منبــــر: الأزمة السياسية: بين الحكمة والمكابرة !

بقلم: سفيان المخلوفي 

نائب بمجلس نواب الشعب

في اللحظات الحرجة تكون الهرولة الى الأمام دون تبصر من خصائص المكابرين والمتوترين.

فلا يجب ان يدفعنا التعنت الى عدم اعتبار الازمة التي نعيشها خطيرة وهي متعددة الاوجه وان ازمة الشرعية هي التي تحوم حولها باقي الازمات…
ها ان رئيس الدولة يفرض بأمر الواقع حكومته ولكنه في ذات الوقت يقبل قسمها على الدستور بما يعني ان الرئيس لازال ملتزما بسقف الدستور رغم كل التجاوزات التي اقترفها في حقه وان البحث عن مخرج دستوري للازمة لازال قائما…
وفي ذات الوقت يعجز نواب مجلس الشعب عن ايجاد مخرج لأزمة مؤسسة من المفروض انهم مؤتمنون عليها…
إن مستقبل بلادنا والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به يدعونا الى الاعتراف بالحقائق والنظر الى الحلول العملية الممكنة بدون مكابرة ولا معارك كسر العظام…
وعلينا نحن كنواب ان نبدأ بنقد انفسنا قبل ان نوجه النقد لرئيس الدولة ونرى عيبنا قبل ان نطلب من الاخر ان يصلح عيبه…

• مجلس نواب الشعب:
لقد كان المشهد البرلماني متدنيا وبذيئا ومشوها ورسم لنفسه صورة سيئة داخليا وخارجيا. ويعود ذلك الى الاتي:
- إن رئاسة راشد الخريجي الغنوشي لمجلس نواب الشعب كان منذ البداية ضربة قاسية له، لانه لم يكن نائبا عاديا بل زعيم طرف سياسي ويختزل في شخصه كل عنف الصراع الفكري والايديولوجي والسياسي بل وحتى الاقليمي فضلا عن عدم قدرته على ادارة المجلس.
- ان حركة النهضة تصرفت من خلال المجلس كحزب الدولة وان الدولة هي دولة الحزب.
- الاغلبية البرلمانية استغلت خطأ الرئيس قيس سعيد بتعيينه للسيد المشيشي وحولت طمع هذا الاخير في الكرسي الى سلاح حاد لمحاربة الرئيس والدخول معه في معركة مفتوحة عبر المحاصرة المتبادلة.
- بعض الكتل التي تدعي التقنية نفذ بعضها الى اروقة مراكز القرار في الحكومة ولأن الحاجة اليها في تكوين الاغلبية والتوازن السياسي كان ضروريا فقد نفذت الى تلك المراكز حسب اجندات خاصة وطوعت عملها النيابي لصالح ذلك
- في طريقة معارضة كتلة الدستوري الحر لراشد الغنوشي ومهما كان حقها في ذلك فقد ذهبت الى استعمال اساليب وطرق عطلت عمل المجلس في اكثر من مرة ولعبت دورا محوريا في ترذيل المشهد البرلماني
- الكتلة الديمقراطية لم تعمل على برنامج واضح واستراتيجي في معارضة الاغلبية وكان جهدها مشتتا مع سقوط بعض اعضائها في العنف اللفظي والاستفزاز مما اعطى صورة كذلك على انخراطها في فوضى المجلس.
- كما اعتمد العديد من النواب منطق «البلطجة» والالفاظ السوقية مما حط من صورة النائب.
- جزء آخر من النواب ومن جميع الاطراف ترك جانبا مهمته الوطنية التشريعية الاساسية لدولة تسير نحو الانهيار وانبرى الى الزبونية الانتخاباوية الجهوية بطرحه لمشاكل محلية منفصلة تماما عن السياسات العامة للدولة لتركيز راس مال انتخابي...
- اصوات العقل من كل الاطراف بقيت مشدوهة وباهتة وعاجزة امام مشهد يزيد سوء كل يوم ولم تتحلى بالشجاعة اللازمة للتأسيس لفعل يوقف ذلك التدهور ونأت بنفسها عن ذلك الصراع وبقت في موقف المتفرج...
واذا اردنا الاختصار فيمكننا القول انه بدل ان يكون المجلس مركز صراع الافكار والبرامج للاحزاب والكتل، اصبح حلبة صراع مدمر لما يقع خارجه من تصفية لحسابات سياسوية وصراع لمراكز النفوذ والقوى...

