لم نعثر على بعض المستلزمات في النصوص القانونية، ومنها على وجه الخصوص شرح الاسباب (ولو في صفحة رئاسة الجمهورية)، ودراسة الجدوى.
لم يتول رئيس الجمهورية القيام باستشارة المجلس الاعلى للقضاء المؤقت (الصواب هو انه مجلس رئيس الجمهورية للقضاء)، بالرغم من التنصيص على هذه الاستشارة الوجوبية في الفصل 11 المتعلق به، والغريب ان واضع النص خالف بعد ثمانية ايام نصّا وضعه بنفسه.
ان مسألة استرجاع الاموال المنهوبة بالخارج يحكمها المرسوم عدد 15 المؤرخ في 26 مارس 2011، وليس كما ورد خطأ في الفصل الثالث من المرسوم والذي نصّ على انها محكومة بالمرسوم عدد 13 لسنة 2011.
المرسوم يستوجب اصدار 6 نصوص تطبيقية ( اوامر وتسميات ونظام داخلي).
تتلخص هيكلة منظومة الصلح الجزائي في 4 مستويات: اللجنة الوطنية للصلح الجزائي (8 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية) وتسندها لجنة خبراء غير محددة العدد ويعينهم رئيس الحكومة(الفصل 24 )، لجنة متابعة تنفيذ اتفاقيات الصلح وانجاز المشاريع بالجهات (9 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية)، وأخيرا عدد غير محدد من لجان جهوية لمتابعة وتنسيق المشاريع ويترأسها الولاة (الفصل 45). ونرى أن هذا التنظيم أكثر تعقيدا من منظومة مماثلة وهي هيئة الحقيقة والكرامة، ووجه الشبه هو «العدالة الانتقالية».
تضمن النص عديد الاخطاء الشكلية، من ذلك مبدأي عوض «مبادئ»(الفصل 5) ، والاعضاء في اللجنة الوطنية يكتبون كسرا وليس نصبا، لانهم مسبوقين بحرف جرّ (الفصل 8)، كما السهو عن واو العطف الضرورية (الفقرة الاخيرة من الفصل 18 واخر الفصل 25) ، الى جانب عدم انهاء عبارة «شهر» منصوبة وليس كما ورد في النص «...في اجل لا يتجاوز شهر من ...».
ثانيا: ملاحظات جزئية
تم تحميل مصاريف اللجنة الوطنية على ميزانية الدولة ( الفصل 9 )، والحال أنه كان من المتعين تحميلها على ميزانية صاحب المشروع والمرسوم أي على ميزانية رئاسة الجمهورية، سيّما انه نص على ما يلي «تحدث لدى رئاسة الجمهورية لجنة...» ( الفصل 7 ).
تتسم اللّجنة الوطنية (الفصول من 7 الى 12) وهي الهيكل الاهم في المنظومة بعدم الاستقلالية، حيث انها ملحقة برئاسة الجمهورية، وتسمية اعضائها تتم من رئيس الجمهورية ، والحال ذاته عند الاعفاء (لا ينص المرسوم على السبب والحالة ووجوب التعليل)، ويضاف الى هذا عدم تمتعها بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والادارية.
ان الاجال الواردة في المرسوم لتنظيم بعض الاجراءات والاعمال تشكل اجال غير معقولة، ضرورة انها ضيقة جدّا بما يجعلها شبه مستحيلة ( الفصل 22 ينص على اجل 7 أيام لاعداد ملفات واوراق من بعض الادارات) (الفصل 24 ينص على اجل 20 يوما لانهاء الخبراء اعمالهم) ( الفصل 27 ينص على اجل 4 أشهر للبت في ملفات الصلح من قبل اللجنة الوطنية) (الفصل 47 منح أجل شهر لـ 1000 ساكن على الاقل من كل معتمدية لتقديم مقترح مشروح يتضمن دراسة اولية ووصفا له وتقدير لكلفته وطاقته التشغيلية ومردوديته عند الاقتضاء)...
تتسم غرامات التعويض بعدم العدل والانصاف خاصة وانها لا متناهية (الاصل يحدده الخبراء ويضاف له نسبة 10 %عن كل سنة من تاريخ الجريمة حسب الفصل 25، وكذلك نسبة التضخم السنوية حسب الفصل 2).
عثرنا على نفق يربط الصلح الجزائي بالشركات الاهلية (الفصل 30).
