قراءة: الواقعية بوابتنا الوحيدة للخروج ببلادنا من المأزق

بقلم: رؤوف الشطي سفير سابق
بعيد تسونامي 14 جانفي 2011 والانهيار السريع للنظام السياسي السابق تحت وطاة الشارع وتخاذل اركانه وتواري الكثير من الانتهازين الذين كانوا يهللون له

تحت سلطان الخوف والطمع والروتين ، اعتقد الجميع وخصوصا عديد من المنتمين الي الطيف السياسي الجديد، في فورة الانتشاء بالحرية المطلقة أن عهد التسلط والديكتاتورية السياسية والاقتصادية ولى دون رجعة وان الديمقراطية السياسية والازدهار الاقتصادي و النهوض الاجتماعي سيحلان محله ليشكلا السمة الاساسية للعهد الجديد.. وليحققا الحرية الحقيقية والكرامة الانسانية والشغل...

انذاك انصب اهتمام وصراع الطيف السياسي بشتي مكوناته من اسلاماوين ويسراويين وقوميين عروبين ونقاباويين وإعلاماويين وغيرهم إلى الإسراع باستغلال اللحظة التاريخية الفاصلة بين العهدين القديم والجديد لبناء دستور جديد لتامين افضل الفرص لاكتساح السلطة وتامين تواجدهم بكل الطرق في المواقع الامامية... ولفرض انفسهم في المنظومة السياسية التي بدات تتشكل، و انبري جميعم مصلحا.... هدفهم من ذلك النفاذ الي الحكم في اسرع وقت أو على الاقل تامين مكان بارز في الساحة....

يتذكر الجميع جيدا اليوم كيف تماهي انذاك هذا الطيف السياسي مع سياقات الضوضاء و الغوغاء التي برزت في كامل الوطن والتي سرعان ما بدات تسري في الوعي الجمعي للشعب .... لتتحول تدريجيا الي فوضي عارمة في العقول والواقع لم تعهدها تونس في تاريخها الحديث.... وانعكست حتى على عديد القوانين الجديدة... و انخرمت فيها كل التوازانات التي عاش علىها المجتمع منذ ستينات القرن الماضي....

ولم يكتف الطيف السياسي انذاك بالانسياق دون ترو، مع تشنج وغليان الشارع في اغلب جهات البلاد بل سعي كل حسب تطلعاته في غباء كبير الي وضع الزيت على النار بشيطنة الماضي وسياساته... للتمكن من الشارع ... مستغلا في ذلك بقوة المشهد الاعلامي السمعي البصري الجديد لتاليب الشعب ضد السلطة باسم الديمقراطية وسيادة الشعب، دون التفطن الي المضاعفات الخطيرة على المدي القصير والمتوسط والطويل لهذا السلوك الشعبوي على نفسية وتصرفات الراي العام .... وكذلك على علاقات الشعب بمؤسسات الدولة وهيبتها وسلطانها ... ومن ثم على الاستقرار السياسي بالبلاد.. ومناعتها النفسية والمعنويةو الاقتصاديةوالاجتماعية ..وصورتها في الخارج....

أدى هذا مع مرور الوقت وتجذر هذه الممارسات الخطيرة في الواقع اليومي إلى ماتعيشه تونس اليوم واكثر من اي وقت من فوضي عارمة ومن أزمات سياسية غير مسبوقة ومن تردي اقتصادي واجتماعي مخيف، بعد انقلاب المفاهيم والموازين والنظم، مما أدى الى انخرام الاساسيات المعهودة في العديد من الميادين وادخل اضطرابات كبرى على سير الحياة وكذلك على سلسلة القيادة في كل المصالح الحكومية... والمؤسسات العمومية والخاصة.. حيث اصبح التسيب واللامبالاة والافلات من العقاب العقلية الجديدة الساءدة والتي ازدادت ترسخا مع ماعرفته ولاتزال الادارة والمؤسسات العمومية ووحدات الانتاج من اضرابات لا تحصى ولا تعد وتعطيل للعمل واستهتار بالقوانين والتراتيب....

