و إيقاف جلسة التصديق على فوز بايدن ، هذا من مخلفات الديمقراطية غير الخاضعة لضوابط ، النظام الديمقراطي وحده لا يكفي
رأينا نماذج «الهبيين» و «الفايكينغ» و «الهوليغانز» و غيرهم و كلها نماذج فوضوية و همجية على شاكلة زعيمهم يقتحمون المجلس وسط تخاذل حرس الكونغرس بما أنهم سمحوا لحفنة من الهمجيين لا ان يرابطوا في مقر الكونغرس حضاريا وذلك مشروع بل بأن يرهبوا النواب و يدنسوا كراسي المسؤولين ومكاتبهم مع التخريب .
مشهد لم يحصل منذ تأسست أمريكا حتى من طرف «العبيد» السود في عهد مؤسسي العبودية.
عندما تكون أمريكا دولة أغلب مواطنيها في حالة غيبوبة يعيشون على ما يروج من أخبار تصنعها وكالاتهم يغرقونهم في بحر من الأخبار تجعلهم لا يكادوا يفهمون الصواب من الخطإ حتى في ظل وجود الإعلام البديل اي وسائل التواصل الاجتماعي و عندما نشهد ناشئة منمطة تجد ظالتها في شخصية مهتزة تمثل تقلباتها و تبني برنامجها على على هشاشات مواطنيها ، فالمضطربون سينتخبون مظطربا و هذه حتمية.
و هكذا أجد ان في الديمقراطية في عصر حضارة الصورة التي يتم استغلالها سلبيا تصبح فيها الأمة كأنما هي «معروضة في مزاد علني» لمن يحشد أكثر عدد من المؤيدين حسب تعبير أستاذتي تيمينا تيناسكو ، فتصبح قيادة الدولة حسب رأيي فترة تجريبية بمناسبة كل إقتراع.
هذه هي الديمقراطية التي آغتالت الرئيس الرمز كينيدي من أصدر أمر خالف به خيار حملته للدورة الثانية عندما أمر بآنسحاب الجيش الامريكي من الفيتنام فور توليه و حارب مافيات الفساد في الداخل و أفكاره و نهجه السياسي كان يضيف لدولته و للعالم بعد ان صارت أمريكا «رئيس مجلس إدارة العالم».
هذه هي الديمقراطية ، التي جعلتنا نخسر شخصا متحضرا مثل آلبرت آل غور المرشح المتنافس مع جورج بوش سنة 2000 بفارق ولاية واحدة و هي فلوريدا أعيد فيها الفرز تحت ادارة حاكم الولاية و هو أخ جورج بوش في وضعية تضارب مصالح صارخة و خسرنا رئيسا محترما دارس للعلوم السياسية آختبر الحكم تحت الرئيس كلينتون و رجل إقتصاد كفؤ و عالم في المناخ وصل لنوبل في السلام من أجل نظرياته و كتاباته في الأمن المناخي في 2007 ، لو تولى هو الرئاسة هل كانت الدول العربية تعيش المآسي التي عاشتها تحت عهدي بوش و ترامب ، لا أظن أنه كان سيحمي مصالح أمريكا بأقل الأضرار.
بعد حكم الهمجي جورج بوش ، قرأت مقالا لجنرال أمريكي يقول عندما لا تنفك الجمهورية تدخل في الحروب تنتهي الدولة الى امبراطورية بعد ان كانت تسمى جمهورية .
و رأينا قانون قيصر الذي صار يتباهى بتطبيقه و صرنا نشهد ما درسناه تاريخيا في القانون الدولي القديم وهو السلام الروماني Pax Romana اي السلام الروماني اما بالقوة حيث امبراطورية تسيطر على أخرى فيكون السلام في شكل هدوء و السلام الروماني بالتوازن حيث السلام يكون بين امبراطوريتين بفعل توازن القوى حسب تعبير أستاذي سليم اللغماني.
