لماذا الإصرار على إدراج الشباب ورقة رئيسية لانطلاق أي حوار وطني؟ ماهي الأسئلة التي تتيحها المرحلة الحالية لفهم المسألة الشبابية بعيدا عن التجاذبات السياسية والاستعمال البراغماتي لهذه الفئة المجتمعية؟
منذ عشر سنوات ظلت المسألة الشبابية تطرح نفسها بقوة كفكرة جاذبة لكل الدراسات ويصر المتدخلون المحليون والدوليون على أن الحلّ لأي أزمة يمر عبر تناول قضايا الشباب لكونهم يمثلون قوّة ديموغرافية يقودون الطلب الاجتماعي. لقد هيمنت طيلة أكثر من عقد من الزمن فكرة الشباب الحاصل على الشهائد العليا كصنف شبابي يحتاج إلى عناية خصوصية. ثم يتحوّل الاهتمام تدريجيا إلى شباب الأحياء المهمشة والفقيرة غير المتعلّم بالقدر الكافي وما تعنيه من قضايا متصلة بالمخدرات والهجرة السرية والانتماء إلى شبكات الإرهاب. وفي الأثناء يقع التساؤل حول المشاركة الشبابية في الشأن العام حين تقترب الانتخابات وحين تظهر نتائج مشاركتهم المحتشمة فيها. بمعنى آخر تكون المسألة الشبابية رهينة السياق المطروح ورهينة الأحداث التي تقع.
تُعطينا هذه الصورة فرضية أولى بموجبها يكون الاهتمام بالمسألة الشبابية مشروطا بالأحداث التي يُنجزها الشباب، وهذا يعني أن هؤلاء الشباب هم الذين يقودون ويوجهون الأسئلة وليس العكس. الباحثون ومراكز البحث والدراسات والسياسيون هم الذين يلاحقون انشغالات الشباب ويصبحون في موقع ردّ الفعل وبالتالي لا يملكون القدرة على استنباط أسئلة جديدة غير تلك التي يتداولها الجميع وتعطي في النهاية نفس النتائج التي أصبحت تقريبا معلومة عند الجميع. إن قدرة العلوم الإنسانية والاجتماعية تكمن في طرح أسئلة المرحلة و أسئلة ما هو قادم والتي لا تكون بالضرورة الأسئلة المتداولة.
من الكلاسيكي القول أن إحدى مشاغل صنف من الشباب هي التشغيل، الشباب الحاصل على ديبلومات أو الشباب الذي لفظته المدرسة ولكن التمثلات التي يحملها الشباب حول التشغيل لا ترتبط فقط بفترة البطالة التي يقضيها بقدر ماهي مرتبطة بنوعية الشغل وبقدرة هذا الشغل على توفير ما يُسمى بجودة الحياة. جودة حياة جيدة بما تعنيه من قدرة على الاستهلاك ومن قدرة على ولوج عالم المُتع والترفيه والظهور أمام الأقران بمظهر لائق في عالم يقوم على إكراهات التجلّي. ولهذا يستنكف العديد من الشباب من القيام بمهن عديدة يشغلها الآن شباب قادم من البلدان جنوب الصحراء. موطن الشغل المطلوب الآن هو موطن الاعتراف، أي تلك المهنة التي تعطي لصاحبها القدر الكافي من الاعتبار المادي والرمزي وإلا يكون البديل مغامرة هجرة سرية محفوفة بكل المخاطر يكتنفها الغموض. لا يهمّ العديد من الشباب التونسي الحصول على شغل بقدر ما تهّمه المردودية المالية التي تِؤهله إلى نمط من العيش يستطيع أن يقارع به أحلامه ويقارع به أيضا نظرة الآخرين إليه.
الحياة الجنسية للشباب موضوع مُحال على البطالة الفكرية والبحثية وهو يمثّل سؤالا محوريا في حياة الشباب وفي معيشهم اليومي. هل يقدر شباب اليوم ذكورا وإناثا على الوصول إلى حياة جنسية متوازنة؟ وكيف يجد شباب اليوم حلولا لمتطلباته الجنسية في ظلّ تأخر سنّ الزواج إلى ما فوق الثلاثين؟ هذه أسئلة من أسئلة المرحلة التي يمكن الاشتغال عليها وهي من حيث الأهمية ومن حيث ضرورتها لدى الشباب تضاهي اسئلته حول التشغيل وحول بناء المستقبل. ترتبط الحياة الجنسية لدى الشباب بمصفوفة متنوعة من الرغبة في الولوج إلى أماكن الترفيه بأنواعها المختلفة. وهوية الأفراد تُقاس أيضا بمدى قدرتهم على التواصل مع عوالم الترفيه وإظهار ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الجديد في المسألة أن الأسئلة الشبابية الآن هي ليست أسئلة الجماعة بقدر ماهي أسئلة الفرد الباحث عن سبل استقلاليته الذهنية والجسدية.
أي حوار يتولاه السياسيون ويكون الشباب محوره المركزي هو حوار سيكون مثل الحوارات السابقة لأن أجندته ليست بالضرورة نابعة من انشغالاته الرئيسية بقدر ما هي نابعة من احتياجات السياسيين في مثل هذه المرحلة للخروج من الأزمة. أزمة السياسيين الحاليين هي ليست أزمة الشباب ولهذا سيكون الحوار أعرج مثل سابقيه إذا لم تطرح خلاله الأسئلة المستجدة. مسائل مثل التشغيل بمقاربة كلاسيكية ومثل المشاركة في الشأن العام ستكون ضريا من التكرار. وقبل الحوار علينا أن ندرك قابلية الشباب للحوار أم لا وقابليتهم للأسئلة التي ستطرح ثانيا.