إلى عناية وزراء الداخلية والدفاع: الهاكر التونسي : من يكون ؟ وكيف يٌمكن الاستفادة منه ؟ - الجزء الأول -

سنٌخضع القسم الأول من هذا المقال البحثى - المٌؤلّف من ثلاثة أجزاء كاملة - الى تدقيق مفاهيمى نقدى مٌعمّق للفظ «الهاكر» Hacker ،

يستحيل دونه فكّ شفرة الهويّة البيومترية المٌركبّة «للهاكر التونسي» المٌتأرجحة بين نزعة التحيّل والايذاء من جهة والعمل على تأمين سلامة اشتغال المنظومات المعلوماتية من جهة ثانية...
من الوهلة الأولى، وبمجرّد النطق بلفظ «الهاكر» نجد أنفسنا دون أن ندرى داخل عوالم القرصنة والجريمة الافتراضية بجميع أشكالها من اختراق للمواقع وسطو للحسابات الشخصية والبنكية أو البيانات العامة الخ الخ ، إلاّ أن المسألة أعقد من ذلك بكثير وتحتاج منا مزيدا من التدقيق الحذر بعيدا عن رائحة الفوبيا والضجيج الاعلامى التي تلفّ بالموضوع من كل جانب. ..
«فالهاكر» لفظ انجليزى قديم يعود استخدامه وفق معجم Oxford English Dictionary الى سنة 1450 حينها كان يٌقصد به «قطع الشىء الى أجزاء متعددة» hacher ou couper en morceaux، ليتّخذ بعد خمسة قرون كاملة، تزامنا مع بداية ظهور الاعلامية-المكتبية، l’informatique bureautique تعريفات جديدة منها «المبرمج الخارق الذكاء» le programmeur génial أو»الخبير بعلوم الحاسوب»، الى أن استقرت رحلة تحديث مفاهيم «الهاكر» في النهاية على معنى «الفضول والاختراق» Le fouineur informatique بفرعيها :
- فضول واختراق ايجابى للنظم المعلوماتية من قبل شخص ذي اقتدار علمى وتقني رفيع المستوى في المجال وذلك بغاية تأمين أعلى درجات السلامة للفضاء السيبرنى.. تسعى هذه الفئة من «الهاكر» إلى القيام بعمليات الاختراق بهدف حماية المستخدمين، حيث يتم توظيفهم لاختراق الأنظمة واكتشاف الثغرات الأمنية وإصلاحها، وبالتالي لا يكون لهم أي هدف تخريبى، ولا يقومون بأي عمليات سرقة بيانات، بل فقط اكتشاف قابلية الاختراق وحماية المستخدمين منه.
- فضول واختراق سلبى مرتبط بعالم الجريمة الافتراضية بمختلف تمظهراتها من سرقة وتحرّش وتشهير وابتزاز وتخريب وارهاب الكترونى الخ، أو مجرّد فضول تٌحرّكه دوافع سيكولوجية دفينة لاثبات الذات المٌهمّشة من خلال افتكاك اعتراف الاخر بقدراته السيبرنية العالية على الاختراق والايلام .. فسجلّ الهاكرز حافل بالمخربين الذين لازالت أعراض «جنون العظمة» الافتراضي وغيرها من الأمراض السيكو- رقمية psycho-digitale المستعصية تٌلازمهم الى اليوم...
في هذا الصدد، لقد درجت جميع الأدبيات الى تصنيف «الهاكرز» إلى ثلاث أنواع :
• أصحاب القبعة البيضاء White hat:
«وهم معروفون أيضًا باسم المخترقين الأخلاقيين Ethical hackers، وتسعى هذه الفئة من «الهاكر» إلى القيام بعمليات الاختراق بهدف حماية المستخدمين ، ولا يقومون بأي عمليات سرقة بيانات، بل فقط اكتشاف قابلية الاختراق وحماية المستخدمين منه.
• أصحاب القبعة السوداء Black hat :
يسعى هذا النوع من المخترقين إلى الوصول المتعمد بشكل غير شرعي لأهداف خبيثة، وهم الأخطر بين المخترقين، حيث يمكن أن نتوقع منهم أي شيء، سواء سرقة البيانات، أو تخريب النظام، أو ابتزاز المستخدمين، أو طلب فدية، أو نشر البرامج الضارة، أو أي فكرة شريرة قد تخطر في بال أحد، فهم مخربون همّهم إلحاق الأذى بالآخرين.
