منبــــر: 10 ديسمبر 1948 - 10 ديسمبر 2021 الذكرى 73 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أسبقيّة خطبة حجّة الوداع في التأسيس لحقوق الانسان والحرّيات العامة


يظلّ تاريخ اليوم منقوشا في الذاكرة يوم 10 ديسمبر فهو تاريخ يسجّل تدوين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة حقوق دولية تبنتها الأمم المتحدة

منذ سنة 1948 في باريس. وقد تألّف هذا الإعلان من 30 مادة كانت نصاً تأسيسياً في تاريخِ حقوق الإنسان والحقوق المدنية، والحرّيات الأساسية وعليه فقد أثّر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على التطوّرات القانونية والسياسية والاجتماعية على المستويين العالمي والوطني، ولعلّ أهميته تتضح كذلك من خلال ترجماته البالغ عددها 524 ترجمة، وهي أكثر من أي وثيقة في التاريخ.

والمعلوم أنّ قضية حقوق الإنسان من القضايا التي تحظى بأهميّة كبرى في العالم في العصر الحديث، على مستوى الشُّعوب، والدُّول، والمنظّمات والهيئات الدولية.

ولا نشكّ البتّة في هذا الميثاق في دوره منذ عقود كما لا نشكّ في أنّه لدينا في موروثنا الإسلامي ما به سبقنا هذه الميثاق في مادة حقوق الإنسان ولعلّ من عدم الانصاف أن يتغنَّى البعض بأنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعتبر أوّل إعلان يصدر عن هيئة عالمية- فإنَّ هذا يُعَدُّ مغالطةً صريحةً؛ لأنَّ المتأمّل في القرآن الكريم وفي السُّنَّة النَّبوية عامةً، وفي خطبة الوداع خاصةً والتي ألقاها رسول الإسلام صلّى الله عليه وسلّم والبشرية جمعاء منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكانت لقاء وداع بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمّته، حيث لخَّص فيها مقاصد الإسلام في كلمات جامعة، وأرسى فيها مبادئ الرحمة والإنسانية وحقوق الإنسان، تُعتبر بمثابة الإعلان العالمي الأوّل لحقوق الإنسان.وقد قال عنها الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدّمة كتابه لسان الميزان: «وقد بلغت التَّواتر». وهذا بداية نصّ رواية مسلم في صحيحه «إنَّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم ..».....وهذه خاتمتها «أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه تعلمُنَّ أنَّ كلَّ مسلمٍ أخٌ للمسلم، وأن المسلمين إخوةٌ فلا يحلُّ لأمرئ من أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟.فذكر لي أن النَّاس قالوا: «اللهم نعم»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد.» ..وقد طفحت الخطبة في ثناياها بعديد القيم الانسانيّة الخالدة

ليس الهدف من إظهار مزايا حقوق الإنسان في خطبة الوداع مجرّد «التِّيه والاستعلاء» على الأمم والحضارات الأخرى بقدر ما هو إنصاف للإسلام فمن خلال قراءة نصوص ميثاق حقوق الإنسان الوارد في خطبة الوداع، يتضح أنّها ربّانية المصدر «وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ» فاطر : 31. وليست وضعيّة قال الله تعالى» يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» الحجرات: 13وموجّهة لكافة الإنسانية «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» النساء: 1.فحقوق الإنسان في الإسلام أبديّة، ثابتة، إلزامية، لا تقبل: الجزئية، والحذف، والتَّبديل. وعلى الفرد: الأخذ بها؛ راجيًا ثواب الله، خائفًا من عقابه، وكذلك الأسبقية. قبل كلّ المواثيق تاريخيا فبدأت بظهور الإسلام نفسه، وقد اشتملت على حقوق ثابتة لله تعالى، وحقوق للعباد؛ كحقوقه المدنية، والسِّياسية، والاجتماعية، والثَّقافية، إلى غير ذلك من الحقوق الأخرى.وما كانت الآيات القرآنية، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقتها إلا مواثيق وقوانين. وهي معتدلة خاليةٌ من الإفراط والتَّفريط.والشُّمولية فمن حقوق الإنسان التي لم ترد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثل حقوق اليتامى وحقّ ضعاف العقول فقد كفل لهم الإسلام حق الرِّعاية والاهتمام، وأمر بحسن معاملتهم، كما في قوله تعالى: «وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا «النساء: 5.وثالثا حق الميراث للجميع قال تعالى «لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا» النساء: 7، ورابعا حق الدِّفاع عن النَّفس كما في قوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» البقرة: 194 وحق العفو.
وقد سبق الإسلام في مجالات الحقوق والحرّيات:

