حديث الأنا الفرد: «العفو عند المقدرة» عجز وسقط

لا يكون العفو عند المقدرة. بالعكس، يكون العفو عند العجز، عند الوهن. لمّا يعجز الإنسان عن أداء العقاب، عن مجازاة من أساء وأفسد تراه يعفو. خوفا أو تحسّبا أو لمصلحة مرتقبة، تراه يغضّ النظر...

ما كان العفو خصلة أبدا بل هو، عندي، من شيم الضعفاء والعجّز. في العفو عند المقدرة أرى سوءا ومنكرا. أنا لا أحبّ أن يعفوّ عنّي أحد. أراني ذليلا وللعافي تلقاني مرتهنا...
كلّما حصل عفو، أرى في من أتاه وهنا أو خرقا. أرى منكرا وضربا للقوانين وللأعراف الجاريّة...
في العفو تفكيك لروابط المجتمع، لما يجرى بين الناس من نحو. هو ضرب لما انتشر من قيم ونظم. فيه محسوبيّة وظلم...

ما نراه اليوم في تونس من خروق كثيرة في الطرقات ومن تسيّب فظيع في سير الناسّ ومن فوضى نهارا وليلا. ما نحياه منذ سنين من هتك ونهب وعضرطة ... سببه ذاك «العفو عند المقدرة» ومثلها «المسامح كريم» إلى غير ذلك من التفاهات المختلفة والشعارات المتخلّفة...
في العفو عند المقدرة (وهل هناك عفو دون مقدرة؟) هناك دفع للسوء. هناك تعميق للفوضى. هناك تأسيس للتخلّف...
لمّا يعفو الشرطيّ عن حارق الأضواء فهو يشجّع الناس على حرق الأضواء. لمّا تعفو الدولة عمن لم يدفع في الآجال ضرائبه فهي تشجّع المتهرّبين وكذلك تفعل مع أصحاب الصكوك بلا رصيد وعلى من تجاوز القوانين وضبط بالسوء متلبّسا. لمّا يعفو الأستاذ عن المتحيّلين من الزملاء والطلبة فهو يدفع بهم إلى مزيد الخبث والتحيّل. حين يغضّ المسؤول والطبيب والقاضي وأنت وأنا والآخر النظر عن السوء فنحن أيّدّنا السوء وحرّضنا على المزيد منه.

يجب أن ننتهي من «العفو عند المقدرة» وإن قاله نبيّ وكتبه كلّ فقهاء السلف. الحياة المشتركة والحياة العصريّة يلزمها مراجع بيّنة، جليّة وقوانين صارمة تجري على الناس كلّهم. لا استثناء ولا حياد ولا غضّ للنظر. طبعا، لن يكون الجزاء الصارم مع من ارتعشت يده ولا مع من كان ذهنه قاصرا ولا مع من في قلبه مرض...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115