الخطر الكبير انه لم يكن في الطبقة السياسية برمتها طيلة العشر سنوات الماضية والي اليوم من له من الحكمة الكافية لوضع حد لهذه المخاطر الحقيقية التي تتهدد ولاتزال كيان البلاد داخليا، في ضل التقهقر السياسي و تفاقم الاوضاع العامة بعد استقواء الشعب على الدولة و فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم وسيطرة عقلية الاحباط على العامة و سعي الطبقة الحاكمة إلى البقاء في الحكم باسم الدفاع عن الشرعية فضلا عن تفرد كل فريق برايه ودفاعه بكل الطرق عن مصالحه الضيقة و تجاهله التام للمصلحة العامة للشعب... هذا فضلا عن التدخلات الخارجية في شؤون البلاد والاجواء الاقليمية المشحونة التي تهدد استقرارها.

في مثل هذه السياقات.... تلح المنظومة الحاكمة اليوم انه لامناص من القيام بالاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبري في جميع الميادين كلفنا ذلك ماكلفنا اذا ماارتاينا انقاذ الدولة من الافلاس واردنا وضع البلاد على الطريق القويم وتحقيق الاهداف التي من أجلها عرفت انقلابا منذ جانفي 2011 سرعة ماتحول الي ثورة عارمة لازالت تونس تعيش يوميا على وقع ارتداداتها وهي مرشحة للتواصل طيلة هذه العشرية الجديدة وحتي أبعد من ذلك..

والسوال الذي يتجنبه كثير من الفاعلين السياسين هو هل بامكانهم فعلا اليوم الشروع في هذه الاصلاحات العميقة دون مس من التوازنات الجديدة الهشة ومصالح العديد من الأطراف المستفيدة وماتملكه من أدوات داخل البلاد وربما خارجها للحيلولة دون وضع هذه الاصلاحات حيز التنفيذ وإذا اقتضت الضرورة أن يحد من مضاعفاتها على مصالحها....
كما ان السؤال هو هل ستقبل النقابة والاطراف الاجتماعية ان تتحمل الطبقات الضعيفة بما فيها ماتبقى من الطبقة الوسطى هذه الاصلاحات.... وفي صورة ماتماهت النقابة معها تحت وطاة صندوق النقد الدولي فهل ستكون قادرة على لجم افواه الشعب وشل سواعده.... بعد ان اصبح سيد الشارع وبعد ان تعود على تملك الشارع وفرض ارادته...

في ظل هذه الأوضاع السريالية... لامناص حسب رأينا من أن تقول السلطة بصفة علنية واضحة وجلية كل الحقيقة إلى الشعب دون مقدمات ودون مراوغة و تعلمه باعتزامها ادخال اصلاحات سياسية كبري تمس بالخصوص الدستور والنظام الساسي والانتخابي بعد استشارة الشعب كما تدعو الجميع لتقاسم التضحيات حتي يعرف الشعب أن فترة التسيب والكسل واللمبلات والاستهتار... ولت دون رجعة وانه عليه ان يستفيق من سباته وان ينكب على العمل والبذل... اذا مااراد ان ينقذ البلاد من التلاشي والدولة من الانهيار.....

إني على يقين أن الشعب سوف يستسيغ هذا الخطاب الصارم المسؤول ولو على مضص اذا مارافقه التزام من طرف السلطة بتحديد المسؤوليات ومقاضاة كل من أذنب في حق الوطن وادي الي ماتعيشه البلاد من مآس... يعلمها الخاص والعام.... وسيكون ذلك بلسما لشفاء شعب تلضي بنار الشعبوية طيلة عشرية كاملة وضعت البلاد في اتون من التقهقر والتردي لم تشهده منذ الاستقلال....

ماعدا ذلك.... سيكون هروبا إلى الامام لن يزيد الطين الا بلة ولن يسهم في حلحلة الاوضاع بل في مزيد تأزيمها وحتما في انفجارها...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115