منبــــر: رفضته بريطانيا و خففت منه أوروبا : «الجواز الصحي» التونسي: متطرف و يعمق الفوارق بين المواطنين

بصورة مفاجئة ودون حوار او تشاور مع المجتمع تم اصدار المرسوم الرئاسي عدد 1 لسنة 2021 المؤرخ في 22 اكتوبر 2021 و الذي يتعلق بجواز التلقيح الخاص بفيروس «سارس كوف2».

ففي اوروبا مثلا خضع هذا الموضوع لحوار واسع بين مكونات المجتمع بل تظاهر آلاف المواطنين في فرنسا لمعارضته. فتخلت عنه بريطانيا و خففت منه و حددته بلدان أخرى بسقف زمني. أما المنظمة العالمية للصحة فقد دعت إلى ضرورة الإعتماد على الإقناع لا على الردع لتشجيع المواطنين على التلقيح.

الحرمان من العمل و من المرتب (الفصل 6) : إجراء تعسفي
الفصل السادس من هذا المرسوم صادم حقا. اذ حسب هذا الفصل « يترتب عن عدم الاستظهار بجواز التلقيح تعليق مباشرة العمل بالنسبة لأعوان الدولة و المنشات العمومية و الجماعات المحلية...و تعليق عقد الشغل بالنسبة إلى اجراء اقطاع الخاص إلى حين الادلاء بالجواز. و تكون فترة تعليق العمل او عقد الشغل غير خالصة الاجر». وهذا يتناقض مع قانون الوظيفة العمومية و مجلة الشغل التي تحدد الإيقاف عن العمل بارتكاب خطإ جسيم في انتظار الإحالة على مجلس التأديب. فهل عدم الإستظهار بجواز التلقيح خطأ جسيم؟؟؟
والأخطر من ذلك أنه قد يصبح ذريعة لإيقاف العمال او الموظفين غير المرغوب فيهم خاصة في القطاع الخاص و المؤسسات الصغرى حيث يتم الالتجاء إلى مثل هذه الذرائع لطرد العمال خاصة في غياب التواجد النقابي. و ما يغذي هذه المخاوف أن اليات مراقبة الإستظهار بجواز التلقيح ( التي ستصدر بقرارات ) قد تكون غير دقيقة و من السهل التشكيك فيها مما يطرح على العمال صعوبات إضافية. من جهة اخرى لمَ يخضع الموظفون والعمال فقط لهذا الإجراء ولا ينطبق على أصحاب المهن الحرة و المشتغلين للحساب الخاص و هم بعشرات الآلاف مما يعمق الفوارق بين المواطنين. بعضهم محظوظ و غير مجبر على الإستظهار بجواز التلقيح و آخرون مضطرون للإدلاء به و إلا سيتم منعهم من العمل وحجب رواتبهم.
تذكيرا بأنه لا يوجد في اوروبا التي انتهجت «الجواز الصحي» أي إجراء مماثل. فحتى فرنسا التي تعتبر إجراءاتها متشددة لم يفرض الجواز الصحي إلا على الموظفين والعمال الذين لهم تواصل مباشر مع المواطنين مثل المستشفيات والمقاهي و المطاعم و المساحات التجارية الكبرى.
الجواز الصحي يعقد الخدمات الإدارية المعقدة أصلا.
لقد عدد الفصل الثاني من المرسوم عددا لا يحصى من المؤسسات العامة و الخاصة التي يتطلب الدخول اليها جوازا صحيا من الإدارات العمومية إلى المعاهد و الجامعات وصولا إلى المقاهي و المطاعم و المساحات التجارية... إلا أنه استثنى البنوك و التأمينات و قطاعات خاصة أخرى. اولا هذه بدعة تونسية. ففي فرنسا وألمانيا و غيرها اقتصرت المطالبة بجواز الصحة على بعض وسائل النقل و الفضاءات الترفيهية. ولا نجد في القائمة لا المعاهد و لا الجامعات ولا الخدمات العمومية. من جهة أخرى و انطلاقا من معرفتنا بالبيئة التونسية فإن الدخول للفضاءات الترفيهية الخاصة سيكون مفتوحا و سيتم تسهيل عملية الإدلاء بالجواز الصحي للحرفاء. و بالمقابل سيكون تعامل الإدارات العمومية مع الجواز الصحي شديد الصرامة مما سيجعل وصول المواطنين للخدمات الإدارية صعبا جدا سواء تعلق الأمر بالمصالح البلدية أو شركات الكهرباء و المياه أو الصناديق الإجتماعية و القباضات المالية و غيرها..
إن مستوى الخدمات الإدارية ما فتئ يتدهور مثيرا غضبا متعاظما للمواطنين. و قد عمقت أزمة الكورونا مصاعب المواطنين للوصول إلى تلك الخدمات. و الخوف كل الخوف ان يزيد نفعيل الجواز الصحي كما جاء به المرسوم الرئاسي من صعوبات و«عذابات» المواطنين تجاه الخدمات الإدارية.
ضرورة «تسقيف» مدة العمل بالجواز الصحي.
في فرنسا هنالك جدل كبير حول مدة العمل بالجواز الصحي. ففي حين تريده الحكومة إلى جويلية 2022 تسعى المعارضة لأن لا يتجاوز شهر فيفري القادم. و في تونس و بعد صدور هذا المرسوم فإنه من الضروري وضع سقف زمني لفترة العمل بالجواز الصحي..
و لكن قد يكون مطلبنا مجرد أمنية. فالسلطة الحالية التي ترفض تسقيف الإجراءات الإستثنائية قد لا تقبل مجددا «بتسقيف مدة الجواز الصحي».
عسى ان لا يسقط السقف على الجميع...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115