في ذكرى الثورة : مقولة «عشر سنوات من الخراب»: كذبة شعبوية فاقعة

منذ انتخابات 2019 تهيمن الشعبوية المحافظة على الساحة الشعبية و السياسية و الإنتخابية في تونس. و قد تأسست الشعبوية

على جملة من المغالطات مثل «اتحاد الخراب» كتهمة شعبوية توجه للاتحاد العام التونسي للشغل أو «دستور النهضة» إشارة إلى دستور 2014 و هو دستور ديمقراطي و تقدمي و تمتت صياغته مضرجا بدماء الشهداء. و يمثل وصم جميع النخب بالفساد و شيطنة الديمقراطية و التلويح بفزاعة تفكيك الدولة و تفجيرها من الداخل خزعبلات أصبحت تمثل «فرازيولوجيا» phraséologie الشعبوية ومعجمها.
• 10 سنوات من الحريات والديمقراطية الغير مسبوقة
من أكبر الإنجازات التي تحققت في عشرية الثورة هي الحريات الفردية و الجماعية التي تمتع بها التونسيون بفضل دماء الشهداء. فلقد انتشرت حرية التعبير و حرية التفكير و حرية الصحافة والإعلام و النشر بصورة لم تعرفها تونس مند عهد قرطاج. فبعثت عشرات الصحف و الإذاعات والقنوات التلفزية و المواقع الإكترونية بعد أن صدر المرسومين 115 و 116 المتعلقين بحرية الصحافة و الإعلام منذ سنة 2011. كما عرفت حركة النشر و إصدار الكتب و الإنتاج السينمائي والمسرحي تطورا مذهلا مستفيدة من أجواء الحرية العارمة التي فجرتها ثورة الحرية و الكرامة. إذ لم تعرف تونس في تاريخها حركة إبداع فكري وإعلامي كما شهدته في السنوات التي تلت الثورة. أما على مستوى الحريات الجماعية فإن المواطنين وبفضل الحرية نظموا عدد لا يحصى من المظاهرات والتجمعات و الإضرابات و الإعتصامات التي لم يشهد تاريخ تونس الحديث مثالا لها. و هو مكسب كبير للتونسيين للتعبير عن احتجاجهم و تحقيق مطالبهم بعد سنوات من المنع و التعسف. ناهيك عن تأسيس ألاف الجمعيات و عشرات الأحزاب و عددا لا متناهيا من المنتديات و الهيئات.
لقد عاشت بلادنا خلال العشر سنوات الماضية 8 مناسبات انتخابية تشريعية و رئاسية و بلدية كانت ديمقراطية و شفافة في مجملها باعتراف المنظمات الدولية ذات المصداقية. كما شهدت تداولا على الحكم سنة 2011 و سنة 2014 و سنة 2019 في أجواء تليق بأعرق الديمقراطيات. دون أن ننسى تركيز المجلس الأعلى للقضاء و الهيئات المستقلة مثل الهيئة المستقلة للانتخابات و هيئة النفاذ إلى المعلومة و هيئة مكافحة الفساد و هيئة المحافظة على المعطيات الشخصية و إرساء الحكم المحلي عبر الإنتخابات البلدية و غيرها من الإنجازات.
و بفضل الحريات و الديمقراطية حظيت بلادنا بتقدير واحترام البلدان الديمقراطية المتقدمة وأصبحت مصنفة بصفتها البلد الديمقراطي الوحيد في العالم العربي و يضرب بها المثل كأيقونة الديمقراطية في جميع المحافل الدولية.
• رغم الإرهاب و جائحة كورونا: الاقتصاد التونسي صامد
هؤلاء الذين ينعتون عشرية الثورة بالخراب يتحججون بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. يجب التذكير أن كل ثورة تترافق مع أزمة اقتصادية و اجتماعية عميقة كما أظهرته تجارب الإنتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية و أمريكا اللاتينية و كثيرا ما يتخلف الإصلاح الإقتصادي على الإصلاح السياسي في مراحل الإنتقال الديمقراطي. ولم تشذ تونس على هذه القاعدة. حيث كان من نتائج الثورة وتواصل التحركات الشعبية لمدة أشهر و حتى سنوات بعد 14 جانفي 2011 تعطل عجلة الإنتاج وخاصة في قطاع الطاقة (النفط والفوسفاط) وتعطل الإدارة التي هي العصب الرئيسي للإنتاج. ويقدر بعض المختصين خسارة الإقتصاد التونسي بـ100 ألف مليار أي ما يساوي الإنتاج الوطني الخام PNB لمدة سنة كاملة.
لقد كان لظهور الإرهاب خاصة في سنوات -2014-2013 2015 - 2016 في بلادنا تأثير خطير على الإقتصاد و بصورة خاصة على السياحة التي تمثل محركا هاما من محركات الإقتصاد. كما تم توجيه اعتمادات هامة من موازنة الدولة لتعزيز القدرات الأمنية و العسكرية على حساب القطاعات الإجتماعية مثل الصحة و التعليم. و قد نجحت بلادنا في دحر الإرهاب بفضل المؤسسة العسكرية و الأمنية و المساندة الشعبية و خاصة من خلال الإنتصار التاريخي في 8 مارس 2016 ببن قرادان حيث تصدت بلادنا لمحاولة إرساء إمارة داعشية على أراضينا.
و ما إن تنفست بلادنا بعض الصعداء بعد الإنتصار على الإرهاب حتى حلت جائحة الكورونا والتي ضربت اقتصاديات كل البلدان حتى تلك الأكثر تقدما في العالم. و رغم غياب الحكومة لمدة شهرين وسوء الإدارة و الحوكمة السياسية و الإقتصادية وتعطل دواليب الدولة منذ إجراءات 25 جويلة 2021 فإن الإقتصاد التونسي لا يزال صامدا بفضل حيوية القطاع الخاص وانفتاح و تنوع محركات الإقتصاد التونسي و قوة الإدارة و عراقتها. تذكيرا بأن تونس و نظرا لغياب مصادر طاقية كبيرة لم تكن طوال تاريخها في وضع اقتصادي مريح. وبالتالي فإن تحميل الثورة و الإنتقال الديمقراطي مصاعب الإقتصاد التونسي تجني و تحامل على الثورة وعلى الديمقراطية.
فالديمقراطية ليس لها ثمن و لكن لها كلفة.
La démocratie n’a pas de prix mais elle a cout

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115