غابت الشفافية والرقابة عن اعمال اللجنة الوطنية خاصة، اذ لم ينص المرسوم على أي تقرير دوري لنشاطها أو ختامي عند نهاية اعمالها، وهو أمر غير مألوف سيّما ان مرسوم المجلس الاعلى للقضاء المؤقت نص على تقارير دورية كل 3 أشهر.
ثالثا : ملاحظات كليّة
حصل خرق لمبدأ وضوح النص ومقروئيته، من ذلك أن الفصل الاول نص على «أفعال وأعمال وممارسات يمكن ان تترتب عنها منافع غير شرعية او غير مشروعة والتي انتجت ضررا ماليا للدولة»، وكذلك الفصل 6 الذي نص على عبارات غريبة «ولا يشمل مجال الصلح الجزائي وان اتسعت عباراته سوى ...»(يعترف النص بانه هناك اتساع في العبارات، بما يصعب معه التأويل والتطبيق ووضع الحدود في الغرض).
وقع خرق لمبدأ التناسق، اذ تسند منحة لمن هو متفرغ (اعضاء اللجنة الوطنية للصلح واللجنة الوطنية لمتابعة التنفيذ) مقابل غياب المنحة رغم عدم التفرغ (اعضاء اللجان الجهوية)، بما يشكل نوع من التعارض مع خيار اعضاء المجلس الاعلى للقضاء المؤقت ( عدم اسناد منحة رغم القيام بعمل اضافي). كما انه عند عدم اكتمال النصاب تتم الدعوة الى جلسة ثانية تكون قانونية مهما كان عدد الحاضرين (الفصل 46 بخصوص اللجان الجهوية)، ولا وجود لمثل هذا الحل في حالة عدم اكتمال النصاب بالنسبة للجنتين الوطنيتين.
سجّلنا خرقا لحق الدفاع بمجرد عدم تمكين المعني بالصلح وهو مسألة مصيرية، من الاطلاع على الملف (الفصل 15 )، ولا حاجة للتذكير ان هذا الحق مستقر عليه في الفقه والقضاء، فضلا عن ان الدستور سعى لحفظه في ثلاثة فصول ( 27 و108 و110).
ان أخطر ما في النص هو التعهد التلقائي (الفصل 17)، وهو قادر على فتح باب تصفية الحسابات السياسية والوشاية والتزلّف...كما ان اللجنة تتمتع بسلطة تقديرية نراها مطلقة طالما انها لا تخضع لأجال و ضوابط وشروط.
من الثابت انه وقع خرق لمبادئ العدل والانصاف والتناسب (عند تحديد المقدار المالي كما سبق بيانه) (التنفيذ الجزئي يؤدي الى قطع الصلح مع احالة الأموال والمشاريع الى الدولة، من دون مراعاة تبعات هذا التنفيذ الجزئي عند مواصلة تنفيذ العقوبات المجمّدة او عند الحكم جزائيا لاحقا على المعني بالامر).
كما حصل اهدار جلي لمبادئ عدّة ومنها على وجه الخصوص عدم رجعية القوانين واتصال القضاء وسقوط الجريمة بمرور الزمن، والامر لا يجد سندا له في الدستور الذي اقرّ استثناءات بخصوص العدالة الانتقالية ( الفصل 148) التي جرّبت ففشلت ليس بسبب القانون بل بسبب من كلّف بالسهر عليها وكانت سابقة للدستور وللمرسوم الماثل.
لا نرى نهاية في الزمن لاعمال اللجنة الوطنية، ان لم نقل انها تبدو دائمة، خاصة بمراجعة الفصل 31 (متابعة تنفيذ المشاريع التي تتطلب سنوات) وكذلك الفصل 32 (الضمان العشري).
يتعارض مباشرة المرسوم موضوع المقال مع عديد المشاريع، ومنها على وجه الخصوص قانون العدالة الانتقالية والملفات المحالة على الدوائر المتخصصة، وكذلك المرسوم المتعلق بالمصادرة لسنة 2011 ، وكذلك المرسوم المتعلق باسترجاع الاموال المنهوبة بالخارج لسنة 2011، واخيرا القانون المتعلق بالمصالحة الادارية. وكان من المتعين تضمين احكام انتقالية بالمرسوم اتجنب هذا الصدام وما سيتلوه من تهديد للمراكز القانونية للذوات المادية والمعنوية (مثال مسجون بحكم او موقوف وابرم عقد صلح مع هيئة الحقيقة والكرامة، ماذا سيكون مآله ومأل ملفه؟).