• رئيس الدولة:
رئيس الدولة نفسه كان جزء مهما من تلك الازمة وذلك التعفن وقد نجح في تصدير سوء اختياره لهشام المشيشي الى المجلس وسقطت الاغلبية البرلمانية بتعنتها وتلهفها على السلطة في استبطان ما صدره اليها…
رئيس الدولة هدف من خلال تعيينه لصناعته هشام المشيشي الى المسك بكل خيوط السلطة التنفيذية ولكن عندما انقلب عليه عمل بكل تفاني على تعطيل وتجميد كل شيء واصبح هدفه الاول القضاء على المشيشي مهما كان الثمن وحتى الازمة الصحية الكارثية كانت محور صراع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة وما صاحب ذلك من بروبڤندا والبروببڤندة المضادة…
كما ان رئيس الدولة لم يعمل طيلة السنتين الماضيتين على اي مبادرة تشريعية رغم تمتعه بأولوية النظر في اي مبادرة ولم ينسق جديا مع اي طرف سياسي او طرف اجتماعي ادعى القرابة منه للبحث عن تطوير الوضعية ايجابيا…

• تداعيات الازمة:
يجب علينا كنواب ان نعترف ان المجلس الذي انتخبنا له في نهاية سنة 2019 قد انهى دوره بنفسه ورذل نفسه بنفسه ولم يكن بالامكان ان يتواصل على تلك الشاكلة وهو الذي حاد في عمومه عن مهامه التشريعية والرقابية وفقد بالتالي احترام عموم التونسيين…
نحن الان امام مجلس معطلة مهامه الدستورية وامام حكومة فرضت بقوة الامر الواقع وفاقدة للشرعية الدستورية مما سيجعل من وضعها الداخلي والخارجي مهزوزا…وامام الوضعية الدستورية المشكوك في شرعيتها ستكون هذه الحكومة ضعيفة امام المؤسسات الدولية المالية لان شرعية تلك الاتفاقات ستكون هاجسا اساسيا لها…
كما ان التحريض المتبادل والتراشق بالتخوين بكل الوسائل من اجل فرض تمش يقصم ظهر الخصم يفتح الباب على المجهول وعلى احتراب معنوي عنيف يمكن ان ينقلب الى فوضى…
مع العلم ان الدولة في خضم كل هذا في وضع مالي واقتصادي واجتماعي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من اثقاله وان استقرارا سياسيا واجتماعيا ومؤسساتيا ضروري لوقف النزيف وايجاد حلول لا يتنازع حولها عموم التونسيين…
إن احداث سابقة في تجاوز الدستور وتغييره حسب ارادة الامير ستكون خطرا على مستقبل استقرار الدولة ومن الممكن ان تصبح عادة سياسية لكل من اراد تجيير الدولة لصالحه...
كما ان تجاوز الدستور بقوة الواقع تضع شرعية مؤسسة الرءاسة في الميزان وتفتح باب الانقلابات فمراكز النفوذ الداخلية والخارجية لها ما تعمل عليه زمن المنعرجات ، فالدستور هو ضمانة لرئيس الدولة نفسه كما لباقي المواطنين وللدولة ذاتها…

