المنطقية لعدد من المقدمات اذ كان يعلق بابتسامة مرة :»ثم لا يكون شيء».
اتخيل ابتسامات صديقي الظريف وعدد ممن شاركونا نقاشاتنا تلك .لقد كنا نهون على أنفسنا بالقول ان السياسة -و الحياة ايضا -ليست معادلة رياضية تكون الطريق فيها مفتوحة بين المقدمات والنتائج ،بل كثيرا ما تتعطل قواعد المنطق المتعارف.
حينها يكتفي المراقب بمعاينة الحالة و التسليم بها او السخرية منها ،و السخرية وجه اخر للتسليم .او يجتهد في البحث عن منطق مغاير يستوعب الحالة .
تحضرني هذه الصورة في علاقتنا برئيس جمهوريتنا الذي نواصل الخطأ في حقه ،وفِي حق أنفسنا ،لاننا لم نستطع قراءته بعد .
فالبلاد بجمهورها و نخبها محتاجة الى جرعة تفاؤل، ولذلك يسارع الكثير منا للتصديق كلما جاءنا مبعوث من الرئيس «بنبأ يقين «عن «انطلاق الحوار» و «مد اليد «و «المؤشرات الإيجابية» ،ثم لا تطول المدة حتى يكتشف المتفائلون انهم كانوا امام سراب خلب ،وأنهم خدعوا مرة اخرى .وفي الحقيقة انما خدعتهم طيبتهم وترددهم لا اكثر .
لقد اتضحت وجهة الرئيس منذ زمن ،و اتضحت ايضا طبيعة شخصية الرئيس ،وهي معطى مهم في استقراء طبيعة ردود فعله و سلوكه «السياسي».
لا يعنينا البحث في منطقة دقيقة وحساسة للتأكد ان كان الرئيس يرى الامور حقيقة على هذه الشاكلة ،ام انه يتلاعب بالراي العام وحتى بالمتعاملين معه ،فذلك ليس مجال اختصاصنا ،كما ان النتيجة التي نحتاجها ماثلة امامنا وخلاصتها ان السيد الرئيس لن يكون جزءا من الحل كما يتصور المستقر في العقل السياسي التونسي بمختلف تلويناته ،و ان السيد الرئيس لن يغير من طريقة تعاطيه ،واننا ان واصلنا مجاراته فسيواصل إعطاءنا كلاما ملتبسا نتخاصم في تأويله ،و ما يعلم تأويله الا الله و لكن ما يحصل في الواقع هو «ثم لا يكون شيء «حسب عبارة صديقي الظريف.
ولا يهمني مرة اخرى البحث ان كان الرئيس لا يريد او لا يستطيع تغيير طريقة تعاطيه . ولكن ما يعنيني هو التاكيد ان العقلاء لا يجب ان يقتصر دورهم على وصف الحال ،بل مطلوب منهم اقتراح حلول بناء على تشخيص سليم ،و أخذا بعين الاعتبار استحالة حل دستوري يعفي الرئيس او يحل البرلمان او يعيد العهدة لصاحب السيادة لتجاوز منظومة 2019 .
ونقدر ان افضل المشاهد الممكنة امامنا هي ادارة مرحلة تعايش ستكون ملغمة لانها دون مضمون دستوري كما حصل اكثر من مرة في الجمهورية الخامسة في فرنسا،و لكنه تعايش سياسي يكره عليه الفاعلون مع تحديد مساحات تحرك كل منهم في نوع من الهدنة تحتمل مناوشات على الحدود تشوش دون ان تجمد عمل المؤسسات مثلما يحصل اليوم .
هذا التعايش يجب ان يكون منتجا، و يجب ان يعكس الواقع كما هو ،و يجب ان يكون ذَا مضمون .
و لهندسة المشهد الذي يحتوي هذا التعايش يجب ان نختار خطا للفرز ،فخطوط التباين كثيرة ولكن اخطرها حاليا هو الذي المتعلق بمنهج التعامل مع الدولة ومؤسساتها .
حيث نرى طيفا واسعا من القوى السياسية و المدنية تختلف في كثير من المقاربات و لكنها تتبنى
التمشي الاصلاحي الدستوري و السياسي للتفعيل والتطوير وحتى التغيير،تقابله قوى فاشية تحن الى الماضي ودورها الارباك و التشويش ومطلوب عزلها بعقد ديموقراطي يحدد قواعد التنافس بالاضافة الى مجالات التكامل.
