حتى دعا منظرو البلاشفة (لارين، بوخارين، بريوبرازينسكي) بقيادة لينين الى تنفيذ إصلاح اقتصادي سريالي: إلغاءالعملة. و أصبح الغاء الروبل هدفا في حد ذاته للحزب الشيوعي في مارس 1919.
فقد كان السؤال المحوري لأكبر المنظرين الاقتصاديين البلاشفة حينها يتلخص اساسا في المحافظة على عملة الروبل ام الغاؤها. كان الفكر السائد لدى البلاشفة يرى ان الغاء العملة والنقود عموما بإمكانه تحطيم اقتصاد السوق والحد من تطور الرسمالية وأن تواجدها يتعارض مع التحول من نظام اشتراكي الى نظام شيوعي. وكان السائد في بداية الحقبة البلشفية ان استبدال النظام النقدي بنظام توزيع السلع ضروري وذلك باعتماد قسائم تصدرها الدولة بحكم انها المسؤولة عن عملية التوزيع والانتاج. لذلك كانت فكرة الغاء الروبل في الفكري الماركسي عموما متلازمة مع الغاء نظام التجارة.
• ماهي الخطة لإلغاء الروبل؟
كانت الخطة التي قدمها لارين أحد المنظرين القريبين من لينين تتمثل في الدفع الى التضخم عبر سياسة اغراق الاقتصاد بطباعة الآوراق النقدية للروبل حتى يفقد قيمته ويضمحل من تلقاء نفسه. لذلك سمح لبنك الشعب (البنك المركزي) بطباعة الروبل دون حدود منذ ماي 1919 و اصبحت طباعة النقود من أولى الصناعات السوفياتية في ذلك الوقت من حيث التشغيل الى حد ان عملية طباعة الروبل اصبحت أكثر كلفة من قيمته.
وقد تضاعف تقريبا حجم النقود الورقية المتداولة أربع مرات خلال سنة 1919، وما يقارب خمسة مرات سنة 1920؛ وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 1921 تضاعف مرة أخرى. في الفترة من 1 جانفي 1917 إلى 1 جانفي1923، زادت كمية الفضة 200،000 مرة وتضاعفت الأسعار بعشرة ملايين.
في أوائل فيفري 1921، كان مرسوم إلغاء العملة رسميا على وشك الصدور، ولكن الحكومة تراجعت عن ذلك نتيجة حجم الدمار الذي لحق بالاقتصاد و خصوصا في الانتاج الفلاحي والمجاعة التي انتجها بحكم عدم قابلية نظام التبادل الجديد من طرف الفلاحين و انهيار القدرة الشرائية. وهنا فاجأ لينين الجميع قي مؤتمر مارس 1921 بإطلاقه السياسة الاقتصادية الجديدة المعروفة باسم N.E.P الروسية والتي تعد ردة كبرى عن السياسات السابقة و قطع مع مقولة الغاء العملة, ركزت هذه السياسة الجديدة على معالجة حجم الدمار الذي لحق بالاقتصاد و انطلقت بمكافحة التضخم مع إدخال روبل جديد. لم يكن ذلك كافيا للعودة للنقطة الصفر و أصدر بنك الشعب في أكتوبر 1922 ورقة نقدية جديدة وفي عام 1924، تم سحب الروبل واستبداله بروبل رقاعي وقد تواصلت أثار ذلك حتى في حكم ستالين.
في الحقيقة استخلص لينين في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي (مارس 1921) الدرس من الخطإ الذي ارتكبه بالعمل على التخلص من الروبل عبر سياسة نقدية انتحارية ودعا في اطار السياسة الاقتصادية الجديدة، تنفيذ مجموعة من التدابير الصارمة و المتعلقة بإنشاء مصرف الدولة (12 أكتوبر 1921)، واعادة الاعتبار للتجارة الداخلية و المبادلات في السلع بين المؤسسات، من جهة، وبين المؤسسات التجارية و المواطنين، من ناحية أخرى، ودفع الأجور بالنقود، واستبدال الضرائب العينية ، و الحرص على تخفيض العجز في ميزانية الدولة ثم القضاء عليه و أكد خاصة على الإصلاح النقدي مع سياسة تثبيت قيمة الروبل.
• الرؤية الماركسية للنقود:
يعتبر ماركس وإنغلز أن الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج تجعل من غير الضروري الإنتاج للسوق، وبالتالي، الحاجة إلى النقود كأداة للتبادل. وفي هذا النوع من المجتمعات يتلقى المنتج «من المجتمع قسيمة أو رقاعا تثبت أنه قدم كمية من العمل ويسحب بهذه القسيمة من الاحتياطيات الاجتماعية كمية الوحدات الاستهلاكية التي توازي فقط كمية العمل الذي قام به.
هكذا، لم ينكر ماركس وإنجلز جدوى االنقود كوسيلة لتنظيم تبادل المنتجات والخدمات ولكن وقع شجب دورها كوسيلة لتراكم رأس المال لذلك كان هدف تدمير النظام الرأسمالي يمر حتما عبر إلغاء وسيلة تراكمه ألا وهي العملة أو النقود واستبدالها برقاع ماركس.
عملة ماركس كانت بمثابة «شهادة كمية عمل» وتختلف عن مفهوم النقود في انها لا تقدم لمالكها الا استعمالا وحيدا ومقايضتها بكمية معادلة من السلع الاستهلاكية وذلك على عكس ما تقدمه النقود من خيارات متعددة. ثم ان هذه العملة اسمية لصاحبها محددة في الزمن ولا يتم تبادلها بين الأشخاص مما يؤكد ان الاقتصاد الذي يتماشى مع هذه العملة اقتصاد المقايضة دون نقود.
لم يشذ معظم أتباع ماركس وإنجلز وخاصة مؤسسي اللينينية (بليخانوف، بوخارين، تروتسكي ولينين نفسه) قبل ثورة أكتوبر وخلال السنوات الأولى التي تلت ذلك عن خيار بناء مجتمع جديد على أساس الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج والتخطيط المتكامل خال من التجارة و النقود,
لذلك انخرط البرنامج الذي اعتمده مؤتمر الحزب الثامن في عام 1919 في القضاء على الأموال من الدائرة الاقتصادية لسبب ايديولوجي و هو تجريد «العناصر البرجوازية» من االرموز النقدية للثراء من أجل منع المضاربة والربح و فرض دكتاتورية البلوريتاريا معتبرين ذلك من أوجه إقامة العدالة الاجتماعية ؛ ولكن كان ذلك شكلا من أشكال السماح للدولة بتمويل المجهود الحربي من خلال إصدار نقدي غير مسبوق ادى في الحقيقة الى انهيار الاقتصاد.
فهل تعلم لينين الدرس من لينين؟