الحتمية الاقتصــــــــادية (الجزء الثاني والأخير)

• ما وجب أن نقوم به إذن؟
عشر سنوات من عدم الكفاءة وسوء الإدارة تركت البلاد في حالة يرثى لها. لقد تمادينا في إهدار فرص لا حصر لها ، وبددنا موارد ثمينة ،

وخسرنا مواقع لا تقدر بثمن على الصعيد الدولي. إن الحاجة الملحة الى إعادة الإعمار أمر حتمي للجميع تزامنا مع الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي . لقد تسارعت وتيرة تدهور الوضع لمدة ثلاث سنوات على الأقل ، مما أدى إلى زيادة تعقيد العملية. وساهم الوباء كوفيد 19 بدوره في تفاقم الأزمة التي كانت موجودة قبله.
اليوم ، علينا معالجة المشكلات بكل جرأة ، سواء على المدى القصير أو الطويل. ألا نقول ، في ثقافتنا: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»؟
لن تظهر نتائج الانتعاش الاقتصادي الا بعد فترة طويلة من الزمن . حتى ذلك الحين ، يأمرنا العقل بتبني مقولة تشرشل الخالدة: «دم ، كدح ، دموع وعرق». علينا أن نستنبط كيفية النهوض بالاقتصاد والرفع من أداءه مع تفادي الدماء و الدموع ، لكننا بأي حال من الأحوال لن نتفادى لا الكدح و لا العرق .إنّ أي إدّعاء آخر ليس إلّا ضرب من الشعوبية والديماغوجيا.
على المدى الطويل ، يشكل التعليم والثقافة قارب النجاة في إعداد المواطنين التونسيين لمواجهة تحديات عالم يزداد تعقيدًا. يجب علينا أن نتوجه نحو اقتصاد سوق ، أكثر اجتماعية وأكثر تضامنا ، تتدخل السلطات العامة فيه لتصحيح عدم المساواة في الفرص منذ البداية ومعالجة عيوب السوق في النهاية. يجب أن نصلح نظامنا التعليمي بمنأى عن أية قيود أيديولوجية أو عقائدية. يجب أن نبدأ مشروعًا ضخمًا لإعادة تأهيل المدربين بشكل دائم ومنحهم ، بدون انقطاع ، طريقة تمكنهم من السيطرة على أدوات الحداثة واتقان استعمالها ، واعتماد ثقافة التقييم من قبل الآخرين. علينا أن نعطي الأفضلية الى التفكير و المنهجيات بدل الحفظ والتكرار. يجب أن نوفر للجميع تكوينا عامًا جيدًا ، من خلال إعادة تأهيل نظام التكوين و إعطاء الفرصة للجميع للانفتاح على الفنون والأدب والرياضة واامسرح والموسيقى ، مع تعزيز تطوير المؤهلات المهنية. ولنزرع في نفوس أطفالنا روح المبادرة، والسعي إلى التميز ، وحب الاكتشاف والابتكار ، وطعم المخاطرة ، والشغف بالمغامرة والقدرة على التمييز. إن الرجال والنساء المدربين على نحو أفضل ، في أجسادهم وعقولهم ، هم أفضل أرض خصبة لمواطنين ناجحين ومسؤولين في المستقبل.
لقد فضح الوباء نقائص نظامنا الصحي. اكتشفنا الفقر المدقع ونقص المعدات والمواد الاستهلاكية ، بما في ذلك في أعرق مراكز الطب الجامعي. اكتشفنا أيضًا عدم استعداد المسؤولين عن القطاع وافتقادهم الى استراتيجية وقيادة حكيمة في حربهم المزعومة ضد الوباء. ولولا الالتزام المتناهي للاطار الطبي ، لكان الفشل مدويا. تحتاج تونس إلى إعادة بناء نظام طبي واستشفائي أكثر كفاءة وتفاعلا ووقاية. ولن يحصل ذلك عبر إنجازات جديدة ، بل بالاعتماد على إعادة ترميم مستوصفات ومستشفيات الخطوط الأمامية، وإعادة تنشيط الطب الوقائي والطب المجتمعي. ويتعين إعادة النظر في حوكمة المستشفى العمومي، الذي بقيت على ما هي عليه منذ الستينات، من أجل تحسين استخدام أفضل للقدرات الموجودة، وتوفير إمدادات صحية أكثر انسجاما مع طلب المواطنين، وزيادة الكفاءة التشغيلية، والتكيف مع التطورات المرضية والمجتمعية.
