلاحات الكبرى بطريقة واقعية تون مؤسسات الدولة قادرة على تطبيقها ..فقد أكدت الدراسات المقارنة أن احد أهم أسباب فشل وعجز الحكومات على إنجاح البرامج الإصلاحية يعود إلى غياب الأولويات في القيام بها وانجازها .وتتجه اغلب الحكومات في ظل الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة إلى تحديد حزمة كبيرة من الإصلاحات ومحاولة انجازها .إلا أن غياب الأولويات وفي ظل امكانيات محدودة لمؤسسات الدولة غالبا ما تنعكس سلبا على المسار الإصلاحي فيقود إلى فشله .
كما يمكن أن نشير إلى عنصر آخر مهم أشار إليه الاقتصاد السياسي لإصلاحات والذي يهم توفير التمويلات الضرورية للقيام بإصلاحات وبصفة خاصة لتعويض الفئات الاجتماعية المتضررة .وبالرغم من أهمية هذه النقطة فإن اغلب المسارات الإصلاحية لا تعطيها الأهمية وبالتالي يصبح غياب التمويل الضروري عائقا كبيرا لنجاح الإصلاحات .
عرفت مسالة الإصلاحات الاقتصادية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة وهي رؤيا جديدة فتحت عنوان الاقتصاد السياسي للإصلاح والذي يجعل منها مسألة أساسية وفي كنه الديناميكية الاجتماعية والسياسية. إلا أنه وبالرغم من هذه التطورات حافظت اغلب الحكومات في بلادنا على الرؤيا والتصور التقليدي والذي يجعل من عملية الاصلاح عملية تقنية وإدارية .واتبع البرنامج الوطني للإصلاحات نفس التمشي التقليدي مما سيجعله عرضة للعوائق والصعوبات التي تعترض المسارات المنقطعة عن الحركية الاجتماعية والسياسية .
والى جانب المحافظة على الرؤيا التقليدية فإن المنهجية المتبعة ستكون أحد عوائق المسار الإصلاحي الجديد.
• في تصور المنهج
من العناصر الأساسية لنجاح أي رؤية إصلاحية وجود المنهجية الفعالة والقادرة على توحيد الطاقات وتجميعها من اجل إنجاح التمشي لتغيير الهياكل الاقتصادية والمؤسسات .
وفي رأيي فإن المنهجية المتبعة لها الكثير من أوجه القصور حددت أهمها في أربع عناصر أساسية.
يهم عنصر القصور الأول ضعف المنهج التشاركي إن لم نقل غيابه.وهنا نريد التأكيد على أن الشفافية والمشاركة هي عناصر أساسية في أي مسار إصلاحي او تمش لبناء الرؤى والبرامج الاقتصادية الكبرى. وهذه المنهجية تنخرط في التطور السياسي للمجتمعات الديمقراطية والتي تجعل من انخراط المواطنين في المشاريع الكبرى والسياسات العمومية عاملا مهما للنجاح .وهذا الانخراط يتطلب الشفافية والمشاركة والقطع مع المنهجية القديمة والتي تعتمد على الاقتصار على الخبراء ومسؤولي مؤسسات الدولة في إعداد هذه البرامج.
وقد أصبحت هذه المنهجية التشاركية والشفافة الإطار الجديد الذي تتبعه الدول في إعداد التصورات الاقتصادية والسياسات العمومية .كما أن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدعو الدول الأعضاء إلى اتباع هذه المنهجية وتعتبر احد شروط نجاح تمشي بناء الإصلاح الاقتصادي والمالي .
وما يمكن أن نعيبه على المنهجية الحالية ضعف منحاها التشاركي مع المنظمات الاجتماعية الكبرى كالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة وغيرهما من المنظمات. والمنحى التشاركي لا يقتصر على تقديم برامج الحكومة في اجتماع أو اثنين بل يتطلب تكوين لجان مشتركة لصياغة الرؤى ونقاشها بطريق مستفيضة.وتمكن هذه النقاشات في لجان العمل المشتركة من إعطاء الفرصة للحكومة لتوضيح التحديات ومنطلقات مقترحاتها وفي نفس الوقت اخذ الأفكار جديد من جانب الفاعلين الاجتماعيين والذين راكموا تجربة كبيرة كل في مجال اختصاصه.
