ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة بدعوتي للانضمام إلى فريق إنجاز هذا المشروع، وقد انطلق هذا المشروع منذ أشهر بدعوة من الدكتورة دشتي ومنظمة «الاسكوا» لإعداد رؤية استراتيجية تعيد الأمل للشعوب العربية والمنطقة العربية بشكل عام كذلك للخروج من حالة الاحباط والعجز الذي تعيشه منذ سنوات.
وبدلا عن تكليف مجموعة من الموظفين الأمميين لاعداد هذه الرؤية فقد خيرت تكليف مجموعة من أهم المفكرين والسياسيين من عديد البلدان العربية لتكون تعبيرا حقيقيا عما يختلج في رحم المجتمعات العربية وتوقها إلى تجربة سياسية جديدة ترتكز على مبادئ المواطنة والحرية والعدالة والازدهار الاقتصادي.
وقد نجحت الدكتورة دشتي في اقناع المؤسسات العربية وبصفة خاصة الجامعة العربية وأمينها العام احمد ابو الغيط بأهمية هذا المشروع وضرورة الخوض في المسائل الاستشرافية طويلة المدى لفتح آفاق جديدة للتجربة العربية التاريخية، وتم الاتفاق على أن يعتمد القادة العرب هذه الرؤية في القمة العربية.
إلى جانب عمل الخبراء ومساهمة المؤسسات العربية الرسمية فإن هذا المشروع سيفتح باب المشاركة لعديد الفئات من نشظاء المجتمع المدني والفنانين والشباب والنساء.
إن صياغة هذه الرؤية تعطي الفرصة للمجتمعات العربية والمؤسسات من الخروج من هيمنة الفكر اليومي الذي ساد في العشريات الأخيرة ومحاولة الانخراط في التفكير الاستراتيجي.
• أهداف الرؤية:
ويهدف هذا المشروع إلى بناء رؤية مستقبلية واستشرافية للعالم العربي في غضون 2045 الذي يوافق مرور مائة عام على بعث الجامعة العربية.
وتعمد هذه الرؤية إلى تعزيز ثقة الإنسان العربي بالمستقبل وفتح تجربة جديدة قائمة على العلم والعمل والأمن والعدل وقيم المواطنة.
وستكون هذه الرؤية اطارا لبناء عقد اجتماعي عربي جديد يتجاوز أزمات انهيار العقد الاجتماعي لدولة الاستقلال ويسعى الى بناء نمط تنموي يساهم في ايجاد مشترك جمعي يقوم على العدالة والرعاية الاجتماعية ويهتم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما ستسعى هذه الرؤية الى تحقيق ثورة حضارية تمكن العالم العربي من دخول الثورة التكنولوجية والعلمية والمعرفية الكبرى.
وتكمن أهمية هذا المشروع في أنه لن تقتصر على التوجهات والرؤى الاستراتيجية بل سيسعى الى ضبط بعض الأولويات الواقعية والقابلة للتحقيق من خلال خارطة طريق واضحة المعالم.
• في ضرورة الرؤية:
تكمن أهمية هذا المشروع وضرورة بناء نظرة مستقبلية للعالم العربي في التحولات الكبرى والتغيرات الهامة التي يشهدها العالم والمنطقة دون أن نكون قادرين على الفعل فيها والتأثير عليها من وجهة نظر مصالحنا. فقد اكتفت الدول العربية والمؤسسات العربية بالتعاطي مع هذه التحولات بصفة يومية ودون دراسة تحولاتها وانعكاساتها المستقبلية على المنطقة.
ويمكن أن نشير الى ثلاثة تغيرات وتطورات كبرى تتطلب بناء تصور جديد ورؤية تمكننا من الاانخراط في المستقبل ومحاولة الفعل فيه وتهيئة الظروف الملائمة للاستفادة منه.
المسألة الأولى تهم تداعيات الحرب في أوكرانيا وبشكل عام نهاية عالم القطبية الواحدة وظهور قطبيات متعددة ومن ضمنها صعود روسيا والصين اللتين عرفتا تصاعدا كبيرا لدوريهما على عديد المستويات من السياسي الى الاقتصادي، وهذا التطور والتحول الكبير على المستوى العالمي يتطلب من العالم العربي ضبط رؤية وتصور لكيفية التعاطي مع هذا النظام العالمي الجديد وتحديد مستقبل علاقاتنا الدولية مع مختلف الأطراف.
المسألة الثانية والتي تفسر ضرورة بناء تصور ورؤية جديدة للعالم العربي تخص الأزمات العديدة التي تعيشها أغلب البلدان العربية من حروب مدمرة وأزمات سياسية وفشل في الخروج من الأنظمة الريعية على المستوى الاقتصادي وضبط استراتيجية للتنويع في الهياكل الاقتصادية ومواجهة تصاعد البطالة والأزمات الاجتماعية والتهميش. وتتطلب هذه الأوضاع ضبط استراتيجية ورؤية تعيد الأمن والاستقرار وتسمح بضبط نمط تنمية جديد عادل ومستديم.
