مفاجآت سارّة لعدد هامّ من الناجحين في امتحان الباكالوريا 2021 بسبب عدم حصولهم على الشعب الجامعيّة المرغوب فيها. وفي سابقة غريبة، نجد من تحصّل من بين الناجحين على مجموع نقاط في شعبة جامعيّة معيّنة ما يفوق مجموع نقاط آخر موجّه إليها في السنة الفارطة بـ 20 نقطة أو أكثر دون أن يتحصّل عليها خلال الدورة الرئيسيّة للتوجيه الجامعي 2021.
ولئن يمكن أن نتفهّم خيبة أمل هؤلاء الناجحين بعد صدور نتائج الدورة الرئيسيّة للتوجيه الجامعي 2021، فإنّه من المهمّ أن نذكّر ببعض المعطيات الهامّة التي يمكن أن تساعد المهتمّين بالتوجيه الجامعي على استيعاب ما حصل.
أوّلا، لقد ارتفع عدد الناجحين في امتحان الباكالوريا بصفة غير متوقّعة حيث بلغ عددهم 78396 أي بزيادة بـأكثر من 46 %مقارنة بنتائج امتحان الباكالوريا 2020 ورافق هذا الارتفاع في عدد الناجحين تسجيل نتائج قياسيّة في أعداد المتفّوقين الذين تحصّلوا على معدّلات جيّدة ممّا جعل التنافس يحتدم على مجموعة من الشعب الجامعيّة التي تعرف عادة إقبالا كبيرا من المترشّحين.
ثانيا، يتعلّق الأمر بمناظرة محكومة بواقع تنافسي يخضع إلى معايير أساسيّة تتمثّل في مجموع النقاط المتحصّل عليها وطاقة الاستيعاب المتاحة لكلّ شعبة جامعيّة إضافة إلى ترتيب الاختيارات الذي سيعتمده كل مترشّح لمناظرة التوجيه الجامعي. بالتالي، من البديهي ألا يتسنّى لبعض الناجحين في امتحان الباكالوريا الحصول على رغباتهم المعبّر عنها في بطاقة الاختيارات حسب الأفضليّة بسبب التنافس الشديد على هذه الشعب الجامعيّة من ناحية ومحدوديّة طاقة استيعابها من ناحية أخرى.
ثالثا، أدّت نسبة النجاح الاستثنائية في امتحان الباكالوريا 2021 إلى حصول قفزة نوعيّة في مجاميع النقاط الخاصّة بكلّ شعبة جامعيّة. في المقابل، لم تبادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى تعديل طاقة استيعاب الشعب الجامعيّة بطريقة تتناسب مع هذه القفزة النوعيّة. ولقد دعا المستشارون في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي القائمين على شؤون الوزارة إلى استباق ما حصل من خلال تنبيههم إلى ضرورة اتّخاذ تدابير استثنائيّة حتّى لا يتضرّر هؤلاء الناجحون خاصّة وأنّ من بينهم عدد هام من المتحصّلين على نتائج متميّزة.
رابعا، عبّرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن تفاجئها بتطوّر نسبة النجاح في امتحان الباكالوريا 2021 وهو ما جعل محاولة إعادة توزيع طاقة الاستيعاب تتّسم بنوع من الاعتباطيّة نظرا للإكراهات اللوجستيّة التي عبّر عنها بيان 09 أوت 2021. ويعتبر العديد من الملاحظين أنّ عمليّة التعديل الجزئي لطاقة الاستيعاب لم تراع مبدأ تكافؤ الفرص والملامح العلميّة والمعرفيّة الخصوصيّة لكلّ نوع من أنواع الباكالوريا كما ذهب إلى ذلك المستشار العام الخبير في الحياة المدرسيّة الزميل المنصف الخميري وهو ما سيؤثّر سلبا على المسار الجامعي للناجحين في مرحلة أولى قبل أن يمثّل عقبة أمام تحقيق مشروعهم الشخصي الذي انطلقوا في بناءه منذ التحاقهم بالتعليم الثانوي.
لكن، هل كان بالإمكان التقليص من وطأة خيبة الأمل التي يعيشها الآن عدد كبير من الناجحين في امتحان الباكالوريا؟ أعتقد أنّ الإجابة تكون بنعم لأنّ ما حصل لم يكن قدرا محتوما بل سوء تقدير كان بالإمكان تصويبه وتفادي تبعاته مثلما سنبيّن تباعا.
