تزامنت مع ازمات اقتصادية ومالية واجتماعية هيكلية مزمنة تفاقمت منذ تسونامي جانفي 2011 ارهقت كاهل البلاد والعباد، فضلا عن جائحة كرونة التي قلبت كل الموازين وزادت الاحوال تعقيدا وأدخلت البلاد في اتون الخوف والحيرة ... بعد ان ذهب ضحيتها اكثر من عشرة آلاف من المواطنين منذ مارس الماضي الي افريل الجاري ..
في هذه الاجواء المتشنجة والمضطربة سياسيا واجتماعيا ومعنويا ومايكابده السواد الاعظم من الشعب من صعوبات حياتية يومية لتامين عيشه،يستعد حاليا وفد حكومي رفيع المستوى يتراسه وزير الاقتصاد والمالية والاستثمار و يضم محافظ البنك المركزي وسفير تونس بواشنطن والمستشار الا قتصادي لرئيس الحكومة وعدد من كبار التكنوقراط للسفر الي واشنطن للالتقاء في موعد حاسم مع صندوق النقد الدولي «الفامي» مطلع الأسبوع الأول من ماي المقبل لإجراء سلسلة من الاجتماعات للتفاو ض بخصوص تفاصيل برنامج الحكومة حول محاور الاصلاحات الاقتصادية والمالية والجبائية الكبري التي اطلع عليها مؤخرا الصندوق عبر الرسالة التي وجهها رءيس الحكومة الي المديرة العامة بواشنطن والتي تعتزم الحكومة الشروع في تفعيلها بداية من الصائفة القادمة...علي امل ان يمنح «الفامي» لتونس تمويلات جديدة هامةلتمكينها من تغطية النفقات المبرمجة في قانون الميزانية لسنة 2021 وفتح الباب امامها لاسترجاع ثقة المانحين الدولين في السوق المالية العالمية..
موضوع العلاقة بين البلدان النامية و«الفامي»، هذه المؤسسة المالية الدولية الاساسية يثير عادة كثيرا من التساؤلات والانشغال في الاوساط السياسية والمالية وحتي الشعبية في هذه البلدان لما علق به من شحنة عاطفية تتعلق بالسيادة الوطنية والاستقلاليةالمالية للدولة .. ومضاعفات «وصايا» الصندوق علي الاوضاع الاجتماعية...الا انه ليس بدعة في حد ذاته ..حيث كثيرا ما تلجأ عديد الدول ،بالخصوص النامية ، الي خدماته للاقتراض لتنشيط اقتصادها ودفع النمو والاستفادة اكثر مايمكن من الامكانات التي يوفرها وعادة بشروط نقدية اقل قسوة مقارنة بالشروط التي يفرضها المقرضون الخواص في السوق المالية العالمية .....
لكن الموضوع بالنسبة لتونس يختلف هذه المرة كثيرا عن سابقيه بعد ان اصبحت علاقاتنا بالصندوق منذ حكومة الترويكا في 2013 والى حد اليوم تتارجح تدريجيا بين الكر والفر ومانتج عن ذلك من تقلص لمنسوب ثقة الصندوق في بلادنا يوما بعد يوم خصوصا واننا اصبحنا نصنف في الخانة الحمراء بعد بلوغ المديونية الخارجية وكتلة الاجور وعجز المالية العمومية وتضخم نفقات صندوق التعويض وكذلك العجز المالي للعديد من المؤسسات العمومية ارقاما قياسية. .وهي اوضاع تزعج الصندوق وهو يدعو الي تغييرها بالإضافة إلى ما يعتبره بطءا وتلكؤا من طرف الحكومة في انجاز الاصلاحات المطلوبة...
الذين يعرفون «ا لفامي» و خبروا سياساته الليبرالية وشروطه وطرق عمله وقواعده وإجراءاته وصرامة خبراءه المتخرجين غالبا من الجامعات الانقلوسكسونية الكبري وحرفيتهم المهنية وانخراطهم في فلسفة التحررية الاقتصادية دون اعتبار للمضاعفات الاجتماعية لسياسات الصندوق يعلمون جيدا ان الصندوق ليس « الام تريزا» ولا جمعية خيرية ولا» بيت مال المسلمين» ...وهو يضع قبل كل شيء في الاعتبار مصالح مموليه ويتغاضي عن سيادة الدول المقترضة ، كما يعلمون انه يعرف جيدا اقتصاديات البلدان في ادق تفاصيلها واحوالهم السياسية والاجتماعية لكنه رغم ذلك يتعامل معهم بمنطق المصرف و يحرص بشدة علي ان تنفذ شروطه ...لذا فانهم يستعدون جيدا قبل الاجتماع معه ويعدون ملفاتهم بدقة متناهية لانهم يعلمون ان المفاوضات معه ستكون امتحانا قاسيا لامكان فيه للمجاملات الدبلوماسية....