غير ان العرقلة الاكبر تاتي من موقع الرئاسة ،و بالنظر الى شرعيتها الدستورية و الشعبية فان التعامل هنا يجب ان يكون دقيقا ،فليس المطلوب بناء جبهة في مقابل الرئيس ،فهذه هندسة غير منتجة ،بسبب ردود الفعل المتوقعة من الرئيس سعيد كما يرجح ان تدفع الهندسة الضدية عددا من القوى الديموقراطية الى الاصطفاف مع الرئيس قناعة او نكاية في خصوم لم تنجح السنوات العشر الماضية في تهدئة جبهات الصراع معهم .
لذلك فالمطلوب هو عزل القوى الفاشية و التعاون مع موقع الرئاسة بما يقتضيه الامر من تقدير و من اعتراف بالصلاحيات التي حددها الدستور و من تفهم حتى لضرورة تغيير كثير من المسائل في النص الدستوري ذاته و لكن و فقا لاليات متفق عليها و ليس وفق منهج المغالبة .
و لكن هذا المطلب لن يتحقق دون اعادة هندسة المشهدين البرلماني و الحكومي .
لقد اعتبرنا منذ الصائفة الماضية ان حكومة السيد المشيشي ليست هي الاجابة الناجعة عما تحتاجه البلاد من قيادة وأنها ستكون جزءا من الازمة ،وللاسف لم تنجح في اقناعنا بعكس ذلك .
اننا نحتاج حكومات يتجاوز دورها ملء الفراغ،اذ لم تخل تونس يوما منذ الاف السنين من حكومة تدير شؤونها .ان السياقات التي وجدت فيها الحكومة الحالية لم تسمح لها الا بالسير على الالغام وترضية الطلبات القطاعية المتزايدة و المتناقضة للحفاظ على مجرد وجودها ،بل لقد سقطت اخيرا في انتهاك الحريات و هو المكسب الاساسي الذي تحقق في العشر سنوات الماضية.
لا نرى حلا الا في حكومة سياسية تضبط برنامجا للانقاذ الوطني ،و تنهي العهدة الانتخابية وتتعامل مع رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور وتضم كل القوى العقلانية في البرلمان بل يستحسن يمكن ان تنفتح على مكونات اخرى خارجه .
ان المسؤولية الكبرى لقيادة هذه المبادرة تقع على الحزب الاول مع التعويل على تفهم السيد المشيشي نفسه ،فلا يتصورن احد امكانية نجاح حكومة يقودها هو شخصيا مع كل الصواريخ التي ستنطلق ، لا شك ،من قرطاج .
ندرك جيدا ان المهمة ليست سهلة وان الشغل الاكبر يجب ان يوجه الى ترميم العلاقات و محاولة استرجاع الثقة بين اهم الفاعلين .
فالحزب الاول يجب ان يحدد رهانه الاساسي ان كان في قيادة البرلمان او في قيادة الحكومة ،و قد يكون من المجدي تقديم وجوه اقدر على بناء العلاقات وتجاوز ما قد يكون حصل من سوء فهم في ادارة العلاقات السياسية في السنتين الاخيرة ،ولديه ارصدة بشرية متنوعة قادرة على تحقيق هذه المهمة .
كما هو مطلوب من بقية الاحزاب الإقرار بالحقوق المتوجبة ديموقراطيا للحزب الاول أيا كان اسمه او مرجعيته طالما حظي بتزكية شعبية اكثر من غيره .
ومطلوب من كثير من الشخصيات الوطنية ان تبادر لتفكيك الألغام و تحسين المناخات و تقريب وجهات النظر .
هذه مقاربة اقدمها تحتاج الى مزيد من التفصيل غايتها اعادة هندسة المشهد ،بما يؤهل البلاد الى التصدى للحيوي من المشكلات ،دون اغفال القضايا الكبرى التي يمكن ان يحسمها استفتاء في مناخات اقل تشنجا .
ان فشلت هذه المقاربة و ما يشبهها في الروح ، وان استمرت المغالبة المدمرة ،فقد يكون الحل فيما يدعو اليه عدد من الشخصيات من تعبئة القوى المدنية و الشارع لفرض اللجوء الى الاستفتاء ،وهي مقاربات لا تخرج عن الحقوق التي يكفلها الدستور كما لا تناقض المتعارف في العمل السياسي المدني. و لكن نأمل ان نتدارك امرنا قبل ان نصل الى مثل هذه الحلول .
وفي كل الحالات لقد أبرزت التجربة ان استراتيجية «الأذن الصماء «ثم لا يكون شيء» والإعتراف بأني «فهمتكم «غير ذات جدوى ان تجاوزت طاقة الاحتمال الشعبي .
ثم لا يكون شيء بقلم: عبد الحميد الجلاصي
- بقلم المغرب
- 11:08 18/06/2021
- 1013 عدد المشاهدات
تحضرني هذه الايام صورة احد الاصدقاء الظرفاء تفاعلا مع اوضاع تعرقل فيها ارادة بعض الفاعلين المآلات