منبــــر: الرسالة المفتوحة الثانية إلى السيد رئيس الجمهورية، صاحب الأحكام السلطانية، الحاكم بأمر التدابير الاستثنائية، رئيس السلط جميعاً، القائد الأعلى للقوات المسلّحة قاطبة: العَجَلةُ أمُّ الندامة.. فأبْطِئْ علينا، يا مولاي

المُرسل:  وحيد السعفي

سيادة السيادات
تحيّة طيّبة، أمّا بعد
1 – بلغني، يا مولاي، أنّهم يستعجلونك الأمرَ، يُريدونك وقفَ الاستثناء والعودة إلى الوراء ووضع خارطة للطريق وتشكيل حكومة للسلطان، فخيّبتَ آمالَهم، ومدّدتَ الاستثناء إلى إشعار آخر، هو آتٍ لا ريبَ فيه، ولكنّه كالساعة علمه عند الله. ثمّ بلغني، يا مولاي، أنّك أصدرت البلاغ التاريخيّ فأكّدت أنّ الاستثناء صار القاعدة، فهنيئاً لنا بك، واحكم بأحكامك فينا، وأبْطِئْ علينا ما شئت، فنحن نعرف أنّك تنهل من أصول الثقافة، شعارك المثل العربي الأصيل: في التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة، وسَندك الحديث الشريف: العجلة من الشيطان، ألا فاحذروا الشيطان، ومَثَلُك مَثَلُ السلحفاة التي غلبت الأرنب، ألا فاحذروا السلحفاة، وقديماً قالت سيّدة الطرب الشعبيّ والشارع يُصفّق: يا عمّي الشيفور دبّهْ دبّهْ.
2 - لا شيءَ يدعو إلى العجلة، يا مولاي. فإنْ عادوا واستعجلوك، وقد خُلق الإنسان من عَجَل وكان الإنسان عَجولا، فاذكر لهم في الكتاب ليلة القدر، ينتظرونها ولا تأتي، فلا ثاروا ولا طالبوا بها في التوّ. فعلامَ يستعجلونك أنت الأمر؟ ألا يمكنهم الانتظار كما انتظر الناس أخاهم ﭬودو وﭬودو لم يأت؟ ذكّرهم بالمثل السائر: مَن استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، واحرمهم من الشيء مدى الدهر.
3 – وقد بلغني، يا مولاي، أنّ مستعجليك فريقان، فريق يكوّنه أولئك المعارضون، يستعجلونك لتُخطئ التدبير ليضحكوا منك ويهزؤوا، وأنت تعرفهم معرفة جيّدة وستشهّر به متى حان موعد التشهير، فتذكرهم بالاسم والصفة، ولا فائدة في عرضهم عليك هنا، تجنّباً للدوبل أنبلوا. أمّا الفريق الثاني فيكوّنه أولئك الذين تقطّعت بهم السبل في الأنظمة البائدة ويَصبون إلى مراتب عالية وقد ظنّوا أنّ ساعتهم قد حلّت، والحمد لله، فكتبوا إليك في الغرض، وانبروا يُزوّرون المقالات، ويتكلّمون في الإذاعات، ويؤثّثون البلاتوات، يُفسّرون نواياك ويقترحون عليك السيناروهات، ويحثّونك على الإسراع في تشكيل الحكومة ليفوزوا فيها بما كُتبَ لهم فيها من مناصب. وهؤلاء من صفّك، وإن نقدوا فتقيّة حتى لا يفتضح أمرهم. وقد أحصيتُهم عدًّا، وضمّنتُ أسماءهم قائمةً جعلتها في الرسالة المغلقة التي سأرفعها إليك مباشرةً، يوم التقائي بك في القصر، بدعوة من حضرة الجناب، بصفتي مُواطناً، مثلما فعلتَ مع غيري، فصار ذلك تقليداً محموداً، ولله الحمد. لذلك أكتفي هنا بالإشارة الوجيزة إلى أنّ أولئك هم عُلماء البلاد في كلّ الاختصاصات التي لا تكون الحكومة إلاّ بها، ينتمون إلى جامعاتنا العريقة، وينتمون إلى المنظّمات الوطنيّة والدولية، وينتمون إلى بيت الحكمة، وما أدراك ما بيت الحكمة، خير من ألف بيت، تنزّل العلماء فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر.
4 – وقد بلغني، يا مولاي، أنّهم لم يستحوا وفعلوا ما شاؤوا وطالبوك بخارطة الطريق، فأفحمتهم شرّ إفحام، ووجّهتهم إلى كتب الجغرافيا ليضلّوا بها الطريق، وهم لا يعلمون مثلك ومثلي أنّ كتب الجغرافيا بُنيت على باطل، فجعلت مكّة هي سُرّة الأرض فأخطأت الصواب، إذ ثبت بالحساب الصحيح أنّ سُرّة الأرض هي بوشة، مسقط رأسي، حيث يقبع سيدي معاوية الشارف، سلطان المدينة هناك، منذ عشرة قرون ونيف، فاقبع على رؤوسنا مثله. فإذا لم يكفهم البلاغ التاريخيّ، وعادوا وطالبوا بالخارطة فوجّههم هذه المرّة إلى قواميس اللغة والمعاجم حتى يعرفوا معنى خَرَط والخَرْط والخارطة والإخريط، وهلمّ جرّا، ولا شيء منها يصلح لهذا المقام، فنسكت ولا نتكلّم، إذ كلّها تُحدّث بالفساد والفاحشة.
