إلى عناية وزراء الداخلية والدفاع: الهاكر التونسي : من يكون ؟ وكيف يٌمكن الاستفادة منه ؟

- الجزء الثاني -
قبل الشروع في محاولة تحديد الهويّة البيومترية المركّبة للهاكر التونسي، تستوقفنا مجموعة

من العوامل الذاتية والموضوعية التي أسهمت بشكل مباشر في نحت هذه الشخصية «المتعددة القبعات» multiple hat:

- هوية أنثروبولوجية ثقافية تونسية متعدّدة الرّوافد،

- شخصية سيكولوجية جمعية في تماهى مدهش مع البصمة الجينية للفضاء الافتراضى الموسوم بالتلون والتخفي والخداع،

- سطوة الواب الرقمى في نسخته الثانية 2.0 داخل كل بيت تونسى مٌفرزة مجتمع فايسبوكى بامتياز عجّل من وتيرة إسقاط منظومة حٌكم استمرّت لأكثر من خمس عقود، كما نجح بالانحراف بالمشهد الانتقالي باتجاه جمهورية فايسبوك فاشية يحكمها أكلة لحوم بشر رقميين Cannibales numériques.

- غياب عقل استراتيجى رقمى ناظم كفيل بوضع مخططات سيبرنية وطنية كبرى تتسم بالموضعيّة والشّمول.
Contextualité et Globalité - أنظر مقالي الصادر في جزئين بصحيفة المغرب بعنوان : « الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبرنى 2020-2025 : وثيقة للنسيان...».

1 - الشريحة السوسيو-عمرية المحتملة للهاكرز التونسي
في ظل شٌحّ شبه تام للمعطيات المتداولة حول هذا الموضوع، نٌرجّح استنادا الى مؤشّر «الحدّ الأدنى الرقمى المضمون» SMIG DIGITAL بأنّ الشريحة الاجتماعية والعمرية لمجموعات «الهاكرز» في بلادنا تتفرّع الى فئتين :
- فئة شابة سنها يتراوح من 17 إلى 25 تقريبا، تتألف من مزيج من المهوسيين بالقرصنة دون شهائد جامعية ومن طلبة «السلامة المعلوماتية» بوجه خاص.
- فئة ثانية في طريقها نحو التهرّم (بمدلوله الرقمى) تتشكّل أساسا من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات في اختصاصات تقنى وتقنى سامى في الاعلامية والملتيميديا التي طالت بطالتهم فوجدوا في قرصنة الحسابات البنكية والبريدية والموزّعات المالية الآلية نوع من الانتصاب للحساب الخاص.
علما أنه حان الوقت للجامعة التونسية أن تٌبادر ببعث مسار أكاديمى جديد يٌعنى «بعلم النفس الرقمى» من شانه أن يحدث ثورة حقيقية في المناهج والبحوث المتصلة بالعلوم الانسانية والاجتماعية ...

2 - مجالات الاختراق والقرصنة المحبّذة للهاكرز التونسي
استنادا الى تقارير «الهيئة العليا للانتخابات» و»الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» وعدد من منظمات المجتمع المدنى تٌعتبر القطاعات الحيوية التالية الأشدّ عرضة للاخترقات والهجمات السيبرنية :
- المجال «السياسى /الانتخابى» : يٌمسك بخيوطها أحزاب وقنوات اعلامية ومراكز نفوذ متخفية وأخرى معلنة بغاية تحقيق مغانم سياسية مستعجلة أو ابقاء البلاد في حالة من الانتقال الفوضوى المٌستدام ؟ !
- مجال «البيانات الشخصية» : بما يوفّره «الفايسبوك» و»الانستغرام» وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعى من كم هائل من المعلومات والمعطيات الشخصية الحساسة المغرية التي من شأنها ان تٌسيل لعاب حتى «الهاكر المبتدىء»...
- مجال «المؤسسات الاقتصادية والمالية»: أثناء الحجر الصحى عرفت عمليات اختراق وقرصنة مواقع المؤسسات الاقتصادية والمالية وتطبيقات «العمل عن بعد» التي اعتمدتها نشاط مكثف كنا نبهنا له في مقال استباقى عنونته « حذار من النسخ الرقمية من فيروس الكورونا»...
- المجال «العلمى الأكاديمى»: حيث تم تسجيل عدد من المبادرات التي تستحق مزيدا من التثمين، منها التظاهرة الوطنية Hackfest التي دأبت على تنظيمها منذ 2014 «بالقطب التكنولوجى بالغزالة» مؤسسة جامعية تونسية بالشراكة مع احدى كبريات مدارس هندسة الاتصالات بفرنسا، تهدف الى تنظيم مسابقات في الهايكرة وتدريب مجموعة من الشباب الجامعى على أحدث تقنيات الكشف عن الثغرات البرمجية والتكتيكات المستحدثة في عالم الهايكرة Hacking تظاهرة تروى قصة شباب مبدع يتطلّع لما بعد أسوار «القطب التكنولوجى بالغزالة» وغيرها من الأقطاب، تفطنت له كبريات الشركات العالمية وأهمله جزء كبير من أهل البيت...