رابعا: اسئلة لم أجد لها أجوبة
ينص المرسوم بخصوص المجال الزمني لنفاذه على انه يتعلق بـ»الجرائم الحاصلة قبل 2011 والى حدّ نشر المرسوم» ( الفصل 3)، وفي غياب تاريخ ثابت يمكن ان يكون منطلقا للتبع ، فاننا بالضرورة امام تاريخ غير متناهي، بما يمكن معه ان تصل اللجنة الى ملف خيرالدين باشا وهنشير النفيضة، مع الاشارة الى ان اجل التتبع بخصوص المصادرة كان محددا بسنة 1987 ، والامر كذلك بالنسبة للعدالة الانتقالية (1955).
كيف يتم تحقيق المصالحة الوطنية في الاقتصاد والمال (الفصل 4) والحال ان المنطلق في الصلح يمكن ان يكون تلقائيا اي بالاكراه؟
كيف سيتم التصريح بالمكاسب والمصالح (الفصل 10)؟ والحال ان هيئة الوطنية لمكافحة الفساد مغلقة.
ماهو مآل الملفات موضوع الرفض شكلا من اللجنة او الرفض من المعنيين؟ وخاصة تلك الملفات المتعلقة بجرائم سقطت بمرور الزمن.
كيف لـ 1000 ساكن على الاقل بالمعتمدية الاكثر فقرا ان يعدّوا مشروعا كاملا في أجل شهر كما سبق عرضه، ومن دون مراعاة نسبية عدد السكان بالنسبة لكل معتمدية؟
كيف يمكن للجان جهوية تفتقد للشخصية القانونية ان تبرم عقود اسداء خدمات بمقابل؟ سيما انه من المسلمات انه لا عقد بدون شخصية قانونية.
ماهي النزاعات المفترضة والاحكام المختصة؟ وان نرى ان اللجان المعنية تشكل مبدئيا هيئات ادارية بما يجيز معه النظر فيها من قبل القاضي الاداري (قاضي العقد او تجاوز السلطة او المسؤولية او في اطار القضاء الكامل بحسب الحالة). وكان من المستحسن ان ينصّ المرسوم على سبل التقاضي اعمالا لمبادئ النزاهة وحسن النية والشفافية، على غرار ما جاء في الغرض في مرسوم المجلس الاعلى للقضاء المؤقت.
بخصوص المعنيين بالصلح ، فقد وردت عبارة النص مطلقة ، فهل يعني هذا انه يخص الاجانب؟
خامسا: ملاحظات ختامية
تمت معاينة غياب حدود زمنية ضرورية ورئيسية في الامام (متى تنتهي اعمال اللجنة؟) وفي الخلف (تاريخ سقوط التتبع؟)، بما يعني نسفا للامان القانوني، خاصة اذا اضفنا التعهد التلقائي.
يشكل المرسوم عدالة انتقالية جديدة لكنها مشوهة منذ الولادة ، خاصة انها من دون ضمانات النسخة الاصلية (الشفافية والتشاركية والرقابة...).
استغل رئيس السلطة الفعلي الفصل 80 من الدستور لتحقيق برنامجه الشخصي (الصلح الجزائي كما الشركات الاهلية) غير المعلن عنه امام الله والشعب والتاريخ خلال الانتخابات الرئاسية.
يتسم النص بالسذاجة ، لانه نابع عن رؤية شخصية تتسم بعدم الدراية بالواقع والادارة، فضلا عن انه خارج عن زمنه الملائم ، بما يجعله حتما على مشارف الفشل.
يتمثل العقل في معرفة اليقين بالظن وما سيكون بما قد كان (عمر بن العاص)، والظن هو الفشل ، وما سيكون هو ما كان صدر مؤخرا عن المحكمة الادارية الابتدائية بالمنستير بإقرار عدم قانونية مرسوم الجواز الصحي.
بالنسبة للكثيرين ، كان 25 جويلية يوم أمل ، وأضحى تصاعديا تاريخ الفشل.
أضحينا نتأرجح بين العبث السياسي والجنون الدستوري / القانوني، ويوم 30 مارس 2022 هو غير شاهد على زمن سعيد، وأمست البلاد أشبه بـ»المرستان».