5 – وقد بلغني، يا مولاي، أنّهم يُطالبون بحكومة ووزراء ورئيس لهم ولها. أوَتنفع الوزراء، يا مولاي؟ أوَتنفع الحكومة، يا مولاي؟ أوَينفع رئيسها؟ كلّهم فاسدون، وأنت أعلم بهم ووقفت على فسادهم، فهذه البلاد لم تُنتج غير الفاسدين، باستثناء شخصك المفدّى، يا مولاي. فلا تُشكّل حكومة ولا تجعل منهم وزراء ورئيساً للوزراء أو الحكومة. الشعب يُريد أنْ توزّع ما يتقاضاه الوزراء وكبيرهم الذي علّمهم الفساد على الشعب، فلا تُخيّب، يا مولاي، إرادة الشعب. والشعب يُريد أنْ تُسخّر سيّارات الوزراء الفخمة، وسيّارات رئيسهم التي هي أفخم منها، وسيّارات المستشارين بلا عدّ، لنقل الشعب، فاجعلها لنا تاكسي أو لواج أو في النقل الريفي، حتى لا نظلّ مدى الدهر نستعمل السيارات الخردة، فلا تُخيّب، يا مولاي، إرادة الشعب.
6 - وقد بلغني، يا مولاي، أنّهم يؤاخذونك على عزل مَنْ عزلتَ واضطلاعك بالسلطان وحدَك وبعض الحاشية من المقرّبين بغير كفاءة وحذق. ألا يعلمون أنّ ذلك أسوة بعُمر بن الخطّاب الفاروق الذي عزل سيف الإسلام خالد بن الوليد، وانتصب يحكم وحدَه، وسمّى أبا عُبيدة بن الجرّاح أميراً وكان حفّار قبور الناس في مكّة ولمّا هاجروا إلى يثرب هاجر معهم يحفر قبورهم فيها؟ فاحكم وحدَك، يا مولاي، واعزل وسمّ، ولا خوف عليك ولا هم يحزنون.
7 - وقد بلغني، يا مولاي، أنّهم يؤاخذونك على صمتك، فاصمت عنهم ما شئت، عملاً بقول شارلي شابلان: ألا فليحيا الصمت، وأسوة بالنملة التي كانت مدى الدهر تعمل بجدّ وكدّ وفي صمت، وكان الصرصار يُغنّي ويُطرب، فانظر كيف كان عاقبة المُطربين؟ وفازت النملة بالاحتفاء والتقدير والتبجيل والتعظيم، رغم أنّها، الحلّوفة، كانت في صمتها وكدّها والجدّ تسرق الحَبّ من فدادين الخلق، ومن التعاضدية المركزية للقمح، وهي على ملك الشعب. ولكن تلك قصّة أخرى. المهمّ هنا أنْ تعمل بجدّ وكدّ وصمت رهيب، وتسكت عنهم ولا تكلّمهم. فإنْ عادوا وسألوك أنْ تتكلّم فاذكر لهم في الكتاب مريم، إذ نذرت للرحمان صوماً فلم تُكلّم إنسياًّ، واذكر لهم في الكتاب زكريا، آيته ألاّ يُكلّم الناس إلاّ رمزاً، واذكر لهم في الكتاب سيّدة الطرب الأخرى التي جعلت الكلام من فضّة وطول السكات ذهب. واصمت عنهم، يا مولاي، شماتة فيهم، أولئك الصحفيين والإعلاميين ومَن لفّ لفّهم. واسمح، يا مولاي، باستثناء واحد، أنْ لا تبخل على هيثم المكّي بحوار ولقاء، فقد بحّ صوته وشاح ريقه، وهو على أبواب ترك الكرونيك ومغادرة الأحبّاء، وأنا منهم، فلا تحرمني من فَكَهه، والله لا يُضيّع أجر المحسنين. فإنْ عادوا وطالبوك بأنْ تتكلّم وتُقرّر وتفسّر حتى يجدوا ما يقولون وما يكتبون وعلى ما يُعلّقون، فوجّههم إلى الوطنيّة الأولى تمدّهم بآخر أخبار حضرة الكوفيد التاسع عشر الذي استقرّ في البلاد وحدَه، يحكم بأحكامه مثلك، ولينظروا إلى المرضى في أقسام الاستعجالي والأقسام الأخرى، وليعدّوا الموتى ويتحرّوا، حتى يُنصفوا حضرة الكوفيد التاسع عشر، فكثير من الموتى هلكوا به ولم يُنسبوا إليه جوْراً. فإن لم يكفهم ذلك فليستقوا من الوطنيّة الأولى أخبار القمّة، وما أدراك ما القمّة، الفرنكفونية تجلّت في خير حُلّة، وتونس ترأس ثمانيَ وثمانين دولة، وجربة تستقبل زوّارها بحذق وفنّ. ولتحيا الوطنيّة الأولى التي تُكرّس لنا هذه الأخبار كلّ ساعة، ونحن نسمع ذلك ولا نملّ.
ولكم فائق الاحترام والتقدير.
بوست سكريبتم: ساءنا، يا مولاي، نحن خرّيجي الصفّ السادس ابتدائي، أنْ تجعلنا في خُطبك مَثلا يُضرب للحُمق والجهل والفساد وأشياء أخرى. ألسنا من الشعب، يا مولاي، وإنْ كنّا لا نُريد شيئاً؟ وإلى الرسالة المفتوحة الثالثة والأخيرة، وعنوانها: هل أدلّك على كنز لا يفنى؟ فانتظرونا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115