أوّلا، ينبغي التذكير بأنّ المستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي سبق وأنّ أشاروا إلى بعض النقائص التي تشكو منها منظومة التوجيه الجامعي وأصدروا جملة من التوصيات في عديد المناسبات لعلّ من أهمّها ورشة التفكير الوطنيّة الخاصّة بسلك المستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي المنعقدة بالحمّامات أيّام 10 و 11 و12 و13 مارس 2021 والاجتماع عن بعد الذي تمّ تنظيمه يوم 08 جويلية 2021 لتقديم مستجدّات التوجيه الجامعي وغيرها من المناسبات. كما أشارت الجمعيّة التونسيّة للإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي والمهني إلى خطورة تقليص طاقة الاستيعاب للناجحين من شعبة الرياضيّات في امتحان الباكالوريا 2021 وذلك بالنسبة للشعب الجامعيّة المؤدّية إلى مجالات الاختصاص الهندسي .
ثانيا، لا ننكر أنّ سلطة الإشراف حاولت تدارك الأمر وقامت بتعديل طاقة الاستيعاب قبيل الدورة الرئيسيّة لعمليّة التوجيه لكن هذه العمليّة لم تكن كافية لإنصاف العدد الكبير من الناجحين بتميّز حتّى يلتحقوا بالشعب الجامعيّة التي تعرف إقبالا مكثّفا على غرار الأقسام التحضيرية للدراسات الهندسية والاختصاصات الطبّية وشبه الطبية إضافة إلى بعض اختصاصات العلوم الاقتصاديّة وعلوم التصرّف. كما أنّ الترفيع في طاقة الاستيعاب شمل اختصاصات جامعيّة لا تعرف ضغطا كبيرا إمّا لنقص جاذبيّتها أو لأنّها تدرّس في بعض المؤسّسات الجامعيّة البعيدة عن العاصمة والمدن الساحليّة الكبرى.
ثالثا، تعرّض البلاغ الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 09 أوت 2021 إلى وجود فرصة لتدارك ما حصل خلال الدورة الرئيسيّة للتوجيه الجامعي من خلال مشاركة كلّ طالب في دورة إعادة التوجيه، لكن لا نعتقد بأنّ هذه الدورة ستمكّن عددا هامّا من الناجحين في امتحان الباكالوريا من الحصول على تعيين يلبّي رغباتهم لأنّ إعادة التوجيه الجامعي ستجرى هذه السنة لأوّل مرّة في حدود طاقة استيعاب لا تتجاوز 20 %من عدد البقاع المفتوحة في كلّ شعبة ويمكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن لا تستجيب لطلب إعادة توجيه لأسباب عاديّة إذا نفذت طاقة الاستيعاب المفتوحة حتّى في صورة توفر شرط مجموع النقاط . وبالرغم من ذلك، تبقى دورة إعادة التوجيه الفرصة الأخيرة لهؤلاء الشباب حتّى يتمكّنوا من الحصول على تعيين يرضيهم إلى حدّ ما شرط التفكير بعقلانيّة في الاختيارات التي سيقومون بها وتفادي التعويل على آراء بعض ممن نصّبوا أنفسهم خبراء في التوجيه الجامعي وتلاعبوا بمصير الآلاف من الناجحين في امتحان الباكالوريا وهو ما يحيلنا على ضرورة أن يتوجّه المشاركون في دورة إعادة التوجيه إلى المستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي باعتبارهم اخصّائيين في مجال التواصل والمرافقة والإرشاد والإعلام.
إنّه لمن المؤسف أن تمتزج فرحة النجاح في امتحان الباكالوريا لهذه السنة بخيبة أمل ناتجة عن فشل هذا الشباب في تحقيق رغبته بالالتحاق بشعبة جامعيّة تمكّنه من تحقيق مشروعه الشخصي الذي شرع في بناءه منذ سنوات التعليم الثانوي. وسيضطرّ عدد منهم إلى متابعة مسارهم الجامعي في تخصّصات لا تلبّي رغباتهم ولا تستجيب لملمحهم الأكاديمي ولا تتلاءم مع قدراتهم واستعداداتهم المعرفيّة، في حين سيلجأ بعض الميسورين إلى التعليم الجامعي الخاصّ مكرهين على خوض هذه التجربة نظرا لارتفاع كلفة التكوين بهذه المؤسّسات الجامعيّة.
التوجيه الجامعي: بين فرحة النجاح وحيرة الاختيار
- بقلم المغرب
- 13:46 12/08/2021
- 1379 عدد المشاهدات
بقلم محمد البشير الهيشري:
مستشار أوّل في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي
تمّ الإعلان يوم السبت 07 أوت 2021 عن نتائج الدورة الرئيسيّة للتوجيه الجامعي. وكما كان منتظرا، لم تحمل هذه النتائج