ويجب إيجاد توازن جديد بين القطاعين العام والخاص، على أساس مبدأي التكامل والتآزر. وتحتاج تونس ، في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية على حد سواء ، إلى تعبئة جميع مهاراتها وجميع الموارد ، في إطار من الشفافية واحترام الأخلاقيات. وهي بحاجة إلى إصلاح وصيانة المشاريع القائمة ومعداتها أكثر من الحاجة إلى الشروع في مشاريع جديدة قد لا تستطيع تحمل تكلفتها اليوم ويمكن أن تندرج تحت ما يشار إليه عادة باسم «الفيلة البيضاء» (les éléphants blancs).
وسيتعين علينا أن نكفل الانتقال الإيكولوجي لاقتصادنا. نحن مواطنون كونيون. ولا يمكننا في أي حال من الأحوال تجاهل مشاكل المعمورة أو التعامل معها بشيء من اللامبالاة. علينا أن نلتزم التزاما راسخا بالكفاح العالمي ضد تغير المناخ. مواردنا محدودة. وبعض الموارد الحيوية ، من أهمها الماء والتربة ، آخذة في الانخفاض بشكل متسارع و خطير. ومن واجبنا أن نتبنى إدارة مقتصدة وصارمة تحترم حقوق الأجيال القادمة.
سنحتاج أيضًا إلى بدء التحول الرقمي لدينا في أسرع وقت ممكن. لقد تأخرنا كثيراً في إعتماد التكنولوجيا بشكل يومي ، ووضعها في خدمة المواطن و دمقرطة الولوج إليها. واليوم ، أكثر من 50 % من المواطنين التونسيين لم يلمسوا أبدا طيلة حياتهم جهاز كمبيوتر ، وأكثر من 90 % لم ينتجوا أبدًا محتوى رقميًا. يمكن أن تساهم رقمنة الخدمات العامة في تحسين جودة الخدمة المقدمة، والتوفيق بين المواطنين وحقوقهم وواجباتهم ، وكذلك في مكافحة التهريب والتهرب الضريبي و شتى مظاهر الرشوة والفساد
ومع ذلك ، يجب توخي الحذر لكي نضمن انتقالا يكون حقا في خدمة الجميع ، من حيث أنه يحد من عمق التفاوت القائم ولا يولد استثناءات جديدة أو يعمق من الفجوة الرقمية. أصبحت الأمية في عصرنا هذا رقمية. ومن الضروري وضع برنامج وطني للقضاء عليها.
خسرت تونس الكثير في التصنيف العالمي من حيث الأداء الاقتصادي. ولا بد من إعادة بناء تونس المزدهرة ، التي تتمتع بتضامن قوي واقتصاد مبتكر ومنتج وتنافسي.
على المدى القصير ، يجب أن نتعامل بحزم مع الأمور الأكثر إلحاحًا ، وأن نوقف النزيف ، ونطفئ الحرائق من جميع الجهات ، مع وضع الإجراءات العامة في إطار رؤية بعيدة المدى. ساهم سوء التصرف ، والجمود ، والافتقار إلى الشجاعة ، وانعدام الرؤية على مدى السنوات العشر الماضية إلى حد كبير في تدهور حالة المالية العامة. واليوم ، تتمثل أولى حالات الطوارئ في الإسراع للوقوف للدولة ، ومؤسساتها العامة ، في محاولة جادة لإنعاش المالية العامة ، وخفض النفقات ، بما في ذلك تلك التي تبدو الأقل قابلية للضغط. إن أسلوب حياة الدولة يتعارض مع أي رغبة في الإصلاح. أصبح الاستثمار العام متغير التعديل. إن الحاجة الملحة هي تعزيز المالية العامة من أجل إيجاد المنافذ الضرورية لتمويل الاستثمارات الهيكلية والإصلاحات الأساسية.
