التابع لجامعة منوبة بالتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ. وكانت فرصة على امتداد يومين قدم خلالهما الأستاذ حبيب القزدغلي، المشرف العام على التظاهرة، حوصلة حول تاريخ الحركة اليسارية من 1921 إلى 2021. وتدخل عدد من الشخصيات التونسية والفرنسية لتقديم شهاداتهم على مشوار طويل من النضالات عبرت أحداثا سياسية تخللت حقبتي الاستعمار والاستقلال بمختلف تطوراتها.
وقد نظم الساهرون على التظاهرة في رواق الحبيب بورقيبة معرضا للصور والوثائق التي ترسم المراحل التاريخية للحركة اليسارية بمختلف روافدها مع التركيز على تاريخ الحزب الشيوعي التونسي الذي كان اللبنة الأساسية في عمل مخبر التراث والذي تفتح على باقي التنظيمات اليسارية مثل حركة «آفاق- برسبكتيف» والعامل التونسي. وافتتح اللقاء المؤرخ الأستاذ جورجفوليكوف الذي ركز على تطورات المرحلة الأولى من 1921 إلى 1956 التي اتسمت بعلاقة الحزب الشيوعي بالنضال ضد الاستعمار. ثم عرض فلمين قصيرين الأول «أرض تونسية» من اخراج جون جاك سيرسيك وجون بكوش والثاني «تكريم لمحمد بن جناة» للمخرج رضا بن حليمة.
مشاركات ثرية
في اليوم الثاني قدم الأستاذ القزدغلي لمحة سريعة عن مساهمة شخصيات تونسية في تأسيس الحركة الوطنية والحزب الشيوعي والحركات اليسارية وركز على الأعمال التي قامت بها شخصيات في باريس وفرنسا لزرع مبادئ اليسار ومبادئ التحرر الكونية التي تمحورت حولها جل الأنشطة بداية بمساهمة الشاذلي خير الله والطيب دباب وصولا إلى تطورات الوضع بعد ثورة 2011. وتدخلت شخصيات أخرى لإبراز تطورات الفكر الشيوعي مع تقلبات الأحداث التاريخية.وكان في مقدمتها مداخلات جون كلود سوفيروأرتور صورياوفرنسواز فالنسي التي قرأت مقتطفات من كتابات لمناضلي اليسار مثل محمد بن جناة وأحمد العثماني وفتحي بالحاج يحيى. وفتح المجال إلى مناضلين من الشباب مثل سفيان الطرودي نجل الشيخ الهاشمي الطرودي الراحل الذي قدم كتاب «الأحداث الطلابية في الجامعة التونسية في مارس 1968».
الشهادات جاءت من مناضلين مثل الأستاذ العربي بوقرة والرسام مصطفى المرشاوي. وربما كانت تلك أهم الفقرات في اللقاء لأنها قدمت تجارب شخصية مشحونة بالشعور والذكريات الحية البعيدة عن برودة البحث العلمي الذي عادة ما يفتقد للبعد الشخصي. وساهم الصحفي الشيوعي المعروف بانتمائه لتونس غي سيتبون في النقاش بتقديم شهادته على مشواره في الحزب الشيوعي التونسي وعلاقته بالمناضل الوطني الراحل جورج عدة وبروز التضامن مع الشعب الجزائري في حركة التحرير من الاستعمار.
تعاون والتزام
وفي هذا الإطارصرحت السيدة نادية الورغمي، ممثلة مؤسسة روزا لوكسمبورغ لجريدة «المغرب» أن «مكتب التعاون الأكاديمي في مؤسسة روزا لوكسمبورغ، المؤسسة اليسارية، مهتم بالشأن الأكاديمي وبتاريخ اليسار في تونس. «مخبر التراث» بالجامعة التونسية هو من المتعاونين معنا وخصوصا السيد حبيب القزدغلي الذي كان من أوائل المشاركين في أعمالنا في تونس. وهو الذي اقترح علينا هذه التظاهرة واقتنعنا بفكرة إعطاء المشروع مساحة كبيرة لتشريك الجمعيات وتمكنا من الانفتاح على عدد مهم من مؤسسات المجتمع المدني مثل جمعية «لم الشمل» وجمعية «آفاق» لأن تاريخ اليسار متنوع وثري. وساهمنا في تنظيم المعرض وندوة ضخمة في مدينة الثقافة بتونس في مارس الماضي تلتها 10 تظاهرات في عدد من المدن التونسية. وقمنا بتسجيل 23 شهادة شخصية إلى الآن ونحن بصدد تسجيل شهادات أخرى. وسوف يضفي ذلك إلى انجاز كتاب جماعي في هذا الشأن.»
