رئيس الحكومة وحزامه السياسي: أي خطر على البلاد؟

بقلم: أ. لطفي العيادي
نائب عن حركة الشعب
عند تكليفه من قبل السيد رئيس الجمهورية لتكوين الحكومة باعتباره الشخصية الاقدر المفترضة كان السيد هشام المشيشي اعلن بانها ستكون حكومة كفاءات مستقلة

تماما الا انه بعد وقت قصير سقطت كلمة «تماما» وحل محلها حكومة كفاءات بحزام سياسي وبرلماني واسع مطلوب منها الحصول على الثقـــة من البرلمان ليتم تعديل تركيبتها بعد ذلك وهو ما يعنــــي وان استقلالية هذه الحكومة كانت عنوانا لتمريـرها في البرلمان في مرحلة اولـى ثم الالتفاف عليها مباشرة بعد ذلك من قبل ما سمـي بالحـزام السياسي والبرلماني والذي تتحكم في خيوطه حركة النهضة.
عندما حصل التحوير الوزاري الذي اعلن عنه الحزام السياسي منذ اللحظات الاولى لتكوين الحكومــــــة وليس الثقة فقد حصل المأزق الذي كان متوقعا واضحت البلاد تعيش ازمة سياسية قبل ان تكون دستورية بسبب الرغبة الجامحــة للحزام السياسي وقائده حركة النهضة في الانفراد بالحكم ودعم نفوذه في السلطـة التنفيذية على حساب رئيس الجمهوريـــــة بعد تصاعد الخلاف المعلن بين رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب مع رئيس الجمهورية.
هنا يطرح السؤال حول هذا الحزام السياسي والبرلماني هل هو فعلا الحزام الذي يرمز الى الدعم والقوة على غرار الحزام الاسود في رياضة الكاراتي ام هو حزام يرمز الى التدمير على غرار الحزام الناسف لدى الجماعات الارهابية ام هو بين الاثنين اي حزام للرفض ولكنه رفض بدون ضوابط وبدون ايقاع؟
يبدو ان السيد هشام المشيشي في هذه اللحظة يعيش مرحلة حزام الرقص بدون ضوابط ولا إيقاع وبمثله الحزام المحيط به وهو الحزام الذي يمكن ان يتحول في اي لحظة الى حزام ناسف ولكن ليس للحكومة ورئيسها السيد هشام المشيشي لان هذا الاخير ليس له اي ماض سياسي ولن يكون له مستقبل سياسي ما دام سائرا على هذا النحو ولكن النسف مع الاسف يكون على حساب تونس.
وبمكن هنا تقديم بعض المؤشرات على المرحلة التي يعيشها رئيس الحكومة الان وسط حزامه الراقص فماذا يعني ان يقوم هذا الاخير يتغيير في هيكلة الحكومة دون مداولات مجلس وزاري طبق ما يوجبـــــــه الفصل92 من الدستور ثم ماذا يعني اختياره لأعضاء في الحكومة تحوم حولهم شبهات فساد او تضارب مصالح .
ثم ماذا يعني هذا كله الاصرار على تقديم التحوير لمجلس النواب رغم تلك الخروقات والتي كان بالامكان لرئيس الحكومة تداركها في مدة اسبوع وتأجيل جلسة المصادقة على التحوير الا ان الإصرار من حزامه السياسي على المرور بقوة للمصادقة يعكس رغبة جامحة في وضع اليد على الحكومة حتى ولو ادى ذلك الى ازمة وهي حاصلة فعلا.
ثم ماذا يعني بعد كل ذلك اصرار رئيس الحكومة وعوض التوجه لرئيس الجمهورية في جلسة ثنائية وطرح موضوع الخلاف وايجاد صيغة ليعفي الوزراء الذين تحفظ عليهم رئيس الجمهورية ثم اداء اليمين وغلق الملف عوضا عن كل ذلك يختار رئيس الحكومة وحزامه السياسي ومن يحيط به في القصبة لغة التصعيد العشوائي بتوجيه استشارة للمحكمة الادارية وهي غير مختصة قانونا ثم تجتمع مجموعة من غير المختصين في القانون الدستوري يوم الابعاء في اوجع الوقت المخصص لعمل الحكومة وتركيزه على الملفات الخارقة التي تهم المواطنين وتخصيص الوقت المذكور بدلا عن ذلك للبحث عن فتوى تمكن وزارءه من اداء اليمين الدستورية ، فياتي الجواب مرة اخرى بان الموضوع سياسي وليس دستوريا الا ان رئيس الحكومة لم يقف عند هذا الحد فتوجه إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لطلب رايها وهي الهيئة المختصة في مراقبة مشاريع القوانين التي تعرض عليها ومدى ملاءمتها لاحكام الدستور من عدمها وبالتالي فلا علاقة لها بموضوع اليمين الدستورية واخيرا وليس اخرا قرار السيد رئيس الحكومة اليوم 15 فيفري اعفاء مجموعة من الوزراء بما يزيد الوضع تعقيدا وبذلك يكون الحزام المحيط برئيس الحكومة داخل القصبة وخارجها يمارس الرقص بامتياز على نخب وطن جريح ومواطن ينتظر حلولا لمشاكل وجوده كانسان في بلد انهكه العبث السياسي.
ان اكثر ما يقلق بعد كل هذا ان يتواصل الرقص وربما فكر هذا الحزام وما دامت الرقصة متواصلة وربما يتمنى لو يتحقق سيناريو الفصل97 من الدستور أي سحب الثقة من المشيشي وتقديم مرشح يختارونه هم وهي الحالة الوحيدة التي تبعد عنهم «شبح «عودة المبادرة لرئيس الجمهورية طبقا للفصل 89 من الدستور.
ان المرحلة الحالية ربما تعتبر اكثر المراحل خطورة على البلاد لا سيما بعد الدعوات الصادرة عن حزام رئيس الحكومة وعلى راسها حركة النهضة للخروج للشارع وذلك دعما لما سموه «الشرعية «وهو ما يعني اخراج الموضوع من نطاقة الدستوري والمؤسسات وترك الحسم للشارع بما يعني في النهاية ان مرحلة الحزام الراقص انتهت وبدأت مرحلة الحزام الناسف وهي المرحلة المدمرة للتجربة الديمقراطية برمتها.
في الختام اقول للسيد هشام المشيشي ما يلي صحيح انه ليس لك ماض سياسي ولكن ما زال هناك امامك فرصة اخيرة لتترك اثرا ايجابيا في تاريخ تونس وذلك لن يكون الا باتباع الحل المؤسساتي والتواصل المباشر مع رئيس الجمهورية ولن يغبر شيئا استغناؤك عن بعض الوزراء وتعوبضهم بغيرهم فانت شخصية مستقلة وبالتالي لن تخسر شيئا ولكن ستكسب ثقة واحترام عدد كبير من مكونات المشهد السياسي وتكسب معك تونس وقتا ثمينا هي في امس الحاجة اليه وستجد حينها الدعم السياسي بدون مقابل من كل من هو حريص على استقرار البلاد اما اذا استعصى عليك هذا الحل فلتكن استقالتك وارجاع الامانة لمن ائتمنك عليها وحينها ايضا سيسجل لك التاريخ هذا الموقف الايجابي ويمكن حينها ان تفكر لك في مستقبل سياسي اما في غير هاتين الحالتين فان حزامك الذي يلوح بالنزول الى الشارع سيكون بالفعل حزاما ناسفا لك ولتونس وهو ما لا نتمناه ابدا ولهذا نقول في النهاية حفظ الله تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115