نحن بحاجة إلى معالجة العجز في صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد والحيطة الاجتماعية. يجب إعطاء الأولوية لإنقاذ الاقتصاد التونسي ونظامه الاجتماعي ومؤسساته المختلفة. وهذا يعني حتما إخضاع الجميع لضريبة عادلة ومنصفة وشاملة. ويجب أن يقبل الجميع بتقديم التضحيات، كل حسب إمكانياته. وفي الآن نفسه، يتعين إعادة البلاد إلى العمل. ولن يحدث ذلك دون استعادة الثقة حتى تعود الآلة الإنتاجية الى عملها وإعادة المبادرة في القطاع الخاص، الذي يعتبر المحرك الأساسي لاقتصادنا، واعادته الى المسار الصحيح. ان الخوف من العقوبات يعوق جميع المبادرات ويمنع المجازفة على مستوى الإدارة والشركات العمومية، وهذا من شأنه أن يكلف غاليا لدافعي الضرائب.
اذا أردنا معالجة جميع هذه المشاكل علينا التخلي عن جملة من الاعتبارات الأيديولوجية والدغمتية. ويتحتم علينا توفير الحلول القابلة للتكيف على أساس كل حالة على حدة من أجل المصلحة العامة ، حتى وإن كان ذلك يعني تعدي المصالح الحزبية أو الفئوية. وتونس ليست غنية بالموارد الأولية أو الاحتياطيات الموروثة بل إنها تستمد ثروتها من رأس مالها البشري. ولن تستطيع أن تتحمل ترف حرمان نفسها لفترة طويلة من جزء كبير من شبابها أو نسائها أو مواطنيها المغتربين. لا بد أن يكون الإدماج القاسم المشترك لجميع السياسات العامة. ومن الضروري إعطاء الأمل للشباب ، وإعادة الاعتبار لمساهمة المرأة وتعبئة قدرات مواطنينا بالخارج. ويمكن ان يكون ذلك عبر توجيه رسائل متعددة إلى مختلف هذه الأطراف الفاعلة.
ينبغي استعادة الثقة مع مجتمع الأعمال الفعال وإنعاش القطاعات الاقتصادية التقليدية من فلاحة و صناعات تحويلية ، وفوسفات ، ومحروقات. وينبغي إزالة الحواجز والعقبات في وجه العديد من القطاعات الجديدة ، المتميزة بالفرص والقيمة المضافة والابتكار وهي قطاعات متعددة وحيوية على غرار الصحة والتعليم والخدمات المتجهة للمؤسسات وإدارة مشاريع البنية التحتية وخدمات المصالح الحضرية والخدمات البيئية. وستحتاج جميع هذه القطاعات إلى تحديد استراتيجيات قطاعية جديدة تعزز النمو والاستثمار وخلق فرص العمل ، وإعادة وضع تونس في دائرة القدرة التنافسية الدولية ، في اطار إدارة رشيدة لمواردنا المحدودة. ويتعين إعادة بناء قطاع السياحة على أسس جديدة وعصرية تستند على جودة الخدمة ، والقرب من الحرفاء ، واحترام البيئة ، وتعزيز مكاسبنا الطبيعية من جمال الطبيعة وتنوع التراث وعراقة الثقافة
وأخيرا ، يجب أن نغتنم جميع الفرص التي أوجدها الوباء ، بما في ذلك إعادة تمركز قطاعات كاملة من الصناعة الأوروبية التي هاجرت طوال عقود إلى القارة الآسيوية ، ولكن الأزمة أثبتت وجوب إعادة تركيزها سريعا في أوروبا أو في محيطها القريب. اذا تحلينا بحسن البصيرة وبقليل من الإرادة والعزيمة الصادقة ، سنتمكن من جلب هذه الاستثمارات التي تولد القيمة وفرص العمل.