وعنصر القصور الثاني في هذه المنهجية هو غياب التراكم في تحديد البرامج والرؤى.والحق يقال أن هذا القصور لا يقتصر على هذه الحكومة بل تشترك فيه عديد الحكومات. فاليوم تضرب أغلب الحكومات عرض الحائط البرامج التي طورتها سابقاتها وتنطلق في ضبط تصور جديد.
وهذا التمشي له في رأيي الكثير من المخاطر. أول هذه المخاطر هو غياب التواصل بين السياسات العمومية والمشاريع الكبرى والتي لا تجد الوقت الكافي لإعطاء نتاجها باعتبار التغيير المتواصل في الأولويات .
كما أن غياب التراكم في السياسات العمومية يقود إلى نسيان بعض المقترحات الهامة والتي سيكون لها دور كبير في تحسين الوضع الاقتصادي لو التزمت الحكومات الجديدة بتطبيقها.واذكر في هذا المجال مثالين هامين أولهما شركة التصرف في أصول الدولة في المؤسسات العمومية ومؤسسة التصرف في الدين العمومي واللذين وقع تهمشيهما بالرغم من أهميتهما.
كما أن اغلب التراكم سيقود إلى إعادة الأخطاء التي قامت بها الحكومات السابقة. وهنا نود الإشارة إلى مسألة هامة وهي قضية الدعم.فقد أشار عديد الخبراء إلى استحالة القيام بخطوات إصلاحية كبرى في هذا المجال إذا واصلنا اتباع نفس التمشي في رفع الدعم وتوجيه بعضه الى مستحقيه .وقد أشرت مع عديد الخبراء إلى ضرورة ضبط تصور إصلاحي مغاير في هذا المجال فيه من الواقعية ما يجعله قادرا على التطبيق.المسألة الثالثة والتي تقود إلى شيء من القصور في المنهجية المتبعة تهم الاقتصار على كبار مسؤولي الإدارة ومؤسسات الدولة في صياغة التصورات الكبرى. وبطبيعة الحال نود التأكيد على أهمية المشاركة لهؤلاء المسؤولين نظرا للخبرة الكبيرة والمعرفة الدقيقة لأوضاعهما الاقتصادية .إلا أن فتح هذه المشاركة لخبراء في عديد المجالات كان سيثري التمشي الإصلاحي بفضل ما سيقدمونه من أفكار ومقترحات جديدة .ففي فترات الأزمات الكبرى والعميقة التي تعيشها البلدان كالتي تمر بها بلادنا فان التمشي لا يمكن له ان يقتصر على تحسين الموجود والتمسك به بل يتطلب انكسارات(ruptures) عميقة تأتي في اغلب الأحيان من خارج الأنظمة وليس من داخلها.
أما وجه القصور الأخير الذي نود الإشارة اليه فيهم الأفضلية التي تعطيها الإدارة ومؤسسات الدولة لإعداد التقارير على الانجاز.وسنأخذ في هذا المجال مقترح الحكومة لإعداد مخطط تنمية اقتصادية واجتماعية 2023 - 2025 وفي هذا المجال نود الإشارة الى ملاحظتين هامتين على الأقل .فإلى جانب تأكيدنا على أهمية التخطيط واستشراف المستقبل فإن أي مخطط جدي لا يمكن أن يكون لأقل من خمس سنوات .اما الملاحظة الثانية فتهم الإطار العام وأود الإشارة الى دخول القانون الجديد للميزانية منذ سنتين.ومن جملة ما قدمه القانون الميزانية الانزلاقية (budget glissant) والذي يهم ثلاث سنوات ويشكل أداة هامة لتخطيط الاستثمارات العمومية. والسؤال الذي يمكن ان نطرحه لفهم الإفادة التي سيقدمها مخطط الثلاث سنوات مقارنة بالميزانية الانزلاقية .إن إضافة تقارير اضافية وجديدة يثقل كاهل الإدارة ويثنيها عن عملها اليومي في تطبيق القوانين وانجاز المهام ومتابعة الفاعلين الاقتصاديين.
