عن الثورة والدستور والبرلمان بدل الدفاع عن الشريعة، وتبرز فيه سردية الضحيّة وخطاب «المظلومية» أو التهديد بالتصدّي للمنقلبين وتدويل القضية نرى أنّه من الضروريّ أن نتوقّف عند بعد الاستنتاجات الأوليّة التي يمكن التوصّل إليها بعد حدث اعتبره البعض «انقلابا بأتمّ معنى الكلمة» وهو «تأويل خاطئ للدستور» و«خروج عن مسار الشرعيّة».. وفي المقابل رأى آخرون أنّه «تصحيح للمسار الثوري» و«إنقاذ للبلاد» من فئة عبثت بمصالح العباد وتلاعبت بالقوانين وهيمنت على أغلب المؤسسات.
لن نخوض في الأسباب التي أدّت إلى ما حصل ،ولن نشير إلى «الأطراف» التي تتحمّل المسؤولية فهي معلومة لدى أغلب التونسيين ولكن سنكتفي بتوضيح مجموعة من المسائل: أوّلها ما يتصل بمآزق لم يتفطّن لها من سهروا على هندسة دستور 2014 إذ خالت «الأغلبيية» أنّها بتوسيع دائرة اللبس والغموض واللعب على إمكانات التأويل قد حصّنت نفسها من «عودة الاستبداد» وهيمنة الخصوم فإذا بأهل النهضة يكتشفون أنّ باب التأويل مفتوح على قراءات عديدة لا تمكّن بالضرورة ،من تجاوز مأزق التعارض بين تصوّر كتابة الدستور (والأهداف المضمرة من وراء التنصيص على بعض المواد) والممارسة على أرض الواقع.، وثانيها أنّ التوافق القائم على الاعتراف بالآخر شريكا في بناء المرحلة لم يكن معبّرا عن قناعة فعليّة بأهميّة القيام بهذا التمرين بل كان مجرّد خيار «تكتيكي» ووصفة سحرية سيطبقها الجميع فإذا بخيار التوافق يصطدم بمن لم يقبل بالتوافق المبني على علاقات التسلّط والنفاق، وثالثها أنّ النهضة توهّمت أنّها حين تتموقع كـ«أكبر حزب في البلاد» وتقدّم التنازلات ستتجذّر بالفعل في البيئة و»تتتونس» فإذا بها تكتشف البارحة، أنّها حين اختارت خدمة «شعب النهضة» وضمان مصالح أتباعها وامتيازاتهم على حساب الجموع قد فرّطت في فرصة الإندماج وخسرت عددا من المتعاطفين معها، وأنّها حين رفضت التفاعل الإيجابي مع النقد الموجّه لها من قواعدها وشقّ من قياداتها وبعض الدارسين والمحلّلين قد خسرت فرصة التعديل والمراجعة والتصحيح وتدارك الأمر قبل فوات الأوان.، ورابعا كان بإمكان «الشيخ» المدبّر أن يوظّف دهاءه المعهود فيطلب لقاء مع بعض أهل الخبرة السياسية من خارج دائرة النهضة (محمّد الناصر، حكيم بن حمودة...) ويسترشد بآرائهم ولكنّه اندفع حول خطاب التعبئة ودعوة أنصاره بحسم المعركة في الشارع فذكّر التونسيين بتهديدات أطلقها «الهاروني» و«البحيري» تؤكّد علاقة النهضة بالعنف.
ولا يمكن أن نتغاضى عن الدور الذي اضطلع به الإعلام المحليّ والعربيّ. فمن المشين أن يكتشف التونسيون أنّ المرفق العمومي في سبات عميق بعد أن آثار المشرفون عليه غضّ الطرف والتريث، وأن لا مناص من متابعة «العربيّة» وفرانس24، والجزيرة لمعرفة ما يجري في بلادهم. وكان بإمكان من احترفوا الشكوى من هيمنة النهضة على القناة الوطنيّة وغيرها من القنوات الخاصّة أن ينتهزوا الفرصة ليتحرّروا ويكونوا على قدر من المسؤولية. وحين يتوارى الإعلاميون التونسيون يحضر الوسيط وصانع الرأي الأجنبيّ ومن أقدر على لعب هذا الدور من الجزيرة؟
والثابت أنّ ما حدث قد عرّى الواقع التونسيّ المتأزّم أكثر فأكثر. فبين ما صرّحت به سامية عبو والبيان الذي صدر عن حزب التيّار ما يؤكّد الفوضى السائدة داخل بعض الأحزاب التي لم يؤمن أتباعها بضرورة الانضباط، وبين صمت خفوت صوت حزب تحيا تونس، وحزب قلب تونس وغيرها من الأحزاب ما يبرهن على موت السياسة والمعارضة في تونس واندثار «النخبة» إذ لا إمكانية لاستعادة دور«'النخب» بعد أن أضحى بعض المحسوبين على «النخبة» مجاريا للخطاب الشعبويّ أو منخرطا في الاستقطاب الأيديولوجي أو مكرّرا لأدوات التحليل التي تجاوزها الزمن أو مستغلاّ الفرصة للتموقع أو تصفية الحساب.
يبدو أنّ «الجيل الخطأ» و«ماناش مسامحين» وشباب/ات حراك جانفي2021 و«الألتراس» Ultras قد فقدوا الأمل في التغيير حين خرجوا للمطالبة بإزاحة الجميع والانطلاق من تصوّر جديد للعمل السياسيّ. واهم من يعتقد أنّ تحليل المشهد يمرّ عبر تحليل أداء الإسلاميين أو المعارضة أو بقية صنّاع القرار ، أي من هم في الهرم. إنّ الديناميكيّة تحلّل بالاعتماد على القاعدة في تفاعلها مع من هم في الأعلى، وفي ضوء حراك الشبّان في العراق ولبنان والجزائر ...إنّه جيل آخر سيسحب البساط من تحت أقدام من لم يتحمّلوا المسؤولية ولم يصغوا إلى مطالب الأجيال الجديدة...
إنّ جيلا خرج في مناخ شديد الحرارة وفي سياق وباء خطير لا يهاب الموت يدفعنا إلى إعادة توجيه البوصلة صوب اتجاه جديد.
تحليل اخباري: وقفة تأمّل في حدث هزّ البلاد
- بقلم امال قرامي
- 09:24 28/07/2021
- 1445 عدد المشاهدات
بعيدا عن سياق يُهيمن فيه الاستقطاب والانفعال والرغبة في تصفية الحسابات والتشفّي أو يلوح فيه خطاب التحريض والدفاع