تونس سوق صغيرة ولا يمكنها الاكتفاء بذاتها وتكاملنا الإقليمي يعتبر التزاما ملحا. وعلى الرغم من صعوبة الحديث عن بناء المغرب العربي في السياق الجغراسياسي الحالي ، فإنه من الممكن دائما التفاوض على اتفاقات متميزة لتيسير تنقل السلع والأشخاص بين سائر أنحاء المنطقة. تحتاج مؤسساتنا الاقتصادية إليها ، ويعتمد تحسين تجارتنا الخارجية الى حد كبير على ذلك. ويتعين علينا أن نشرع على الفور في عملية تحول متعددة الجوانب في مجالات الطاقة ، والمناخ ، والرقمية
وعلينا أيضا أن نقوم بجميع التحولات التي من شأنها أن تحرر الطاقات وأن نوفر للجميع الظروف المناسبة للتنمية وفتح الآفاق نحو أفضل الإمكانات. معظم هذه التحولات معروفة لكن اثنان منها قد تكون .غير متداولة كثيرا ورغم ذلك فإنها تعتبر أساسية وتهم قطاعي الشرطة والعدالة. وسيساعد تحولها في خدمة المواطن ، في إطار من الشفافية والمساءلة، على بعث نفس جديد في المسار الديمقراطي ، والحد من عدم الثقة ، والتوفيق بين المواطن والدولة ومؤسساتها.
• بعض المشاريع الكبرى لإعادة الأمل:
قد يرى المواطن المتعب من ضعف الإنجازات في كل هذه التوجهات وعودا صعبة المنال. يحتاج المواطنون إلى نتائج عاجلة. لقد انتظروا طويلا حتى يمنحوا أي جهة ما شيكًا على بياض. من المهم ، في ظل هذه الظروف ، الشروع في تنفيذ بعض المشاريع الكبرى التي يمكن أن تؤتي أكلها في غضون فترة زمنية معقولة:
- إعادة الروح للاقتصاد الاجتماعي والتضامني: لا تزال مكانة هذا القطاع الثالث مهمشة في تونس. ومع ذلك، فان إمكانات نموها كبيرة. ويتطلب ظهورها اعترافا حقيقيا من جانب السلطات العامة وتفعيل الإطار القانوني للقطاع الذي تم التصويت عنه سنة 2020 ، بعد خمس سنوات من الاعداد ، ولكنه ظل حبرا على ورق منذ ذلك الحين. باعتماده على مؤسسات قادرة على مواكبة نموه وضمان تمويله وتدعيم عناصره الفاعلة ، بمقدور الاقتصاد الاجتماعي التضامني أن يقدم مساهمة ثمينة في مكافحة البطالة والفقر وعدم المساواة والهشاشة الاجتماعية.
- إطلاق جماح قطاع التمويل الصغير: اليوم، يدعم القطاع حاليا أكثر من 600000 من أصحاب المشاريع الصغرى. وهو يدعم بشكل مباشر أكثر من مليونين ونصف المليون شخص ولا تزال الإمكانيات هائلة ومتاحة . ومن الممكن أن تؤدي إصلاحات بسيطة وغير مكلفة إلى تحرير هذه الإمكانات ، وتحسين ظروف تشغيلها ، وفتح الباب أمام قدر أعظم من الإدماج المالي ، الذي يشكل حجر الأساس لجميع عمليات الإدماج. ويمكن للتمويل الأصغر المسؤول أن يسهم في تنظيم وإدماج جزء هام من الاقتصاد غير الرسمي.