ولابد لنا في هذا المجال من أتباع المعايير الدولية في مجال ضبط الاختيارات الاقتصادية والسياسات العمومية والتي تعتمد على أداتين لا ثالث لهما : الرؤيا الإستراتيجية والتي تمتد بين 10 و15 سنة والميزانية الانزلاقية والتي تمسح 3 سنوات.
هذه في رأيي بعض الملاحات حول المنهجية والتي تتطلب التغيير والتحسين ليكون.
التمشي الإصلاحي والرؤيا الاقتصادية مدعوما وبالتالي قادرا على تحسين الواقع ووضع بلادنا على سكة النمو والتحول الاقتصادي .
والى جانب المسائل المنهجية من الإدارة إلى بعض الملاحظات التي تخص الرؤيا التي يحلها المشروع الإصلاحي.
• الاستقرار لا يصنع نموا
لا تقتصر عوائق الإصلاح والبرامج الحكومية على المسائل السياسية والمنهجية بل تهم كذلك الرؤيا العامة لمشروع التنمية والسياسات العمومية المستقبلية.ولعل التحدي الهام الذي تواجهه اغلب الحكومات منذ الثورة عجزها على دفع النمو بطريقة مستدامة ومتواصلة. فقد كانت نتائجها في هذا المجال ضعيفة مما ساهم في تأبيد الوضع المالي والاقتصادي .وفي غياب نمو قوي لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية تساهم في تحيق مطالب الثورة وبصفة خاصة في التقليص من البطالة وتحقيق الإدماج الاجتماعي وإيقاف التهميش.
وضعف نتائج اغلب المشاريع الحكومية وبرامح الإصلاحات الاقتصادية يعود إلى هيمنة رؤيا محافظة وتقليدية يغلب عليها الانتظار (attentisme) في صياغة الأولويات والسياسات العمومية .ولئن هيمن هذا التصور على رؤى اغلب الحكومات بعد الثورة فان المشروع الإصلاحي للحكومة الحالية حافظ على نفس التمشي ولم يحد عن الرؤيا التقليدية والمحافظة .
وتبرز هذه الرؤيا في ثلاث سمات أساسية ستشكل مصدر الإنفاقات والصعوبات.تهم السمة الأولى هيمنة جانب الاستقرار (stabilisation) في السياسات الاقتصادية لمحاولة الرجوع الى مستوى مقبول للتوازنات المالية الكبرى.وقد أكدنا في عديد المناسبات ان هدف التوازنات أساسي وهام ولكن الوصول اليه سيكون أسرع لو أعطينا الأولوية للاستثمار والنمو.
أما السمة الثانية للسياسات المحافظة والتقليدية فتهم الخوف من الانكسارات الكبرى (les grandes ruptures)) وغياب الجرأة والشجاعة في التعاطي معها لتقتصر السياسات على محاولة تحسين ظروف عمل السائد والمراوحة بالتالي في نفس نمط التنمية بالرغم من تآكله.
ويمكن لنا أن نلاحظ هذا التمشي من خلال ضعف أو غياب التعاطي مع التحديات الخمس الكبرى التي تفترض بلادنا:
- التحدي الأول يهم القطاع الصناعي وضرورة ضبط سياسة صناعية تمكننا من دخول عصر عالم الصناعة 4.0 والذي بدا غائبا في هذا المشروع.
- التحدي الثاني يهم القطاع الفلاحي والذي تأكد طابعه الاستراتيجي بعد الحرب في أوكرانيا ويتطلب ضبط سياسية فلاحية جديدة تقطع مع التمشي السابق لبلادنا في هذا المجال والذي اعتمد على مفهوم الأمن الغذائي والمرور إلى سياسة جديدة تعتد على السيادة الغذائية في قطاعات أساسية لتقاليدنا الغذائية وهي الحبوب والزيوت واللحوم والسكر. إلا أن البرنامج الحكومي في هذا المجال اقتصر على بعض الزيادات في أسعار الحبوب وتخصيص مساحات اكبر في هذا المجال دون نظرة إستراتيجية متكاملة لمتقبل هذا القطاع.