• حق ّ الحياة: أن نفس الانسان معصومة ويحرم الاعتداء عليه بالقتل وما دون ذلك « وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ «الإسراء: 33.

• حرية الاعتقاد فلا يكره الكافر على الإسلام « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ «البقرة: 256.

• حقّ الضعفاء وتشريع ما يمنع من ظلمهم والاعتداء عليهم فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحرّج عليكم حقّ الضعيفين: اليتيم والمرأة « رواه الحاكم (1/ 63) وقال حديث صحيح . ورأى رسول الله -صَلى الله عليه وسلم- أبا مسعود البدري يضرب غلاماً خادماً عنده فحذره وهدده، يقول له: «اعلم أبا مسعود إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، فقال: هو حرٌ لوجه الله، فقال له: «أما لو لم تفعل للفحتك النار» رواه مسلم.

• حقّ العدل والحريّة : يقول تعالى «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» النساء: 58، ويقول رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-: «إن الله أعطى كلّ ذي حقّ حقّه» رواه الترمذي

يقول صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري، وقال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-؟ فقال: «وإن قضيباً من أراك» رواه مسلم.

وسمى رسول الله -صَلى الله عليه وسلم- أكل حقوق الناس الواقع فيهم: مفلساً، فيأتي يوم القيامة مفلساً خاسراً، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» رواه مسلم.

ولعلّ أبرز خاصيّة لحقوق الإنسان في ديننا ثباتها وعدلها وتطبيقها على الجميع في حين نرى من ينادون بها اليوم ويعتمدون هذا الميثاق العالمي الذي نحتفل بذكراه اليوم يتعاملون بحقوق الإنسان حسب الهوى فتجد أن دولا غربية خاصة في الجملة تعطى شيئا من تلك الحقوق لكن إذا تعلّق الأمر بغيرهم فتنتهك حقوق الشعوب وتحتلّ البلدان وتنهب خيراتها ويقتل الأبرياء من الشعوب التي تتشدق بحقوق الإنسان وما احتلال العراق وأفغانستان عنا ببعيد ولا ننسى القضيّة الفلسطينيّة وما أتاه الغاصبون من بني صهيون . وحقوق الإنسان عندهم نسبية تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان فليست حقوق ثابتة بل متغيرة بخلاف حقوق الإنسان في الإسلام. كما يستغلّ هؤلاء حقوق الإنسان للضغط على الحكام لتنفيذ مطالبهم فكم من حاكم ظالم أمدوه وأعانوه فإذا لم ينفذ لهم ما يريدون أثاروا عليه مسألة حقوق الإنسان وأنه منتهك لهذه الحقوق مع أن هذه الانتهاكات ليست وليدة الساعة. وكثيرا ما تستغلّ حقوق الإنسان لفرض ثقافة على العالم منتهكا خصوصية الدول التي ترجع لدين أو عرف أو غيره.

والخلاصة أنّني لا أدعو لجدال عقيم بل أدعو لقراءة متأنيّة ودراسة علمية مقارنة حول حقوق الإنسان بين الإسلام والإعلان العالمي لتكون بين أيدينا مقاربة فكرية لإشكالية حقوق الإنسان من منظورين مختلفين في الحقيقة يتقابلان ولا يتصارعان.
لذا علينا أن نكشف عن جوهر نصوصنا وتراثنا في هذا الباب حتّى لا نترك من يعتقد أن القيم الغربية قيمًا كونية عليا في مقابل القيم والحقوق المنبثقة من الإسلام على أنّها قيمًا محلية وثانوية وحتّى ندافع عن ديننا ممن يتّهمه بأنّه يمثل «خرقًا لحقوق الإنسان».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115