- إعادة تعبئة الشباب: إنّ أغلب الشباب التونسي منخرط في الحداثة. ويتمتع بإتقان رائع لأدوات التكنولوجيا. ومما يؤسف له أنه كثيرا ما تكون مبادراته مقيدة بقوانين عتيقة أكل الدهر عليها وشرب لا صلة لها بمطالب العصر الحالي وإمكاناته. وهناك حاجة إلى إزالة الغبار عن نصوص وأنظمة عتيقة لعبت دورها في السابق ولكن أصبحت تمثل اليوم عائقا وعقبة صعبة أمام شبابنا وتمنعهم من التعبير الكامل عن مواهبهم في كنف الشرعية. وعدم إعادة النظر في قانون الصرف الأجنبي، و قانون المشتريات العمومية ، وحرية المبادرة يشجع على هجرة الأدمغة ورحيل الكفاءات الشابة خارج أرض الوطن. وعلى هذا الأساس، ستواصل الدولة استنزاف أفضل مهاراتها بعد أن وظفت المجموعة الوطنية الكثير من المال والوقت في تكوينها وتأهيلها
- تعزيز ريادة الأعمال: إن الولوج الى شغل كريم سوف يعتمد مستقبلا بشكل متزايد على تعزيز ريادة الأعمال.. وتحقيقا لهذه الغاية ، يجب مراجعة المناهج الدراسية من أجل إدماج ثقافة الابتكار وروح المبادرة منذ البداية. وحتى يتم مساندة هذا التمشي فانه يجب إنشاء مؤسسات حاضنة ومراكز رعاية وتكوين في جميع جهات الجمهورية من أجل دعم كل حاملي المشاريع في تحديد مشاريعهم والتعريف بها وتمويلها وتنفيذها. وهذا يفترض مسبقا وجود هياكل استقبال أساسية و ذات كفاءة أو مناطق صناعية أو أنشطة أو لوجستيات مؤهلة وفقا للمعايير الدولية ، أو موانئ ومطارات فعالة ، وقوانين مبسطة ومفهومة تيسر حصول أصحاب المشاريع الشبان على المشتريات العامة وتعفيهم من الروتين والعوائق الإدارية.
- اطلاق برنامج وطني لمحو الأمية الرقمية: على غرار ما تم القيام به في الستينيات من القرن الماضي لمكافحة الأمية ، يمكن لشبكة وطنية مكونة من 500 مركز للتكوين الرقمي منتشرة في جميع أنحاء البلاد أن تساعد سنويا مليون مواطن تونسي للخروج من الأمية الرقمية. ستستقبل هذه المراكز الجمهور الذي لا يشترط عليه إلّا الاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية. ويحصل كل مشارك على ستة أيام من التدريب على الكمبيوتر والإنترنت. وسيخلق هذا المشروع 20000 فرصة عمل لخريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل ولكن الأهم من ذلك أن هذا المشروع سيمنح في ظرف خمس سنوات لأغلب التونسيين جوازا نحو الحداثة.
- إطلاق مشروع وطني لترشيد استهلاك المياه: تعاني تونس من ضغط مائي (stress hydrique) منذ عقود. وصلت اليوم تعبئة الموارد المائية إلى حدودها. ان تحلية المياه مغالطة حقيقية. وأكبر مورد متاح لنا اليوم لتعبئة موارد جديدة في قطاع المياه هو التحكم في الاستهلاك وترشيده. إن الزراعة ، التي كثيراً ما كانت الجهة الحكومية المشرفة على قطاع المياه تستهلك أكثر من 80 % من الموارد المائية فهي بذلك في موقع تضارب المصالح وهناك حاجة ملحة إلى مشروع وطني للري بالتنقيط. ستكون إمكانية التوفير الناتجة في حدود 30 إلى 40 % من إجمالي مواردنا. و ان هذا المشروع في متناول أيدينا من الناحيتين التقنية والمالية.
