منبــــر: كنا مفخرة فهل نقبل ان نتحول إلى مسخرة ؟

بقلم: عبد الحميد الجلاصي
في هذه الايام نوشك ان نصرخ :لقد انتهت حلول الارض و ما علينا الا ان نرفع اكفنا تضرعا تشوفا لحلول السماء .

ببساطة لان خيالنا أصيب بالإجهاد ولم يعد بامكانه تدارك حجم الانحدار فما كنا نواسي به أنفسنا انه لن يقع ،يفاجئنا ما هو اسوء منه .
لقد أضحت الصورة مملة من كثرة تكرارها .
هي قصة شعب استجمع شجاعته وواجه الرعب ليرتقي الى مرتبة البشرية يعطي معنى للحرية و للكرامة ؛ببساطة .بعد عشر كاملات يجد نخبته لم تخرج بعد من مربع البحث عن الاستقرار .استقرارها هي و كانها غفلت ان الاستقرار يمكن ان يتحول الى جمود بل الى ارتكاس و هو بالتحديد الباريدغم الذي حصلت عليه الثورة .

• نتوغل في أزمة متراكبة:
لقد فتحت انتخابات 2019 ثغرة في جدار الاحباط واعادت الاعتبار للصندوق و للمؤسسة ورفعت شعار التغيير .بعد سنة تعود بنا المنظومة الى مربع الاستقرار وهو بالضبط المربع الذي وقعت سجينته منظومة 2014.والحصيلة إسقاط الحكومة الاولى من طرف الجهة التي قدمتها ثم سقوط الحكومة الثانية وبعد اشهر قليلة يحبس التونسيون انفاسهم بشان مرور التعديل الكبير للحكومة الثالثة .

في «برلمان الخوف» الذي يذكرنا للاسف بمدرسة المشاغبين يصبح اغلى امانينا ان تكون لنا حكومة .المهم الا نواجه المجهول ،والمجهول هنا هو العودة لارادة الناخبين . يحصل هذا في بلاد لم تشهد فراغا من الحكومات منذ مئات السنين .
واثناء ذلك يتبادل الجميع المواقع وتبتذل انبل الشعارات وتصبح محاربة الفساد بالشبهة مصلحة وطنية في مواجهة الخصم و يصبح التعقل و إيكال الامر الى القضاء هو الموقف الحكيم مع الصديق. وجمهور الاحزاب ينخرط في تبرير كل شيء ،اما جمهور الناخبين فيشاهد بقرف هذا اللعب على كل الحبال .
وتتعرض اللغة الى أفظع المجازر .فما هي الثورة ومن هم الثوريون ؟و ما هي الديموقراطية ومن هم الديموقراطيون ؟ ومن هم النزهاء ومن هم الفاسدون ؟

لقد انتهى الزمن الذي كانت فيه الثورية مواجهة للبوليس او رفعا للصوت و شتما للمسؤولين .من اراد ان يكون ثوريا بعد مسار منهك ليسكن الثورة في السياسات و البرامج والسلوكات .

واحد أسباب ما يحصل في البرلمان مشهد حزبي معطوب ويستحضر صراعات الماضي اكثر من استحضاره تحديات المستقبل و يغرق في مشاكله الذاتية و ينسى التعاقد الانتخابي ،وأحزاب «الفانة» و «الباتيندة « و التستر بالاغطية الأيديولوجية لا يمكن ان يقدم شيئا للمستقبل .
الان يجب ان اتحدث عن السيد رئيس الجمهورية ،ويجب ان أوازن بين قول الحقيقة وعدم المساهمة في مزيد ارباك الاوضاع .

السيد رئيس الجمهورية لم يقم لحد الان بدوره في تجميع التونسيين ولم تقم كل خطبه بدورها في التوضيح و التعبئة و ما يعرف عن محيطه لا يطمئن في اغلبه من حيث التنوع والكفاءة والرصانة والسياسة التواصلية لهذا المحيط ليست اقل من كارثية ،و المسؤولية السياسية عن نوعية المحيط وعن نوعية ادائه تعود بالطبع للسيد رئيس الجمهورية .
في العادة عندما تتعقد الاوضاع تؤجل المعارك الصغيرة ويتم التعاون على مواجهة التحديات الكبرى ،غير انه من مفارقات المشهد التونسي ان تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين كبار المسؤولين وان تهيمن الاعتبارات النفسية بين غالب الفاعلين في حين ان ادارة الشان العام تتطلب التحلي باقصى درجات العقلانية و التعالي عن الاعتبارات الذاتية .

هل يتطلب الامر ان نبحث عن وسطاء ليحكموا بين من انتخبناهم لتسيير شؤوننا ؟

اعرف كثيرا من العقلاء منشغلون بمستقبل بلادهم ويطرقون كل الأبواب لتهدئة الاوضاع و تفكيك الألغام و إرجاع السيوف الى أغمادها لكنهم يقفون عاجزين بسبب المكابرة وصراع النرجسيات وسياسة الترتيبات الصغيرة واستراتيجية حشر الخصوم في الزاوية .
يجب ان نتفق أن الانتخابات ليست لعبة دورية و طقسا فارغا،وان الديموقراطية ليست مجرد صندوق يعطي شرعية ،وليست ورقة تعطى و يتم التلاعب بها في انتظار كذبة اخرى .الانتخابات في جوهرها السياسي و الاخلاقي هي تعاقد ،و الديموقراطية منظومة متكاملة هي الحريات المكفولة للجميع و هي الانتخابات التي تضفي الشرعية وفقا لتعاقد معلوم وهي خلق السماحة و التسامح و ثقافة الاعتراف العميق بالتنوع ...وهي ايضا مضمون اجتماعي تجسده العدالة والكرامة .
كنت دائما متفائلا، وسأظل ،لان لدي ثقة في عبقرية التونسيين و في قدرة النخب على التدارك.

• نحن الآن بين خيارين:
إما تعايش شجاع من اجل انقاذ منظومة اكتوبر 2019 على قاعدة الدستور والاستماع لأصوات الغاضبين و آخرهم اصوات الشباب المتمرد الذي لا تعنيه المقولات التي تأسرنا نحن الشيوخ .
وهذا الخيار يتطلب جراة وشجاعة و مبادرة و تقليص تدخل الانفعالي و الذاتي في ادارة الشان العام .
واما قرار لا يقل شجاعة بإعلان فشل المنظومة و إرجاع الأمانة للناخبين .
ما أنا متاكد منه هو استحالة استمرار الاستهانة بالدولة ووضعية اللاحرب و اللاسلم .
وما انا متاكد منه ايضا ان النخبة الحاكمة في بلادنا استهانت منذ خمسين سنة بفجوة حصلت مع الاجيال الجديدة فتحولت الى جفوة و الى قطيعة خسرت بسببها البلاد كثيرا من الأوقات و الفرص و لوثت المناخات و أورثتنا بعض ما نعاني منه اليوم .يجب ان ننتبه اننا لا ننفر الشبيبة فقط من السياسة و الاحزاب و المؤسسات ...اننا ننفرهم من الوطن .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115