و إعادة التوازنات الكبرى كان هاجسا و لا يزال لجميع الحكومات و تمت صياغة استراتيجية اصلاح المؤسسات العمومية و مخطط العمل وعرض القانون للجنة المختصة بمجلس نواب الشعب في 2019 ثم سحب في سنة 2021 من طرف الحكومة وتمت كذلك صياغة استراتيجية اصلاح منظومة دعم المواد الأساسية واستراتيجية اصلاح منظومة دعم المحروقات و الكهرباء واستراتيجية اصلاح الوظيفة العمومية واستراتيجية تعصير الإدارة و الرقمنة كله بمخططات عمل خاصة بل ان استراتيجية اصلاح الصناديق الاجتماعية اعدت في الآول بقانونها و أوامرها. بل تم تشربك جميع الآطراف من المنظمات و حتى الأحزاب و اعتمدت خبرات وطنية و دولية لذلك. فلماذا لم تنفذ؟ هناك دروس مستخلصة في هذا المجال يمكنها أن تقدم بعض الإجابات.
• الجانب التصوري
1) الإصلاحات الكبرى والصعبة تبرز وتتم فقط في فترات الأزمات مثلما حدث بتونس ابان أزمة التعاضد في سنة 1969 و الأزمة الاقتصادية لسنة 1987. حتى اليونان هو أكبر مثال على ذلك.
2) الأنظمة الشمولية والديمقراطيات التاريخية تجد نفسها في وضع أفضل لتنفيذ الإصلاحات وفرضها بطريقة فردية أو بأليات الديمقراطية بينما أنظمة التحول الديمقراطي والديمقراطيات الناشئة ضعيفة سياسيا.
3) قوى التصدي للإصلاحات ورفضها أكثر تنظما من قوى البناء ومهمتها أسهل وقدرتها على التعبئة ضد أي مسار إصلاحي كبيرة جدا.
4) الإصلاحات هي مهمة النخبة السياسية عموما ومجال تقني في بعض الآحيان.
5) الإصلاحات هي برنامج غير شعبي ومكلف انتخابيا ويتعارض مع مبدئ المواقع الريعية المكتسبة (لذلك ترفض الحكومات القيام بها قبل الانتخابات وفي فترات التجاذبات السياسية كمرحلة التحول الديمقراطي).
6) الخطاب الشعبوى أكبر عدو للإصلاحات وهو مستساغ لدى العامة و يغيب القضايا الآساسية ويعومها و لو الى حين و قد يعمق الآزمة و يضاعف من الصعوبات تجاه تسويق و تنفيذ الإصلاحات،
7) يتمتع الإصلاحيون بفترة من «شهر عسل» بعد كل انتخابات قبل أن تتراكم المعارضة لبرنامج الإصلاحات مثل الفترة الآولى لاتفاق قرطاج 1 ولكن فرص عديدة أضيعت فيما بعد و خصوصا سنة 2019.
• الجانب السياسي
8) من الصعب القيام بالإصلاحات ما لم يكن لدى الحكومة دعم تشريعي وسياسي متين ومستقر (وهذا كان غائب لجل الحكومات)
9) يمكن للحكومة أن تتجاوز غياب قاعدة صلبة من الدعم إذا كانت المعارضة ضعيفة ومجزأة (ممكن في الأنظمة الديمقراطية العريقة ولم نلاحظه في التجربة التونسية).
10) التوافق الاجتماعي هو عامل قوي يدعم الإصلاحات ويستدعي تشريك المجتمع المدني.
11) التشريك الاجتماعي والتملك السياسي ضروري لكن من الصعب تحقيقهما في ظل التجاذبات السياسية،
• الجانب القيادي
12) القيادة السياسية الحكيمة للإصلاحات ضرورية وان فقدت غاب المدافعون على التغيير.
13) تتطلب الإصلاحات الناجحة تشكيل فريق اقتصادي متماسك وموحد ووجود رجال اقتصاد في مواقع المسؤولية السياسية.
14) تدعيم اليات التنسيق الحكومي للإصلاحات مسألة رئيسية.
الجانب المضموني
15) تحديد الأولويات في الإصلاحات وترتيبها زمنيا أمر ضروري لتجنب الاكتظاظ في جدول أعمال السياسات والإصلاحات. وتجنب التأليب ضدها.
16) تتطلب الإصلاحات الناجحة برنامجا شاملا للتنفيذ السريع يمكن من مكتسبات سريعةQuick win
17) ضرورة تجنب التفاؤل المفرط في توقعات النتائج الاقتصادية للإصلاحات.
18) ضرورة التركيز على التدابير الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي حتى تكون الإصلاحات مقترنة بالنمو
الجانب الاجتماعي
19) تحسين شبكات الأمان الاجتماعي ضروري لدعم التكيف مع الاجراءات الصعبة.
20) تعويض الخاسرين وبشكل معلن يسهل عملية الإصلاحات ويحسن من استدامة الإصلاحات اذا ما بدى للعلن استفادة الفائزين منها.
الجانب الإعلامي والاتصالي
21) يجب على الإصلاحيين الاستفادة من وسائل الإعلام وضرورة بناء سياسات اتصالية قوية لبناء الثقة في الإصلاحات
22) تفادي التجييش الإعلامي المبني على المغالطات والتجاذبات السياسية و الاجتماعية ضروري ( من مثل تخصيص المؤسسات العمومية ورفع الدعم عن المواد الأساسية).
الدعم الخارجي
23) الدعم المالي القوي من الشركاء الخارجيين شرط هام لنجاح الإصلاحات،
• خاتمة
واجهت عملية الإصلاح في تونس، شأنها شأن تجارب بلدان أخرى، مخاطر جسيمة تتعلق بالهشاشة الاقتصادية وصعوبة تشبع جميع الجهات الفاعلة بها نتيجة الأزمة السياسية. كما ساهمت الأزمة السياسية في تأخير الإصلاحات من خلال تعطيل التوافق وخفض مستوى التنسيق وتعطيل نسق العمل نتيجة التجاذبات السياسية. إن إجراء إصلاحات في فترة انتقالية يتطلب بالضرورة اتباع نهج متعدد الأبعاد لمواجهة التحديات واكتساب حصانة اقتصادية وسياسية ومؤسسية. وهذا أمر مهم في فترة انتقالية تتسم بعدم اليقين وتضارب الأهداف بين مختلف الجهات المعنية.
منبر: لماذا تتأخر الإصلاحات بالرغم من وضوح التصور والحلول؟
- بقلم توفيق الراجحي
- 11:51 14/01/2022
- 1267 عدد المشاهدات
رغم التقدم النسبي في الإصلاحات على مستوى التصور الا ان تنزيل ذلك يجد صعوبات عديدة بعضها موضوعي، فمثلا اصلاح المالية العمومية