استفحال جائحة «كورونا»: قررت السّلطة أن لا تقرّر

بقلم: الأستاذ رافع ابن عاشور
اعتدنا القول اتّفق العرب على أن لا يتّفقوا. وقياسا على هذه العبارة، يبدو أنّنا مدعوون إلى التأقلم

مع عبارة خاصّة بالشأن الوطنيّ التونسيّ وهي عبارة « قرّرت حكومتنا أن لا تقرّر».
فعندما ظهرت أوّلى حالات فيروس « كورونا « ببلادنا، تجنّدت السّلطة وأعلنت في شهر مارس من العام الماضي أنّنا دخلنا في حرب. فاجتمع مجلس الأمن القوميّ برئاسة رئيس الجمهورية، وأصدر قرارات صارمة أهمّها الحجر الصحّيّ الشّامل وحظر الجولان.
وبعد هدوء العاصفة، أطلّ علينا رئيس الحكومة، السيّد إلياس الفخفاخ، مفتخرا مزهوّا، وصرّح بأنّنا انتصرنا في حربنا. وعليه، أنقذنا الموسم السّياحيّ، ويمكن لمن أراد ذلك، النّزول بتونس لقضاء عطلة آمنة، ففتحت الحدود وأقلعت الطّائرات ونزلت، وأبحرت البواخر وأرست، ووفدت أفواج من التّونسيّين العالقين والعاملين بالخارج ونذر من السّياح.

لكن ومع إطلال الخريف، ظهرت حالات حديدة من حالات « الكورونا « إلاّ أنّ البلد كان منهمكا آنذاك في ما هو أهمّ أي، إسقاط حكومة الفخفاخ وتعويضها بأخرى.
ومع نهاية الصيف والعودة المدرسيّة والجامعيّة، تواتر الحديث عن موجة ثانية من هذا الوباء قد تبلغ ذروتها نهاية سنة 2020 أو بداية سنة 2021، فتبين أنّ انتصارنا المبين كان في مجرّد معركة ولمّا نكسب الحرب كما أعلن ذلك رئيس الحكومة السّابق.
وعلى رغم التطوّر المهول والمفزع للجائحة، ورغم تفاقم أعداد العدوى واكتظاظ المستشفيات والمصحّات واقسام الإنعاش والرّعاية المركّزة، لم تول حكومة الكفاءات، برئاسة السيد هشام المشيشي، المسألة الصحّية كامل العناية وتراخت في اتّخاذ التّدابير الوقائيّة النّاجعة، بل عندما اتّخذت بعضها لم تتابعها ولم تسهر على تطبيقها، بل إنّ المسؤولين أنفسهم لم يتقيّدوا لا بالإجراءات الصحّية ولا بحالة الطّوارئ فحضروا مواكب تشييع الجنائز ونظموا الاجتماعات الحاشدة دون تباعد أو وضع القناع الواقي، إلى أن بلغت أرقام العدوى والوفيات أرقاما قياسيّة محزنة ويندى لها الجبين، بل لم تجد الحكومة الشّجاعة لمجاراة الهيئة العلميّة لمّا اقترحت حجرا صحّيا شاملا بأسبوعين فاكتفت بحجر صحّي شامل لأربعة أيّام لا غير لم يطبق بصرامة إلاّ يوما واحدا، يوم 14 جانفي 2021. ولازم رئيس الحكومة الصمت ولم يتوجه بكلمة للشعب إلا ليعلن عن تحوير وزاري ما أبعده عن مشاغل الشعب.
كما برز غياب الدّولة في عجزها التامّ وفي تأخّرها عن اقتناء اللّقاحات رغم توفّر ما يفي بالحاجة وزيادة من العملة الصّعبة بالبنك المركزيّ. ففي حين بدأت دول كالمغرب ومصر (منذ يومين) في التلقيح، ما زالت تونس في قاعة انتظار المزودين. وقد بشرنا مدير معهد باستور بوصول 50.000 جرعة (هكذا) في أواخر شهر فيفري. أمّا البقيّة، فلعلّها وربّما ستتوّفر في بداية أفريل القادم بعد ما يكون الفيروس قد حصد أكثر من 10.000 مواطن.
وفي يوم واحد تجاوز عدد الموتى المائة، أطلّت علينا الأستاذة الدّكتورة الناطقة باسم وزارة الصحة، وأعلمتنا أنّ الحالة خطرة جدّا، لكن لا حاجة للحجر الشّامل بل لا حرج من إعادة فتح المقاهي والمطاعم ورجوع التّلاميذ والطّلبة إلى قاعات الدّراسة. كما أعلمتنا بتكوين لجان قطاعيّة لمتابعة تطبيق الإجراءات وردع كلّ مخالف.
وهكذا قرّرت دولتنا الحريصة على صحّة مواطنيها أن لا تقرّر وأن تدع الأمور تستفحل، فيموت من يموت ويصاب من يصاب. المهمّ أن لا يغضب أصحاب المصالح وهي لعمري سياسة أثبتت نجاعتها في ميدان حوادث الطّرقات حيث تكتفي الدّولة بتقديم الإحصائيات حول جرحى الحوادث وموتاها، لكنها لا تحرك ساكنا لردع المخالفين قانون الطّرقات.
هكذا السّياسة أو لا تكون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115