• ما العمل وما الحل:
في خضم كل هذا، واعتبارا لاعلانات رئيس الجمهورية عن تمسكه بالعمل في اطار الدستور وقبوله اداء اليمين للحكومة على الدستور وجب ايجاد حل في اطار شرعية سقف الدستور يكون جامعا لكل التونسيين...
وفي اطار امكانيات الحلول المعقولة يقع على النواب ايجاد حل في الجزء الذي يخصهم. ويمكن تلخيصه في التالي:
- على جميع معارضي اجراءات رئيس الدولة وانصار الشرعية الدستورية الاعتراف بأن ما كان قبل 25 جويلية ما كان ليستمر وان المعنيين بالبرلمان لم يجدوا حلا قبل فوات الاوان ووجب التعاطي مع اجراءات 25 جويلية لاصلاح المسار الديمقراطي مع رفض الامر الرءاسي 117 وما ترتب عنه…
- على نواب المجلس ان يكونوا جزء ايجابيا من الحل ويتحمل جميعهم فشل مجلسهم وان عودة الامر لما كان عليه قبل 25 جويلية هو سياسيا واخلاقيا غير ممكن. اما العودة بشكل مغاير في اطار حل لصالح البلاد وليس لصالح التموقعات الشخصية او الحزبية ممكن…
- ويكون هذا الحل في اطار اتفاق شامل يحضى بضمانات المنظمات الوطنية والشخصيات الاعتبارية ويمكن ان يكون كالاتي:
- استقالة رئيس المجلس ونائبيه لانهم يتحملوا متضامنين فشل إدارته ويقع الاتفاق على تصعيد رئيس جديد ونائبين لهم ثقة النواب والفاعلين السياسيين والمدنيين.
- يلتزم المجلس بمنح الثقة للحكومة التي عينها رئيس الجمهورية وبذلك يبتعد عن اي صراع يخص السلطة التنفيذية ويتركها لمسؤولية رئيس الدولة
- يمنح المجلس مباشرة بعد منح الثقة للحكومة امكانية التشريع في المسائل الاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية بالمراسيم حسب مقتضيات الفصل 70 من الدستور
- يلتزم المجلس بالموافقة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالاستثمار والمالية.
- استكمال وسد الشغور الخاص بالهيئات الدستورية وخاصة منها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية
- تعهد النواب بالابقاء على رفع الحصانة في كل النزاعات الجزائية باستثناء قضايا الرأي
- التزام المجلس بالمشاركة في ندوة وطني بمشاركة مؤسسات الدولة والفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمدنيين والهيئات المستقلة ذات الصلة بالانتخابات لاعداد قانون انتخابي جديد والنظر في امكانيات التعديلات الممكنة للدستور
- بالتوازي مع هذه الندوة الوطنية يدفع الي هيئة قضائية مستقلة وجدية للنظر في التجاوزات المضمنة بتقرير محكمة المحاسبات فيما يخص الاحزاب والقائمات الانتخابية
- عند الانتهاء من القانون الانتخابي والاتفاق عليه في اطار الندوة الوطنية يصوت عليه مجلس النواب حسب التزامه السابق بذلك ويقع عندها حل المجلس والمرور الى انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لاوانها حسب القانون الانتخابي الجديد...
نعتقد ان هذا مخرج منطقي وعقلاني للبلاد وللرئيس نفسه بعيدا عن معارك كسر العظام ومواجهات الشوارع…
ان الحلول المثلى للشعوب عندما تقع في التنازع السياسي تكمن في محاولة الخروج بأقل الاضرار في اطار شرعي وقانوني لان المغالبة مهما كانت قوة أي طرف فيها تؤسس دائما لمنطق القوة وفرض الامر الواقع…فتجربة العشر سنين الماضية نتعلم منها ونبني عليها للتخلص من اخطائها وليس العودة الى طريق سابق رأينا عاقبته.
إن الشعوب تحكم بأسلوبين لا ثالث لهما لانه لا يوجد حكم فردي وديمقراطي في الان نفسه…
إما حكم فردي استبدادي لخلق الاستقرار عبر التخويف لان الحكم وتسيير الدولة والمجتمع لا يخلوا من ازمات وليس سجادا مفروشا بالورود…ومآسي التفرد في الحكم نتائجها معروفة في التاريخ.
او ان يكون الحكم عبر توافقات لحلول عملية تضمن التواصل والاستقرار في اطار القانون فالتوافقات عند الازمات هو احد عناصر الديمقراطية والتوازنات داخل الديمقراطية هي عنصر الاستقرار عند الالتزام بضوابطها…
والتوافق في الديمقراطية لا يعني التحيل السياسي والزبونية التي طبعت الفترة المنقضية واقتسام المواقع بل قواعد شفافة يتحمل فيها المواطن والحاكم مسؤوليتهم.

• (هذا موقف شخصي بصفتي كنائب ولا يمثل بأي شكل من الاشكال حزب التيار الديمقراطي)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115