بخصوص بلادنا، لن يزيغ «الفامي» خلال المفاوضات عن هذه القاعدة وربما ستكون المحادثات اصعب بكثير من الماضي .....لكن وبالرغم من صعوبة اللحظة نظرا للاختلال الكبير بين سقف انتظاراته و مدي استعداد اقتصادنا الموضوعي لتحمل تبعات توصياته او بالاحري تعليماته فانه يتوجب علي الوفد التونسي الإستعداد التام منذ الان لهذه المحادثات لاقناع الصندوق بمنهجيتنا في الاصلاح و للخروج بافضل النتاءج من هذه المفاوضات اخذا في الاعتبار إكراهات الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية في بلادنا من ناحية ومتطلبات صندوق النقد...
في هذا الاطار من الضروري ان يتوخي وفد تونس استراتجية الصراحة مقرونة بالليونة والصرامة في التفاوض للدفاع عن مصالحنا علي افضل وجه وذلك بالتمعن بدقة في شروط الصندوق أخذا في الاعتبار مايمكن انجازه من جانبنا علي الارض بالنظر الي المضاعفات الكبيرة لهذه الاصلاحات علي المجتمع ....وان لاينساق بسهولة الي متطلبات الصندوق بحذافيرها لتامين الرجوع في الابان بالتمويلات الموعودة.
من هذا المنظار يجب عدم توريط الحكومات المقبلة وتحسيس مفاوضي الصندوق بالصعوبات والتحديات الكبري التي حالت بصفة جدية الي الان ولاتزال دون انجاز هذه الاصلاحات التي قد ترهن اجيال المستفبل وكذلك الي ضرورة اعتماد التدرجية حسب جدول متفق عليه في انجاز هذه الاصلاحات علي امتداد الثلاث سنوات المقبلة ابتداءا من المنتصف الثاني ل 2021 حتي نؤمن لها اكبر حظوظ النجاح ونجنبها الفشل وكذلك ماقد يحدث من رجات واضطرابات اجتماعية كبري تستهدف استقرار البلاد في العمق وتهدد بقوة التحول الديمقراطي وتؤدي الي مضاعفات سياسية واجتماعية غير محمودة...
في الاثناء نتمني ان تكون الحكومة قد حشدت كل طاقاتها لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لتحسيس الدول الفاعلة في مجلس إدارة الصندوق وعلي راسها الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا واليابان وغيرها بالتحديات الكبري التي تعيشها البلاد وعلي عزمها انجاز الاصلاحات الضرورية لدفع النمو وتحريك الاقتصاد والخروج بالبلاد من عنق الزحاحة .وتامين نجاح الانتقال الديمقراطي ..كما نتمنى ان تعمل الحكومة بقوة منذ الان لتحمل مسؤولياتها وتحسيس الشعب بما تعتزم اتخاذه من اجرءات لانجاز الاصلاحات الكبري باقل التكاليف الممكنة واقناعه بتقاسم التضحيات خصوصا بعد رفع الدعم تدريجيا علي المواد الاولية وتحرير الاسعار وما قد ينجر عنه من تشنج اجتماعي واضطرابات قد يعوق عملية الإصلاحات .... ويعجز اتحاد الشغل نفسه علي احتوائها والتعامل معها ..!!.
التناءج التي سيعود بها الوفد الحكومي من واشنطن ستشكل ارضية لعشرية اقتصادية واجتماعية حبلي بالتطورات باعتبارها فاتحة حقبة جديدة نتمني ان تكون منطلقا لدخول بلادنا الفعلي في هذا القرن الجديد.... فهل سنكون قادرين علي رفع التحدي الكبير في عالم بصدد التشكل من جديد لا بقاء فيه الا للقوي والذكي ولا مكان فيه للعاطفة والاوهام والشعبوية.....هذا هو السؤال الذي يجب ان نتجند جميعا للاجابة عليه.. علما ان النجاح يبقي رهين قدرة الجميع علي التحلي بالوطنية والاستعدادلتقاسم التضحيات ووضع البلادعلي الطريق القويم بعيدا عن الشعبويات والشعارات الزائفة. التي ارتدت بالبلاد عشرات السنين الي الوراء!!
تونس: بين مطرقة الشارع وسندان صندوق النقد الدولي، مالعمل؟
- بقلم المغرب
- 09:26 29/04/2021
- 932 عدد المشاهدات
بقلم: رؤوف الشطي، سفير سابق
تعيش تونس اليوم ومنذ ثلاثة أشهر علي وقع ازمة مؤسساتية وسياسية حادة غير مسبوقة في اعلي مستوي هرم الدولة