- تعبئة الجالية التونسية بالخارج: لقد تغير وجه الجالية التونسية على مدى السنوات 50 الماضية. وهي الآن متعددة الملامح، ثرية بتنوعها. ممثلو تونس بالخارج يلمعون. وكثيرا ما يشغلون مناصب رئيسية في الشركات والجامعات ومراكز البحوث والمستشفيات والمؤسسات المالية الرئيسية بل وحتى في مراكز القرار السيادي في العديد من بلدان الاستضافة. وهم يسهمون بسخاء من خلال تحويلاتهم في ميزان الدفوعات في تونس. ولكنهم لم يعودوا منسجمين مع هياكل تأطير والإحاطة بالجالية بالخارج والموروثة منذ السنوات السّتّين للقرن الماضي. ويمكن لهذه الجالية الثرية بكفاءاتهما وتجاربها أن تسهم بقدر أكبر بكثير في مواكبة المسار التنموي بتونس وإثرائه إذا تم تعزيز هذا الاعتراف وهذه المشاركة. كل هذا ممكن ومن شأنه أن يدرّ على تونس خيرا كبيرا وان يعزز الروابط بين وجزء هام من ابنائها وبناتها.
- تخضير تونس: هناك ثمانية ملايين هكتار من أصل 16 مليون هكتار في تونس ضحية للتصحر في ظل الأثر المزدوج لزحف الصحراء الكبرى وتنمية الأنشطة البشرية. ومن الملح عكس هذه الظاهرة بإطلاق مشروع طموح جدا لزراعة 500 مليون شجرة على مدى 10 سنوات. وهذا من شأنه أن يخلق ما يعادل 50000 فرصة عمل على طول المدة ويحول تونس في سياق تغير المناخ. ويمكن لهذا البرنامج الضخم أن يستفيد من برامج التمويل الخارجي والدولي في إطار أرصدة مكافحة الكربون
- جعل الثقافة في متناول الجميع: يتطلب التحول الحقيقي في تونس تمكين الجميع من ممارسة الأنشطة الثقافية. يتعين علينا أن نعطي لكل مواطن ومواطنة الفرصة للازدهار ، من خلال ممارسة الموسيقى والفنون التشكيلية ،والسينما والمسرح والرقص والشطرنج، كل حسب هوايته... وتبين تجربة حديثة للإدماج من خلال الموسيقى ، أجريت في وسط جمعياتي، بالاشتراك مع وزارة التعليم ، أن مثل هذه البرامج ممكنة وقابلة للتنفيذ بالنسبة للتلاميذ والطلبة وآثارها متميزة.
- دمقرطة ممارسة الأنشطة الرياضية: يجب إعطاء الفرصة لجميع الشباب لممارسة الرياضة التي يختارونها. وتعميم ممارسة الرياضة عمل ذو فائدة عامة.،من شأنه أن يزيل عن شبابنا الخمول وكل الإغراءات التي ستسفر عن ذلك. تساهم الأنشطة الرياضية في مكافحة الأمراض المستقرة التي ازدادت انتشارا في تونس ، مثل السمنة والسكري. وأخيرا ، من شأنها أن توسع قاعدة انتداب أبطالنا في المستقبل وأن توفر لكل شخص الظروف اللازمة للتعبير عن مواهبه.
- تعبئة التراث عن طريق إحيائه وجرده وحفظه وتطويره. إن تونس غنية جدا بتراثها المادي وغير المادي. ولم يتم تسليط الضوء عليه إلا نادرا. . يمكن أن يوفر تعداده المنهجي والمحافظة عليه وتطويره فرص عمل لعشرات الآلاف من الخريجين الشباب العاطلين عن العمل في ميادين التاريخ والآداب والجغرافيا والعلوم الانسانية. ويمكن تمويل مثل هذا المشروع من خلال برامج التعاون الدولي في إطار المشاريع البحثية المشتركة.
لا يعتبر التراجع ولا التهميش أمرا حتميا بالنسبة لتونس. إن فرضية مستقبل أفضل أمر وارد جدا. وجب علينا لتحقيق ذلك أن نغيّر مسارنا، و أن نستثمر في الحداثة، وأن ندخل عالم الغد بشجاعة وثقة في النفس و أن نعتمد قيم الإدماج والابتكار والالتزام والتفوق. كل هذا مازال ممكنا، شريطة أن نمحو معوقاتنا ونجري التحولات اللازمة بعزم وتواضع وجرأة.
(انتهى)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115