ورأينا همجيا كجورج بوش يعلن حربا على العراق أسس هو و فريقه لسيناريو كاذب بشأنها قبل التأشير عليها من الكونغرس و أعلن لو رفض الكونغرس منحي الضوء الأخضر سأتجاوزه معتمدا في ذلك سياسة قاطعي الطريق و رجال العصابات ربما لو شبهته بالمافيا سيكون كثيرا عليه نظرا لتجاوز ذكاء رجالها لدماغه الصغير وبآنكشاف كذبة بسبب الهجوم على العراق سخر من عقول الناس و قال ان حربه لها نتيجة ايجابية و هي نشر الديمقراطية و ليت ذلك كان صحيحا او كان بفكر جورج واشنطن او جيريمي بنتهام بحيث ينتفع اقتصاديا وينفع غيره سياسيا بأن يجد نظام سياسيا يتلاءم وطبيعة البلد ينهض بشعب العراق.
و ترامب الذي جعل أمريكا جمهورية موز بشهادة نانسي بيلوسي التي سجلت ابنتها فيلما توثيقيا كان فيه توثيق لاطلاق النار على المتظاهرين السلميين ، في مشهد تم فيه نشر الجيش بعد أكثر من 100 سنة على خروجه آخر مرة في ظرف لم يكن يتطلب حتى نشر الأمن ومظاهرات كانت من أرقى ما رأيت من حيث الشعارات ومن حيث الأداء ميدانيا .
وأساسا هذه الديمقراطيات العريقة هي التي تعلمنا عنها المقاربة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين وذلك من خلال التفاوض و التدرج في إستعمال العنف فوجدنا الأمن والجيش يستعمل أقصى درجات العنف مع متظاهرين في مظاهرات انسانية حملت شعارا سلميا «حياة السود مهمة» حيث أغلب المتظاهرين من البيض ما كان يشرف أمريكا كأمة و رئيسها .
لو كانت ديمقراطية بحق لرأينا تعاملا أمنيا يتكافؤ مع العنف الذي رأيناه في الكونغرس بما أن السياسة الأمنية في ديمقراطية لا تخضع للإملاءات و التعليمات بل تكون مسطرة بقانون درسه الأمني و الجندي و هو من يقدر درجة القوة في حين رأيت امن الكونغرس يقف متفرجا امام همجية غير مسلحة ، ما أعلمه أنهم مدربون على التعامل مع أقصى الحالات كحالات الإرهاب .
جعلني ما رأيت في عدة حالات أقتنع بأن الديمقراطية ليست أفضل نظام في اي بلد إطلاقا بل في بعض البلدان كأمريكا اليوم تصبح نظاما كارثيا و أرى ان في هذه الحالة ينطبق قول ميشال فوكو لتكون «الديمقراطية منتوج استهلاكي كأي منتوج آخر».
العالم الغربي اليوم يريد من الإعلام فرض الراسمالية المتوحشة ومنتوجاتها كالديمقراطية الليبرالية(بشكلها المضحك تحت حكم ترامب مثلا حيث صارت أمريكا وبعد عهد Reagan الذي كان يرى نفسه شرطي العالم الحر qui se prétend «le» policier du monde libre حسب تعبير أستاذي رافع بن عاشور في كتابه «مؤسسات المجتمع الدولي» و سطر سياسة خارجية تدعي نشر الديمقراطية في الدول الأخرى لإخضاعها متباهيا بأمريكا ،جاء Trump و جعلها جمهورية موز و أحيل هنا إلى تساءل رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي و هي ثالث أقوى سياسي في البلاد عندما استخدم رجال الأمن مواد كيماوية والدروع لإجبار المتظاهرين السلميين على إفساح المجال حتى يتمكن ترامب من المشي إلى كنيسة القديس يوحنا، لالتقاط الصورة التي لوح فيها بالكتاب المقدس، في برنامج «مورنينغ جو» على شبكة إم سي إن بي سي: و قالت «ما هذا، جمهورية موز؟» وليس هي فقط ، و سأستشهد في ما يخص بعض مما ذكرته بمقال للفيلسوف فتحي التريكي صدر في 2014 في صحيفة العربي يقول فيه :
«سأضع نقط استدلال لعلها توجهنا نحو المزيد من الفهم لوضع الإنسانية حاليا.» و نقاط استدلاله كانت 5 سأذكر النقطة المهمة و هي رقم 3 : «لقد قسم العقل في تمظهره الغربي (المعقولية الغربية) الإنسانية إلى جزءين مختلفين. هناك إنسانية تستحق الدفاع عنها وحفظها وتطويرها واحترامها، وهي تلك التي تنتمي بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى العالم الرأسمالي المهيمن، وإنسانية ثانية غيرية «يترعرع فيها الإرهاب والشر والفقر» وهي تستحق «العواطف الإنسانية» في أفضل الأحوال.» و يضيف «معنى ذلك أن العالم اليوم عالمان؛ عالم العولمة والهيمنة المطلقة، وعالم «الرحمة والعناية» أي عالم تُرك إلى المنظمات الإنسانية لتهتم بفقره ومرضه لأنه قد تم «إخراجه» نهائيا من التاريخ بالنسبة إلى المعقولية الغربية في صبغتها الإمبريالية».
