ورأى عند باب القصر حارسا كبيرا في السن واقفا بملابس رقيقة فاقترب الملك منه وسأله : ألا تشعر بالبرد ؟ فرد الحارس : نعم أشعر بالبرد ، ولكني لا أملك لباسا دافئا ، ولا سبيل لي إلاّ أن أصبر . فقال له الحاكم : سأدخل إلى القصر الآن ، وأطلب من أحد خدمي أن يأتيك بلباس يُدفئك . وما أن دخل الحاكم إلى القصر حتى نسي وعده .
وفي الصباح كان الحارس قد فارق الحياة ، وإلى جانبه ورقة كتب عليها، أيها الحاكم : كنت أتحمّل البرد كل ليلة صامدا ، ولكن وعدك لي بالملابس الدافئة سلب مني قوتي وقتلني
والعبرة من هذه القصة القصيرة هي أنّ الناس يبنون أحلاما على وعود الحاكم – أي حاكم – والتي قد تكون استرضاء آنيا لا يعرفون حقيقته ، ولكنهم يبنون أحلاما كبيرة عليها. ثم لا يلبث الحاكم أن يخلف وعوده بقصد أو بغير قصد . وبغض النظر عن السبب ، فعندما يخلّ الحاكم بوعوده ، فإنه يهدم آمال الناس ويدمر حياته.
ترى كم من أحلام بنَيْنا نحن في تونس منذ أن خُيّل إلينا أننا شرعنا في تحويل الربيع المشرق الزّاهي إلى ربوعنا الذي استأثرت به الشعوب المتقدمة ؟ وكم من آمال وأماني وزّعها علينا أولئك الذين نصّبناهم على رقابنا طيلة عشر سنوات من مختلف المشارب وخاصة الذين يتقوّلون على الله ورسوله الكريم واستصدروا منه صكوك الإيمان والكفر والفضيلة والرذيلة والتقوى والفجور منصّبين أنفسهم وكلاء له يحتكرون الكلام باسمه وبأحكامه ؟
لو أحصينا وعودهم لنا ووهم الأماني التي زيّنوها في وعينا ولاوعينا الغبيّين ، لتجاوز الأمر في حجمه أكبر كتاب ورواية في التاريخ للروائي والكاتب المسرحي الفرنسي جول رومان «رجال النوايا الحسنة» . لكن قمّة المأساة أنّ الكثير من أبناء جلدتنا لم ينتبهوا لزيف وعودهم ، وأفعالهم تقف شاهدة عليهم بمليون دليل وحجّة وواقعة وموقعة ، بل وفي موقف تراجيدي شكسبيري يتجاوز بمراحل أفعال جلد الذات إلى ما يشبه بالانتحار الجماعي ، يُعاد انتخاب هؤلاء في ثلاث مناسبات متتالية حتى وإن اختلفت النسب ، ليبقوا هكذا أسياد مشهد سياسي متفتّت زاده عفنا نظام سياسي اختاروه على مقاسهم ، يوزّع السلطات بين ثلاثة رؤوس متصارعة صراع الديكة ونطاح الأكباش ، ليضيع هكذا دمُنا هدرا بين القبائل ، فلا نعرف قاتلا ولا يحقّ لنا حتى في حكم الدية .
أفقنا متأخّرين على هول ما أُصبنا به من أمراض مستعصية مسّت كامل أعضاء جسمنا للنّخاع ، وبتنا نتحسّر على أيام ورموزها خلنا أنها أسوأ ما ابتلينا به في العصرين الوسيط والحديث ، ونتمنّى أن نعود إلى ما كنّا عليه قبل تلك الحركة اليائسة الطائشة التي أتاها البوعزيزي ، وننعم بديمقراطية العيش بدل ديمقراطية الكلام التي جعلتنا نستمع لأتعس أغبياء الأرض وأكثرهم صمّا عن النصح ورفضا لكل منطق وعقل .
ما الذي يحملنا نحن معشر التونسيين اليوم وبعد عشر سنوات عجاف أتت تقريبا على كل مكتسبات دولة الاستقلال إلى الاستماع إلى ذلك العجوز الداهلية الذي جثم على صدرنا طيلة هذه المدّة يتشدّق علينا بالحديث عن الديمقراطية وهو الحاكم بأمره في حزبه منذ التأسيس طيلة حوالي خمسين عاما بالتمام والكمال ، ماسكا بين يديه وبطانته من العائلة والأصهار وبعض المتمعّشين من حوله ، كلَّ خيوط اللعبة وخاصة مغارة علي بابا المملوءة ذهبا ومالا ولا يعرف غيره شفرات فتح أبوابها .
اليوم وبعد الذي حدث يوم عيد الجمهورية المجيد ، وبعد إصرارك المحموم على سياسة الهروب إلى الأمام التي نعتك بها أقرب المقرّبين إليك في مجلس شوراك الصّوري ، ودعواتك الإجرامية للنيل من علاقاتنا ومصالحنا الدولية ونحن في أوج الحرب على الوباء ، أما آن الأوان لك أن تتنحّى بهدوء وتترك المكان لشخصية قيادية تهمّها مصلحة الوطن والمواطن ولا تبحث عن مصالحها الشخصية .
أما آن الأوان لتعلم يا رئيس المجلس المجمّد أنك دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكثر شخصية مكروهة في تونس والوطن العربي
أما آن الأوان أن تعلم أنك أكثر شخصية سياسية استغلت نفوذها ولم تف بوعودها التي قمت بإطلاقها منذ بداية مشوارك السياسي ، أما آن الأوان لتعلم يا «رئيس مجلس الهانة» أنك أكثر شخصية سياسية أفقرت الشعب التونسي ، أما آن الأوان أن تعلم أنك من أكثر الشخصيات التي استحوذت على الصور الكاريكاتيرية وصفحات التواصل الاجتماعي التي تضحك وتبكي أبناء شعبنا ، ألم تعلم من هم التونسيون ، ألم يكفك ما فعلت بهم .
يا دولة الرئيس على قول الأشقاء اللبنانيين ، والله أطلت البقاء في في قصر باردو ، وفي الدور الخامس لبناية مونبليزير ، وحان وقت رحيلك ، فلم يعد في العمر الكثير .... أما آن الأوان لتعمل لما ينتظرك وتكفّر عن ذنوبك التي ارتكبتها بحق الشعب التونسي .
يا دولة الرئيس قدّم استقالتك وحل عنّا يكفينا ما نحن فيه الآن ، لم يبق شيء في خاطرك إلا وفعلته بالشعب ... أسعار ورفعت ، وصحفيين وإعلاميين وكتاب وسياسيين ودجّنت ، ومنافسيك حجّمت وتعسّفت وعنّفت ، شعبنا وأفقرت ، ووعودك وأخلفت ، وإدارتك للبرلمان وأفشلت ، وللسلطة وتجاوزت ، وأولادك وأصحابك ومعارفك وأسكنت ، ولقوانين خاصة على المقاس وشرّعت ، ورجالك بمناصب خاصة وحساسة وعيّنت .
ماذا عساي أن أقول زيادة عن وعودك الكاذبة وأفعالك الشيطانية يا دولة الرئيس ، غير أن أتوسّل إليك ، حل عنا وقدم استقالتك وارحل بدون رجعة غير مأسوف عليه .... وبالتونسي الفصيح بجاه ربّي سيّب صالح ..