أما المسألة الثالثة والتي تجعل من بناء هذه الاستراتيجية ضرورة ملحة فتخص عجز تجارب التكامل الاقليمي العربي وبقائها في مستويات متدنية. ففي الوقت الذي لعبت فيها تجارب التكامل والتعاون الاقليمي في أغلب جهات العالم دورا استراتيجيا في دفع التنمية وفي التقليص من الانعكاسات السلبية للعولمة فإن تجارب التكامل الاقليمي في المنطقة العربية هشة ولم تساهم في دفع التنمية.
بالتالي تشكل هذه المسائل دوافع أساسية تحتم ضرورة بناء رؤية مستقبلية للعالم العربي.
• أركان الرؤية:
حدد هذا المشروع ستة أركان أساسية للرؤية الاستراتيجية العربية.
الركن الأول يهم الأمن وقدرة المواطن على العيش في أمان وقدرة الدولة ومؤسساتها على حمايته، ولعل المسألة الهامة في هذا الركن هي عدم اقتصار الأمن على مجال حفظ النظام العام وتحديد رؤيا شاملة للأمن تشمل الأمن البيئي والمائي والغذائي الى جانب الوجوه التقليدية للأمن.
أما الركن الثاني لهذا المشروع فيهم العدل والذي يخص المعايير والقوانين والسياسات التي تساهم في تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات.
ويهتم الركن الثالث بالابتكار والذي سيمكن العالم العربي من الاستفادة من الثروات الصناعية المتتالية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات.
ويشكل الركن الرابع وهو الازدهار المدخل لقضايا التنمية الاقتصادية المندمجة اجتماعيا والمستدامة والذي سيعمل على بناء أنماط تنمية جديدة تقطع مع النمط الريعي.
أما الركن الخامس فيخص التنوع بتعبيراته المختلفة والمتعددة من المجال الاجتماعي إلى الثقافي إلى العلمي.
أما الركن السادس فيهم المشروع الحضاري وضرورة فتح الأبواب والآفاق من أجل بناء نهضة عربية جديدة.
• في شروط نجاح الرؤية:
في رأيي فإن نجاح هذه الرؤية يتطلب توافر شروط أساسية ستساهم في قدرتها على وضع حلول للتحديات التي يعيشها العالم العربي والتأثير على الرأي العام العربي وايمانه بهذه الرؤية.
الشرط الأول هو قدرة هذه الرؤية على أن تكون مصدر إلهام للأجيال الجديدة والتي ستجعل منها نبراسها وبوصلتها نحو المستقبل.
الشرط الثاني يهم قدرة هذه الرؤية على بناء أفكار وتحاليل جديدة والابتعاد عن محاولات التكرار واعادة انتاج القديم. فالاجابات على الأزمات الحالية وصعوبات الانخراط في العولمة لن تجد إجابتها في العودة الى منظومة الدولة الوطنية وسياساتها بل في استنباط اجابات وتصورات جديدة للمنطقة.
أما الشرط الثالث فيهم ضرورة التخلص من هيمنة الفكر العالمي ومحاولة بناء تجربة ذاتية تنطلق من خصوصياتنا لتعانق وتتفاعل مع المبادئ الكونية للحركية والديمقراطية وحقوق الانسان.
أما الشرط الرابع فيهم الانفتاح على الشباب والأخذ بكل جدية رؤيتهم للعالم والمستقبل لتكون هذه الرؤية تعبيرة صادقة عن آمالهم وأحلامهم.
أما الشرط الخامس فيخص ضرورة التفكير خارج القوالب الجاهزة والنمطية لابتكار حلول وسياسات قادرة على التعاطي مع همومنا وقضايانا.
يعيش العالم العربي اليوم على وقع أزماته والتحولات والتغيرات الكبرى التي يعيشها العالم، وما من شك فإن هذه التحديات والمخاطر تتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى صياغة رؤية مستقبلية تفتح للعالم العربي آفاق بناء تجربة تاريخية جديدة وتعطي للشعوب العربية جرعة من الأمل والثقة في المستقبل تمكنها من الخروج من حالة الاحباط واليأس التي تهيمن علينا اليوم.
قهوة الأحد: من أجل رؤية عربية مستقبلية 2045
- بقلم حكيم بن حمودة
- 10:20 28/03/2022
- 1037 عدد المشاهدات
تنقلت إلى القاهرة لحضور ندوة الخبراء حول موضوع استشراف الرؤية العربية المستقبلية، وقد شرفتني الدكتورة رولا دشتي الأمينة التنفيذية لمنظمة «الاسكوا»