3 - تكتيكات الاختراق والقرصنة الاكثر تداولا داخل فضائنا السيبرني
على مستوى تكتيكات الاختراق والقرصنة (التي نستثنى منها عمدا الجريمة الارهابية الالكترونية لتفرّدها الشديد) الاكثر استخدام داخل فضاءنا الافتراضى، فانها تتوزع بشكل غير متكافيء من حيث منسوب الضرر بين :

- الجريمة «الانتخابية الالكترونية» : يرفع لواءها كتائب حزبية وجمعياتية منظمة من «الذباب الازرق»، تعمد الى تزوير ارادة الناخب من خلال اختلاق فيديوهات مفبركة ، فتح حسابات وهمية وأخرى مموّلة للنهش والسّحل الرقمى، واختراق وتوجيه ممنهج للمجموعات الفايسبوكية الكبرى، وتسريب وثائق شخصية أو سرية من شانها الاطاحة او تقليم أظافر خصمها السياسى...

- جريمة «التصيّد الاحتيالى الالكترونى» Phishing : تعتبر من الجرائم الأكثر انتشار اليوم في بلادنا، تعتمد على طرق خداع وتحايل شتى منها توجيه رسائل الكترونية تحتوى على مجموعة من الرّوابط بمجرّد نقرها تؤدى بك الى مواقع وهمية لبنوك او لشركات متخصصة في التجارة الالكترونية على وجه الخصوص وذلك بغاية الإيقاع بعدد كبير من روّاد الموقع أو المنصة للحصول على معلومات شخصية حسّاسة مثل كلمات المرور وأرقام بطاقات الائتمان وتفاصيل الحساب البنكى أو البريدى وغيره...

- جريمة «برامج طلب الفدية» Ransomware : تعرف هذه الأيام زخما غير مسبوق على المستوى المحلى والدولى من خلالها يتمكن القرصان من تشفير وحجز معلوماتك المخزّنة الى حين دفعك لمبالغ مالية مقابل الافراج عن المعلومات المحتجزة سواء بعملة البيتكون الافتراضية او بواسطة تحويل بنكى.
للتذكير فقط، فإن «الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» ما انفكت في الاونة الأخيرة من اطلاق سلسلة من المحاذير والتوصيات لمستخدمى الانترنت من مخاطر هذه النوعية من الهجمات السيبرنية وغيرها وكيفية التوقى منها ...

- جريمة «حجب الخدمة» DDoS : تٌعدّ من الجرائم الإلكترونية المسكوت عنها لحساسية المنظومات التي يمكن ان تٌصيبها ومنسوب الفوبيا التي قد تثيرها حيث عرفت بلادنا موجة من هجمات «حجب الخدمة» العنيفة خلال سنتى 2016-2017 التي طالت مئات المواقع الالكترونية التونسية.
وبالرغم من كونها تٌعدّ من الأسلحة الرقمية القديمة في ترسانة «الهاكر» حيث انها تعود إلى نهاية القرن الماضى فانها تظل من اشد الاسلحة الهجومية السيبرنية فتكا وذلك باطلاقها لعدد هائل من الطلبات requêtes عبر شبكة ضخمة من الحواسيب من فئة Zombie بشكل يتجاوز بكثير طاقة «خوادم» Serveurs الموقع الالكترونى المستهدف مما يؤدى الى شلله بالكامل...

4 - المستوى التنظيمى للهاكرز التونسي
باستثناء الحاضنة السياسية والجمعياتية المٌحفزة على مزيد صنع أذرعة سيبرنية منظمة وخطيرة للأحزاب، والخلايا الارهابية الالكترونية، وبعض المجاميع الصغيرة المشتتة هنا وهناك على غرار « مجموعة الفلاقة» القريبة من الاوساط الاسلامية، فإن شخصية «الهاكر التونسى» الموغلة في «الفردانية» و»تورّم الانا» من جهة واليقظة السيبرانية العالية لأجهزتنا الأمنية من جهة ثانية منعت إلى حدّ اللحظة من تشكّل أرضية هاكرزية منظمة متشابكة فيما بينها...
وبالنظر إلى راهنية المسالة كملف أمن قومى بامتياز والى خصوصية الهاكر التونسى «كمتعدد القبّعات» - في مكتبه يتقمص دور «الهاكر الايتيقى الملائكى» وعند المساء قابل للتحوّل الى «ذباب ازرق» مٌنفّر أو «قرصان» مٌرعب transdigital - فإن السؤال المفصلى التي ينبغي للجهات المعنية بالأمن والدفاع الإجابة عنه بسرعة قبل فوات الأوان : ماذا نريد بالتحديد من هذا الجيل الجديد من الهاكر ؟
هل علينا ان نحجز لهم كالمعتاد مكان في احدى المؤسسات السجنية كباقي مجرمى الحق العام أم ان هناك مداخل ومقاربات أخرى كفيلة بان تحوّل «النفاية الرقمية» ان وجدت الى معدن نفيس ؟
هذا ما سنحاول البحث عن اجابات له في الجزء الثالث والأخير من هذه الدراسة.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115