- التحدي الثالث يهم الرقمنة والتي يجب أن تكون إحدى الأولويات الرئيسية في بلادنا للمرور إلى مجتمع الرقمنة. إلا أن البرنامج اقتصر على بعض التوصيات في رقمنة الإدارة والتي تشهد تراجعا كبيرا.
-التحدي الطاقي وفي هذا المجال تعرف بلادنا تأخرا كبيرا بالرغم من بعض الخطوات المحتشمة في مجال الطاقات المتجددة والتي تم أخذها أخيرا .وفي هذا المجال كنا ننتظر ثورة كبيرة في مجال الطاقات المتجددة كالتي قامت بها عديد البلدان الأخرى .
- التحدي الاجتماعي الذي يشكل منذ الثورة احد مصادر الإزعاج والأزمات لصيرورة التحول الديمقراطي. وكنا ننتظر بعض المقترحات في هذا البرنامج لدفع التشغيل وتقليص التهميش ودعم الاندماج الاجتماعي .
أما السمة الثالثة لهذه الرؤيا التقليدية والمحافظة في التعاطي مع التنمية فهي هيمنة التشريعي وكأننا نعتقد جازمين أن تخمة القوانين ستحل مشاكل التنمية في بلادنا .
إن عودة النمو والتنمية تتطلب في رأيي الخروج من هذه التصورات المحافظة والتقليدية التي هيمنت على السياسات العمومية في بلادنا والتي كانت وراء ضعف النمو وتأخرنا في انجاز التحولات الكبرى التي يعيشها العالم وجدت عديد للبلدان في التقدم فيها أشواطا كبيرة .والنجاح في نمط نموذج (paradigme) إصلاحي جديد يكون الجرأة والشجاعة قوامه .
• غياب الآليات والأدوات للتغيير
تشكو اغلب البرامج الإصلاحية التي تمت صياغتها منذ الثورة في غياب الآليات وأدوات المتابعة لرصد التقدم في تحقيق وانجاز الأهداف التي تم تحديدها.وينخرط التمشي الحالي في هذا التوجه العام الذي تعرف السياسات العمومية في العشرية الأخيرة .
ويمكن أن نشير الى ثلاث هنات ناتجة عن غياب آليات وأدوات المتابعة. الهنة الأولى هي غياب الأهداف المرقمة والحيز الزمني لتحقيقها.
وهذه المسألة تشكل عائقا هاما حيث يؤكد كل الاقتصاديين أن ما لا يمكن قيسه لا يمكن تحقيقه (ce qu’on ne peut pas mesurer on ne peut pas réaliser)
وبالتالي تحديد أهداف مرقمة في حيز زمني دقيق هي آلية ضرورية لمتابعة وتقييم نتائج العمل الحكومي ومؤسسات الدولة .
الآلية الثانية الضرورية في التغيير الاجتماعي وتنفيذ السياسات تهم النتائج المتوقعة.وما نلاحظه في اغلب البرامج الاصلاحية لحكوماتنا هي غاب التوقعات (projections).وهذه التوقعات ضرورية باعتبارها تساهم في بناء مشروعية السياسات العمومة وتساعد على رسم الآفاق المستقبلية.
أما المسالة الثالثة في هذا المجال فتهم الفجوة الكبيرة في بلادنا بين الاعلان على الإصلاحات وانجازها ولعل اهم مثال على هذه المسألة هي الوضعية الحالية حيث ان من 43 اجراء التي أخذتها الحكومة لتقليص الاقتصاد لم يتحول الا إجراء واحد الى امر قانوني. والتقليص من هذه الفجوة أساسي لبناء مصداقية السياسات العمومية.
تعيش بلادنا أزمة اقتصادية ومالية خانقة تتطلب ضبط سياسات إصلاحية عميقة لوضع الاقتصاد على سكة النمو المستدام والمندمج. إلا أن نجاح أي برنامج إصلاحي يتطلب تنقية المناخ السياسي ورؤيا جريئة وشجاعة قادرة على إعادة الأمل حتى ندرك كل ما نتمناه ونضع السفن على مجرى رياح التنمية والإدماج على رأي شاعر العرب أبي الطيب المتنبي.