من ابن خلدون إلى الحبيب بورقيبة
عندما يبحث القادم عن طريقه إلى رواق الحبيب بورقيبة يفاجأ بشموخ المبنى الجديد الذي جمع بين الحداثة في الهندسة المعمارية والتشييد وتأصيل الرواق بغلاف ثقافي عربي عبرنسيج من الحروف العربية قام بكتابتها وصنعها الرسام التونسيحسني هرتلي (شوف) الذي كان له كذلك، من ضمن أعماله التشكيلية، مساهمة في رسم جدار على مبنى معهد العالم العربي بباريس. وهو ما يعطي لرواق الحبيب بورقيبة وجودا متميزا في باريس غرس فيها خصوصية عربية، راقية المشهد، تجلب أنظار المارة.
وصرح لنا السيد الطاهر بطيخ مدير دار تونس بباريس أن»هذه المؤسسة الجامعية انطلقت عام 1953 برواق ابن خلدون ثم افتتحت في سبتمبر 2020 رواق الحبيب بورقيبة الذي أضاف 200 غرفة ليصبح مجمل الغرف 400 مفتوحة للطلبة والباحثين. وتأتي الجالية الجامعية التونسية في المرتبة الثانية بالنسبة لعدد الجاليات المتواجدة في المدينة الجامعية الدولية بباريس الذي يصل عددها الجملي إلى 150 جنسية مختلفة. وتمثل المدينة الجامعية التي تحتضن 14000 طالب وباحث مدينة داخل المدينة».
وأضاف السيد بطيخ أن «رواق الحبيب بورقيبة يحتوي على قاعة عرض 250 مقعدا تمكن من تنظيم تظاهرات ثقافية متنوعة ومحاضرات وندوات تجعل منها مركزا ثقافيا تونسيا في باريس. وهي منفتحة على كل التونسيين وأصدقاء تونس الذين يريدون تنظيم تظاهرات لتبادل الخبرات والمعلومات. الرواق الجديد هو مركز لقاءات التونسيين في باريس. وفي هذا الإطار استضافت دار تونس تظاهرة اليسار التونسي بباريس التي نظمها مخبر التراث حول 100 سنة من تاريخ اليسار التونسي (من 1921 إلى 2021)».
ويكيبيديا اليسار التونسي
ورغم أهمية التظاهرة فإن جل الجمعيات الأهلية العديدة للمهاجرين التونسيين التي تنشط في باريس وفي جل المدن الفرنسية قد تغيبت ولم تشارك لا بالشهادات ولا بالحضور. ولم يحضر للنقاش شخصيات ذكر اسمها في برنامج اللقاء. وهذا مؤشر سلبي لا بد لمنظمي التظاهرة تداركه في مستقبل النشاطات في تونس أو خارجها. وذكرت ممثلة روزا لوكسمبورغ نادية الورغميأنه «في المستقبل سوفتواصل مؤسسة روزا لوكسمبور العمل على ابراز تاريخ اليسار في تونس باستدعاء كل الأطراف التي ترغب في المشاركة، وجمع الشهادات من أجل التوثيق للمسيرات الشخصية مع خصوصياتها لأنها تلعب دورا كبيرا في رسم خطوط مسيرة المناضل والمناضلة من الطفولة إلى اليوم هذا. أما المشروع المستقبلي فهو ارسال محطة رقمية بمثابة «ويكيبيديا اليسار التونسي» تودع فيها الوثائق من كل أنواعها (شهادات، صور، تقديم تاريخي للأحداث) وذلك يشجع على البحث بالنسبة للباحثين الأكاديميين الذين يصعب عليهم العثور على مثل هذه الوثائق. وتبقى مفتوحة للجميع لأن تاريخ اليسار هو جزء من تاريخ تونس».