وما كان يفصل –لافي ذهنه ولا في سلوكه –ذلكم الواجب عن الواجب المدني والواجب الوطني .ويقيني أنه ما كان يجد أي ضرب من ضروب التقابل بين الواجب والسعادة، شأن أغلب ذلكم الجيل الذي تكون سعادته في قيامه بواجبه .كنت أجد فيه ريح شهيد الواجب التربوي الامين اليوسفي رحمه الله ورصانة الاخوين العزيزين ابراهيم ببن صالح ومحمود بن جماعة أبقاهما الله.
كنا نتألم لتكاثر العاملين على الميل بالنظام السياسي عامة والنظام التربوي خاصة نحو الفساد و«الخونجة« خاصة بتعلة «سحب البساط و بأساليب لا تخفى الا على المغفلين . ومن أشد ما كان يخيفنا تكاثر المتزلّفين للسلطة ولا سيما ذلك الرهط من الناس الذين تراهم -على قلتهم عددا والحمد لله - في كل محفل يخطبون وفي كل منتدى ينظرون’في حين أنه كان منهم من لا يدخل القسم للواجب المهني مرة في السنة ومع ذلك يجتاز طلبته الامتحان في مادة لم يدرسوها .كنا نجد في تلك الظواهر –وغيرها في الحياة الاجتماعية كثير - مايشير الى تدهور أخلاقي ومدني ووطني.
وكنا نشعر-رغم قلة الحيلة- أنه علينا ألاّ نقف مكتوفي الأيدي.قررنا ذات يوم من سنة 2006 -2007 أن نبعث –مع ثلة من الزملاء - مؤسسة تساهم –قدر المستطاع- في الحفاظ على الوطن عامة ومدرسة الجمهورية خاصة و سميناها «معهد تونس العربي للمدنيات» . وقد أردنا معا لهذا المعهد أن يقوم على ذات المبادئ التى قام عليها إصلاح النظام التربوي على يدي الاخ العزيز محمد الشرفي رحمه الله رحمة واسعة .ومن تلك المبادئ التي تخيرناها لمشروعنا مايلي:
-«التربية على الولاء للوطن وحده ،والاعتزاز بالانتساب اليه ،هوية وتاريخا وحضارة ،بما يوجبه ذلك من احترام لرموزه،وعمل من أجل رفعته، وتحقيق مناعته وترسيخ استقلاله».
- «التوعية بضرورة الوصل المتين بين الدفاع عن حقوق المواطنة والنهوض بأعباء الواجب نحو الوطن»
- «المساهمة في بناء حضارة كونية سلمية تزدهر فيها ثقافات جميع الشعوب وفقا لما تقتضيه حقوق الإنسان فردا وجماعة في كونية مباديها وشمولية أبعادها وخصوصية مسارات انجازها» الخ ...
كنا ثلة من المؤمنين بالواجب الوطني والمتحمسين للرسالة التربوية: أستاذي وصديقي محمد الحبيب الشبعان أبقاه الله وكان يومها المدير الجهوي للتربية بنابل، والأخت هالة البرقاوي متفقدة عامة بوزارة التربية ,والمرحوم نجيب عياد وكان يومها مديرا عاما بوزارة التربية والأخ عمارة بن رمضان متفقد عام للتربية المدنية والأستاذ عبد الرحمان كريم المحامي .وباقتراح من الجميع وخاصة من نجيب أوكل اليّ زملائي مهمة رئاسة هذه المؤسسة المنتظر إنشاؤها .
وكان التمشي القانوني يقتضي إيداع ملف المشروع بإدارة الولاية بنابل للحصول على الرخصة .وتقديرا منا للوضع العام بالبلاد من ناحية أولى ،ولصداقة قديمة خاصة بيني وبين السيد الامين العابد الذي عرفته منذ كان مربيا فاضلا ،و كان يومها واليا على نابل بعد ان كان واليا على صفاقس ثم المهدية ثم مديرا عاما للحرس الوطني من ناحية ثانية ’ ولوضع الاعضاء المؤسسين اداريا من ناحية ثالثة - رأيت –بعد التشاور خاصة مع نجيب أنه يحسن –تفاديا لكل احراج - ان نقوم بزيارة مجاملة للسيد الوالي ونعلمه بشكل غير رسمي بمشروعنا ونسلمه نسخة من قانونه التاسيسي على ان نتولى لاحقا إيداعه وفقا للاجراءات القانونية .وكان اللقاء راقيا حقا .
وقد بذل الاخ الامين العابد مشكورا قصارى الجهد لتسهيل الترخيص في انجاز في مشروع تربوي تحمس له بصفته مربيا وواليا معا .وسعيت من ناحيتي مع «سي الشاذلي القليبي« و«سي عبد العزيز بن ضياء» رحمهما الله قصد تسهيل المهمة تحسبا لعطالة وزارة الداخلية لاسيما بعد غياب الاخوين الكريمين «سي محمد الجري« و«سي محمد جغام» من الديوان الرئاسي.
وبلغني ما بلغني من سرور بالمشروع وترحاب به ولكنه –مع ذلك - لم ير النور لغباء البعض ممن كانوا في صلب النظام الحاكم وكانوا يعلمون أني لااحترمهم أصلا لانهم غير جديرين بالاحترام.ويقيني اليوم أن ذلك الغباء ذاته هو الذي افضى بالوطن إلى ما آل إليه اليوم ...
كنا تذاكرنا ذلك كله منذ سنة لما زرت صفاقس بدعوة كريمة من فرع المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. وقد أعلمني حينها حين انه أجريت علية عملية «على القلب المفتوح». أخفيت المي وحزني قائلا: «قدرنا نحن أبناء» «امباركة الحفيانة» ان رخص المرض ترف لانطاله سواء كنا في الخدمة او خارجها .وأضفت ان التقاعد وضع اداري من شانه أن يزيد الواجب الوطني ثقلا .والواجب الوطني لايعفينا منه الا الموت...
أعفي اليوم نجيب من الواجب الوطني .كريم رحل ولكن الهم الذي حمله أمس بقي قائما .ومن البر بنجيب أن نحمل عنه قسطه من الهم الوطني ليبقى حيا بيننا .وقدرنا اليوم أكثر من اي وقت مضى ان ننهض لذلك الواجب بإيمان الأنبياء وحزم المعلمين لنعين العاملين الصادقين على أن تسترجع مدرسة الجمهورية ريادتها في تحقيق المشاريع الوطنية، ولنعاضد جهد الوطنيين الأوفياء في تحرير الوطن حتى يستعيد قدرته على ضرب المواعيد مع التاريخ وتبقى تونس حرة مستقل أبد الدهر .
رحم الله نجيب عبد المولى، نعم الاخ ، ونعم الصديق، ونعم رفيق الدرب.رحمه الله رحمة واسعة ورزق حرمه الفاضلة وأبناءه وأحفاده الأعزاء واصدقاءه والعائلة التربوية جميل الصبر والسلوان...