منبــــر: حول الإمكانيات الدستورية لحلّ مجلس نوّاب الشّعب

تواتر الحديث، بل قل لغو الحديث، خلال الأيام الأخيرة عن إمكانية لجوء رئيس الجمهورية إلى حلّ مجلس نوّاب الشّعب تبعا لما صار يميّز هذه المؤسّسة الدّستوريّة -

التي يمارس الشّعب، صاحب السّيادة (الفصل 3 من الدّستور)، من خلال أعضائها الذين انتخبهم، السّلطة التّشريعية (الفصل 21 من الدستور) -من استهتار وعنف لفظي ومادي وفوضى وجهل بأبجديات العمل البرلماني. وقد ذهب الظنّ بالكثيرين إلى أنه بإمكان رئيس الجمهورية اللجوء إلى حلّ المجلس بكامل السهولة، كما فهم جزافا من تصريحات وتهديدات متعددة لرئيس الجمهورية أنه مقدم، لا محالة، على ذلك. فقد صرح خلال استقباله لعدد من النواب المعتدى عليهم أنه «لا مجال للابتزاز والمقايضة بمصالح الشعب التونسي. وشدد على أن تونس وطننا وستبقى فوق كل الاعتبارات الظرفية والانتماءات الحزبية، مجددا التأكيد على احترام الشرعية والقانون والتصدي بكل الوسائل القانونية المتاحة إلى كل من يحاول إسقاط الدولة».

وحتى نقف على الحقيقة، لا بد من الرجوع لنصوص الدستور حتى نتبيّن ما خوّل لرئيس الجمهوريّة من حق حلّ مجلس نوّاب الشّعب. فقد اقتضى الفصل 77 من الدستور انه بإمكان رئيس الجمهورية « حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور».

لقد قيّد الدستور إمكانيات حلّ مجلس نوّاب الشّعب، وعلى عكس ما هو معمول به في الأنظمة البرلمانية الحقة (المملكة المتحدة نموذجا)، فإن رئيس الجمهورية لا يمكنه حل المجلس كلما تراءى له ذلك، بل في الحالتين الاستثنائيتين التالية لا غير، وهما حالتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا بتشكيل الحكومة أو بمواصلتها لتحمل مسؤوليتها:
الحالة الأولى هي تلك التي اقتضاها الفصل 89 فقرة 4 من الدستور التي جاء فيها « إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول (للشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة)، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.» ولا يشكّل الحلّ في هذه الصّورة وسيلة ضغط بالمعنى المتعارف عليه في النّظام البرلمانيّ، بقدر ما يمثّل آليّة لضمان استمراريّة الدّولة وتحقيق الهدف المنشود من إجراء الانتخابات المتمثّل في تكوين حكومة تمارس الوظيفة التّنفيذيّة حيث تتعلّق هذه الفرضيّة باستحالة تشكيل حكومة بالنّظر إلى عدم الحصول على الأغلبيّة البرلمانيّة المطلوبة ممّا يفرض بالضّرورة تحوير التّوازنات السّياسيّة الّتي أفرزتها الانتخابات وذلك بحلّ مجلس نوّاب الشّعب والدّعوة إلى انتخابات جديدة.

الحالة الثانية هي التي اقتضاها الفصل 99 فقرة 2 وذلك في صورة طلب رئيس الجمهورية مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يوما طبقا للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89. و»عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.
وفي حالة تجديد المجلس الثقة في الحكومة، في المرّتين، يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلا». ويؤسّس الفصل 99 صورة خصوصيّة لحلّ مجلس نوّاب الشّعب، لا باعتبار أنّ حلّ مجلس نوّاب الشّعب يمثّل نتيجة نهائيّة لعدم توافق السّلطة التّنفيذيّة ومجلس نوّاب الشّعب فقط، لكن باعتبار أنّ تطبيق مختلف فرضيّات هذا الفصل يؤدّي إلى إمكانيّة إسقاط الحكومة أو

حلّ البرلمان أو استقالة رئيس الجمهوريّة في أقصى الحالات. ولئن كان إسناد صلاحيّة حلّ مجلس نوّاب الشّعب لرئيس الجمهوريّة يهدف إلى التّحكيم بين البرلمان والحكومة حيث نصّ هذا الفصل أنّه «في حالة تجديد المجلس الثّقة في الحكومة، في المرّتين، يعتبر رئيس الجمهوريّة مستقيلا».
ولنفرض جدلا أن رئيس الجمهورية الحالي له إرادة لحل مجلس النواب، فإنه لا خيار له إلا المرور عبر الحالة الثانية المنوه عنها بالفصل 99 فقرة 2 وهو لعمري طريق شائك قد يعود على رئيس الجمهورية بالوبال إذا جدد المجلس الثقة للحكومة.
وهذه مناسبة نقف فيها، مرّة أخرى، على ما يميز هذا الدستور من نقائص. فما يتمتع به رئيس الجمهورية من شرعية شعبية ناتجة عن انتخابه المباشر من الشعب في علاقة تناسب عكسي مع ما أنيط بعهدته من صلاحيات.

ومما لا شك فيه، أن التخلص من مجلس نواب الشعب ليس بالأمر الهين بل ربما هو من المستحيل دستوريا الا اللّهم جدّ ما جدّ خلال صائفة 2013.

بقلم: رافع ابن عاشور

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115