وللأسف حتى أمريكا هي نموذج مصغر لهذا العالم، وطبيعي ان نجد مجموعات الفاسدين و الضحايا المهمشين يتأثرون بنموذج يشبههم و يعيش على تطلعاتهم و العالم الغربي اليوم يريد من الإعلام فرض الراسمالية المتوحشة ومنتوجاتها كالديمقراطية الليبرالية (بشكلها المضحك تحت حكم ترامب ).
رأينا رئيس يمارس الإرهاب ؛ إرهاب ديني و هو يلوح بالانجيل كأنما يعلن حرب مقدسة قروسطية، ارهاب أمني و هو ينشر الجيش في احتجاج سلمي، ارهاب سياسي عندما قال «على الإعلام ان يخرس» إرهاب أخلاقي و هو يسخر من صحفي محترم من ذوي الاحتياجات الخصوصية و هو يسخر من بايدن و من نانسي بيلوسي والأسماء لا تحصى كأنه مهرج بآمتياز .
وللأسف حسب رأيي الإعلام اليوم في خدمة «العالم الأول» بدل خلق صدمة حضارية توفق و لا تفرق حتى الإعلام البديل اي وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تقوم بدور جيد منذ الثورات بعد حصول الثورات بمدة قصيرة صارت تطغى عليها ميليشيات رقمية تغرق المعلومة الصحيحة ،تغرق ما يقوله المدون بأكاذيب حتى لا يكاد يظهر الخبر الصحيح و يفعل فعله في التغيير وما هي سياسة الفايسبوك او التويتر المحترمة التي تحضر صفحة استاذة متميزة كسلوى الشرفي أكثر من مرة وتكتفي بإرسال التحذيرات لترامب على مدار أيام الانتخاب و هو ينشر أفكاره الفاشية و لا يتحرك الا بعد الكارثة لحضره.
ولو كانت امريكا ديمقراطية اليوم، لرأينا المدعي العام الفيدرالي يصدر مذكرة توقيف بحق ترامب الذي حرض قواعده على هذه الأعمال علنا و علمنا ان في الديمقراطيات كفرنسا وكيل الجمهورية له ان يصدر مذكرة توقيف في حق نابليون ان أجرم و في بريطانيا صرح المدعي العام و قال في ما يخص اعادة فتح التحقيق في قضية الاميرة ديانا انه يستطيع ان يسجن الملكة اليزابيث لو كانت متورطة .
على أمريكا ان تقتدي بلبنان هذا أقله فلبنان على علاته أعطى أروع النماذج كديمقراطية رغم مروره بعدة محن والشىء من مأتاه لا يستغرب وأهله ورثة حضارة فينيقية ذات طابع يوناني كان فيها أول كلية في القانون مهما تقاذفتهم الأمواج نجدهم يحتكمون لفطرتهم النقية.