إلى طريقة في التفكير وفي المناورة، بل إلى سوق عالمية يحثُّ نحوها الناس الخُطى من أجل تداول ما تعرضه عليهم من أخر المخترعات في هذا المجال.
تُدير المشاعر العلاقات بين الأفراد، وتديرها أيضا بين المجموعات وبين الدول، وعليها يقع الاحتكام في فض النزاعات أو في تأجيجها. إدارة المشاعر مثلها مثل إدارة الحروب الكبرى أو الاقتصاديات الكبرى تتطلب فهما لمضمونها ولأشكالها و لاستتباعاتها المختلفة. المشاعر فردية كانت أو جماعية كانت مُبعدة من نطاق العلوم الإنسانية والاجتماعية لما يقارب القرن. فُهمت المشاعر على أنها من ضمن المعوقات التي تحول دون قراءة موضوعية للواقع.
بدأت المشاعر تدخل نطاق مقولات التحليل في العلوم الإنسانية والاجتماعية عندما بدأ الفرد في التخلص من إكراهات البنية وعندما وعى الفرد أن له إمكانيات تحررّه وأن مشاعره جزء من هويته. لقد استفادت المشاعر من طفرة الوسائط المتعددة للتواصل، أعطته مساحات واسعة للتعبير ومساحات ليجرّب أكثر فأكثر فردانيته، أن يغازلها، أن يختبرها ويروضها حين تتنطع. إننا نعيش عصر المشاعر المُعلنة والتي يتنافس الناس في إظهارها ومعالجتها. كلما كانت الفردانية متجذرة كلما كانت المشاعر أكثر حضورا، وحضورها يعني أنها محور اهتمام الناس وانشغالهم وتعني لهم الكثير متفطنين لأهميتها في مسارات حياتهم.
هناك محاولات جادة في تقسيم العالم إلى خرائط للمشاعر. هناك مشاعر الخوف التي تستبدّ بأوروبا الغربية خاصة، ومخاوفها مرتبطة بقضايا الإرهاب والهجرة السرية والآزمة الاقتصادية وعطالة الوحدة الأوروبية علاوة على التساؤلات المرتبطة بمصير العائلة والمدرسة والديموقراطية. مشاعر الأمل نجدها في أسيا المنتصرة اقتصاديا وتكنولوجيا والتي ترى نفسها قائدة للعالم في المدى القريب. يخص ّ الأمر بلدانا مثل الصين واليابان وماليزيا وغيرها من القوى الاقتصادية الصاعدة في تلك القارة. أما مشاعر الإهانة فهي من نصيب العالم العربي والإسلامي، إهانته آتية من فشله في أن يكون مساهما جديا في تطور الحضارة البشرية، تفوقه الحضارة الغربية على كلّ الصعد، ينضاف إلى ذلك كله أنظمة في الغالب استبدادية تهين مواطنيها ولا تعطيهم الاعتراف الذي يليق بهم. تؤّذي مشاعر الإهانة إلى تنامي مشاعر الحنق والكراهية والعدوانية تجاه الذات وتجاه الآخر.
هل أن لنا خارطة تونسية للمشاعر؟
خارطة مشاعرنا متحوّلة في العشر سنوات الأخيرة، بدأت بالأمل، بالفخر وانتهت الآن إلى ما يشبه الشعور بالندم لما حصُل. من المنطقي أن تشكيل خارطة للمشاعر يأخذ حيزا من الزمن حتى تكتمل الصورة. نحن الآن بصدد بناء ديموقراطية ناشئة مثل ما نحن بصدد بناء خارطة للمشاعر تتناسب ومخرجات هذه الديموقراطية وسياقات انتقالها. إن أهم ما يميز خارطة المشاعر التونسية هو أنها تميل إلى مشاعر اليأس والإحباط والغضب، ولكنها تبحث في الآن ذاته عن بقع ضوء. الخارطة المشاعرية الحالية تحركها مشاعر الإهانة. إهانة الشباب الذي لم يجد مكانته في هذا الانتقال الديموقراطي وهو الذي بشكل ما صنع هذه الثورة. الإهانة باقية لدى جزء مهم من مواطني الجهات الداخلية المهمشة الذين لم يشعروا أبدا بأن حياتهم تغيرت، بل أنها تتجه نحو الأسوأ. الشعور بالإهانة يحضر بسرعة لدى الناس من حضور وضعهم المادي البائس، يتحركون من أجل ردّ الاعتبار أكثر من تحركهم من أجل لقمة العيش.
الشعور بالإهانة قادم من فاعلين سياسيين غير أكفاء تحيط بالكثير منهم فضائح الفساد. والإهانة قادمة من مشاريع معطلة وإدارة سياسية فاشلة لكل الملفات بما في ذلك ملف جائحة الكورونا. كل هذه المعطيات وغيرها تدفع بقوة نحو جعل خارطة المشاعر متشحة بالسواد ويبحث الناس إثر ذلك على أي شيء يعيد إليهم الشعور بالفخر وبالأمل. نرى ذلك عندما تلعب أنس جابر وتحقق انتصارات عالمية في كرة المضرب. يرجع الأمل وقتيا عندما يحقق فريق في لعبة ما انتصارا كبيرا، أو عندما نعلم أن تونسيا في أحد بقاع العالم حقق إنجازا منقطع النظير. يتدافع الناس حينئذ إلى نشر الخبر والتعليق عليه واعتباره الأمل الوحيد المتبقي لنا، في أنه في سياقات أخرى يُعدُّ مسألة عادية.
الفعل السياسي الجيّد هو الذي يعيد الاعتبار لمشاعر الفخر و الأمل، وهو الذي يقلّل من منسوب الشعور بالإهانة الجماعي الذي انتابنا. وللوصول إلى ذلك علينا تطوير بيداغوجيا الاحترام السياسي.
عن خارطة المشاعر في تونس
- بقلم محمد جويلي
- 09:40 04/05/2021
- 1432 عدد المشاهدات
يسعى الناس إلى التعبير عن مشاعرهم ويبحثون عن كلّ السبل التي تمكنهم من ذلك. هناك حاجة كونية إلى تحويل المشاعر إلى أسلوب عيش،