• أصحاب القبعة الرمادية Grey hat :
يقع «الهاكر» من هذا النوع ما بين الأبيض والأسود، فعلى الرغم من أن نواياه حميدة تشبه أصحاب القبعات البيضاء، إلا أنهم قد يقومون بعمليات دخول غير مصرح به إلى الأنظمة والحسابات. هؤلاء الهاكرز أقل خطرًا على الأنظمة التي يقومون باختراقها على عكس أصحاب القبعة السوداء، وهم أيضًا قد يصلحون الأخطاء التي ساعدتهم في الاختراق، أو يبلغون أصحاب الأنظمة عنها ليتم إصلاحها بدلًا من استغلالها للربح غير المشروع».
مما لاشك فيه، ان وضع تصنيف مرجعى لأنواع الهاكرز يظل أمرا جيدا و محمودا باعتباره يٌيسر عملية الفرز بين مختلف مجموعات الهاكرز وكيفية التعاطى معهم بشكل مٌحدّد، غير أنّ هذه المقاربة التصنيفية تٌعد في تقديرنا «مانوية» المنطلق approche manichéenne ، مٌستفزة وقاصرة الى أبعد الحدود ... كيف ؟
أولا : مقاربة مقتبسة من سردية رعاة البقر الامريكى.. فالشخصية المكلفة بانفاذ القانون المعروفة بلقب Sherif يحمل عادة قبعة بيضاء، يتمثل دوره في تعقّب المجاميع الخارجة عن القانون من أصحاب «القبعات السود»، أما حاملى «القبعات الرمادية» فهم من البطانة المٌقرّبة من …Sherif
ثانيا : مقاربة «مانوية» Manichéenne تٌفسّر الظواهر المجتمعية فقط عبر ثنائية الخير والشر المٌمعنة في السذاجة.. بالمحصّلة فان أصحاب «القٌبّعات السوداء» يستبطنون كل شرور العالم الافتراضى على نقيض حاملى «القبعات البيض» عناوين الطهر والزهد الافتراضى.
ثالثا : مقاربة مٌستفزة تمييزية بالأساس تهدف الى ترسيخ التفوق الاتيقى المخادع لأصحاب «القبعات البيض» والرجل الأبيض مقابل أصحاب «القبعات السود» حتى في المجال الافتراضى...
رابعا : مقاربة قاصرة تماما على فهم الديناميات المجتمعية المحيطة بعالم الهاكرز، فالتصنيف على قاعدة النوع بطبيعته تٌعدّ مقاربة مغلقة محاطة بستائر اسمنتية يصعب معها النفاذ والتفاعل بين مختلف أنواع الهاكرز واستشراف عملية انتقال «الهاكر» من صنف إلى آخر، وبالتالى عاجزة ان تقبل بفرضية الهاكر «صاحب القبعات المتعددة» Multiple Hat الالوان والاتجاهات من ايتيقية الى تخريبية مرورا بالوسيطة والا كيف يتسنى لنا تصنيف مجموعات الهاكرز التي تشتغل لحساب دولها أو لفائدة «عمالقة الواب» المورطين حتى النخاع في عمليات تسريب للمعلومات والمعطيات الشخصية على نطاق واسع...
قطعا ان جيل الهاكرز اليوم مختلف تماما عن الجيل الأول الذى سبقه في داخله يعتمل فيض من النزعات المتنافرة ايتيقية واجرامية في ذات الوقت، قابل لتمثّل جميع القبعات مهما كان لونها.. يسكنه هاجس التفوق والربح المالى الفاحش..يبحث عن مكان امن تحت سماء الفضاء الافتراضى المٌتقلّب والمتلبّد كلّفه ذلك ما كلّفه...
إذن، بمعايير الايتيقا، من الاستحالة بمكان افتراض مدينة افلاطونية فاضلة داخل الفضاء الافتراضى الذى تحول الى مسرح وغى لسلسلة من العمليات العسكرية السيبرانية الكبرى دون غطاء قانونى دولى خصوصى، محدد المعالم على غرار «القانون الدولى الانسانى»...
في الجزء الثانى من المقال، سوف لن نشذ عن قاعدة «الهاكر المتعدد القبعات» Multiple Hatفي مقاربتنا «للهاكر التونسي» !
يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115