انتباه الجميع. وما يقع مع مناصري النادي الرياضي الصفاقسي هذه الأيام مثير للاهتمام. دخل النادي الصفاقسي منذ مدة في أزمة مالية بمقتضاها أصبح مهددا في وجوده. والأزمة المالية تخفي بالأساس أزمة حوكمة بمعناها العام. جاءت الأزمة والنادي بما هو هوية مدينة وعنوانها الأبرز في ظل أزمة عامة تخص أغلب النوادي الرياضية، وهي ليست أزمة مالية فقط إنها أيضا أزمة هوية أي أزمة بقاء من عدمه ولكنها أزمة مؤسسة رياضية انتهى فعلها الدامج التقليدي وتبحث عن أشكال أخرى من الفعل الجماعي الذي يستنبط من خلاله الأفراد نماذج جديدة من التماسك. تحرك المناصرون عبر هيكل « سوسيوس « النادي وهو عبارة عن شبكة من المناصرين يقع انتخاب أعضائها التنفيذيين تعمل على دعم النادي ماديا ورمزيا وتقديم مقترحات جدية من أجل الإبقاء على النادي قويا ومندمجا. تعتير شبكة « سوسيوس» النادي مجموعة ضغط ومجموعة بناء في ذات الوقت، إنها إحدى الأشكال الجديدة من المشاركة في الشأن العام. وقد أطلق على الحملة عبارة « رجعت الروح» في استعانة قوية بشبكات التواصل الاجتماعي في حركة تضامنية قوية. ولكن ليست شبكة « سوسيوس» وحدها من يتولى الأمر، هناك لجنة تنظيم تشرف على العملية، وتصدر بيانات مالية في الأثناء.
استعملت عبارة « رجعت الروح» أولا للتعبير عن جسد أو عن تنظيم شارف على النهاية، يترنّح وفي حالة وهن، وهو الآن بصدد استرجاع للروح أي استعادة للحياة ولا يكون ذلك إلاّ بفعل جماعي. لم تكن مثل هذه الحملات التضامنية مع النوادي الرياضية إلا مسارا تشاركيا لتجاوز أزمة ما. سبقت ذلك حملة « اللطخة» التي قام بها مناصرو النادي الإفريقي منذ سنتين وساهمت في إنقاذ النادي وعززت ارتباط المناصرين بهويتهم المهدّدة. هبة وهبة مضادة نقف عندها لإحلال التوازن بين النادي ومناصريه. هؤلاء يهبون لناديهم مساندة مادية ورمزية ويهب النادي لمناصريه هوية، هوية لعب وانتصارات وإنجازات.
تتعدى المسألة في رموزها كونها مساهمة مالية، إنها تكشف عن حالة ديناميكية لمناصري النادي الذين يعيشون على إيقاع ناديهم في الملعب وخارجه فالنادي هويتهم الجامعة وهو عنوان وجودهم ومعناه. إن إنقاذ النادي من الانهيار هو إنقاذ لمعنى وإنقاذ لتاريخ وإنقاذ لمؤسسة ومواجهة لحالة اللايقين التي أصابت كلّ المؤسسات رياضية كانت أو غيرها. إذ لم تعد نوادي كرة القدم حكرا على مالكيها أو حكرا على من يديرها، فالمناصرون في كل أنحاء العالم يتدخلون بطرق مختلفة في حوكمة نواديهم ويفرضون أساليب تشاركية لإدارتها ويتصرفون كأصحاب حق في النادي. هناك نواد نجحت إلى حدّ بعيد في تضمين حوكمة رشيدة وهناك أخرى بقيت رهينة نزوات ومصالح من يديرها ومنها النادي الصفاقسي في السنوات الأخيرة.
حملة « رجعت الروح» مختلفة عن سابقاتها في النوادي الأخرى. هناك استثمار للمعرفة الاقتصادية، إذ لا يُطلب من المناصر المساهمة مباشرة، بل يقع اقتراح موديلات للدفع كأن تشتري شيئا ما بقيمة ما ويُخصص مبلغ معين للمساهمة في الحملة. هناك إغراء تجاري واضح ينمّ عن عقلية في المبادلات التجارية قوية. هي في كل الحالات حملة غير تقليدية لأنها تعتمد على الاتصال المباشر، تذهب إلى المحلات التجارية وإلى المواطنين في مساكنهم وتتصل برجال الأعمال من أجل المساهمة، هي حملة تحاكي تركيبة المجتمع المحلي الذي بمختلف أطيافه ينخرط في مساعدة النادي. لقد استفاد منظمو الحملة من أن النادي هو المدينة، والمدينة هي النادي، بحيث لا وجود لحرج أن يكون الشخص المقصود من أجل التبرع مناصرا لناد آخر مثلما يحصل في تونس العاصمة التي يتعدّد فيها مناصرو نواد مختلفة. وتكون الحملة بهذه الطريقة حالة اقتصادية ديناميكية مبنية على مبدأ كلنا رابحون.
هناك اختبار للشغف وهو الاختبار الأصعب لأنه اختبار الوضعيات الحرجة وهو اختبار المداومة وطول النفس في التعلق بالنادي في حالاته المختلفة وفي سياق عالمي يتبارى فيه المناصرون في كل أنحاء الدنيا لابتداع طرق ذات مشهدية عالية في مناصرة نواديهم. المناصرون يتقدمون بخطى كبيرة للمشاركة في حياة نواديهم. وعندما تكون الهوية مجروحة يكون الشغف في أعلى درجاته. يضع المناصرون أنفسهم في هذه الحالة في مواجهة صعبة مع أنفسهم ومع مناصري النوادي الأخرى الذين قاموا بنفس العملية.
تترك لنا حملة « رجعت الروح» أسئلة جديرة بالطرح، ومن بين هذه الأسئلة تلك المرتبطة بحوكمة النوادي الرياضية في ظل سياق عام بدأت فيه الدولة غير معنية بشكل واضح بتمويل النوادي الرياضية كما كان الحال في السابق عندما كانت تزكية رؤساء النوادي من المهام الكبرى للدولة وعندما كان تمويل النوادي الرياضية خاضعا لرقابتها الصارمة. لقد أعطتنا « رجعت الروح» إمكانية أن يأخذ المناصرون مكانتهم في حوكمة النادي مثلما هو الحال في نواد عالمية كبيرة وهنا نواجه مرة أخرى المسألة الديموقراطية كضرورة لا مناص منها في تسيير النوادي الرياضية في تونس.
من الوارد جدا أن تنجح حملة “رجعت الروح « في إنقاذ النادي الصفاقسي من أزمته المالية الحالية ولو وقتيا، ولكن هل تنجح هذه الحملة في أن تمنحنا إمكانية التفكير في نموذج جديد لعلاقة تشاركية بين النادي ومناصريه؟ من المهمّ إعادة طرح الأسئلة حول أي نموذج إدارة للشأن العام نريد و نستطيع إنجازه..
MIA AMORE