حقي في ستاد أو حقي في ولاية: الخارطة الجديدة للاحتجاج

حيث تدير وجهك في هذا العالم لا تجد سوى الاحتجاج. في كافة أركان الدنيا يعبر الناس عن امتعاض ما. هناك عدم رضا عالمي على ما يجري،

والساخطون يشكلون الآن قوة فعل في الشارع وفي أروقة وسائل التواصل، و هؤلاء الساخطون يريدون وضعا أفضل، و يريدون رفض الظلم بكل أنواعه و لا يميزون بين القضايا الكبرى كالميز العنصري في أمريكا و بين طلب أن يكون للمدينة ملعب لائق كما يحدث في إحدى المدن التونسية.
الجديد في عالم الاحتجاج أنه لا يقع الاكتفاء بالمسألة الاقتصادية والاجتماعية كما كان الحال في القرن الماضي. الآن كل القضايا حتى تلك التي تصنف بكونها تافهة أو عديمة الجدوى يمكن ان تسبب حرجا للحكومات ويمكن أن تكون أفقا للتفاوض وإبرام للتسويات مع فاعلين لم يكونوا موجودين على خارطة الاحتجاج التقليدية. خارطة الاحتجاج في تشكل دائم وديناميكيتها متسارعة وهو ما يجعل إجابات الحكومات مترددة كونها لم تفهم أن الأشياء البسيطة أو التي تُصنف كذلك يمكن أن تكون مصدرا للإزعاج.
في مدينة بنزرت التونسية نزل الشباب إلى الشارع لخوض معركة ملعب كرة قدم التي يعتبرونها معركة مصيرية وذات معنى. هوية مدينتهم منتهكة منذ سنوات وفريق كرة القدم يتنقل بين المدن المجاورة لخوض مبارياته والملعب الذي هو ذاكرة المدينة مغلق منذ سنوات. ووراء هذا السخط يبرز خطاب التهميش والإقصاء، وتصبح كرة القدم هي الموضوع الأساسي لهذا الحراك الشبابي. وتعيش المدينة بكل مكوناتها الإدارية والسياسية والمدنية والحزبية على وقع هذا المشكل. حكاية الملعب هذه فتحت مواضيع متشعبة منها ما يتصل بالحوكمة وبمقاومة الفساد ومنها ما يتصل بالأداء البلدي ومنها ما هو مرتبط أيضا بالرهانات المادية والرمزية بين الفاعلين داخل المدينة. ولكن معركة الملعب ليست معركة الفاعلين التقليديين، إنهم لا يدركون بما فيه الكفاية كيف يمكن ان تكون مسألة ملعب كرة قدم دافعا لكل هذا السخط ودافعا للاحتجاج المستمر في الفضاء العام. « حقي في ستاد» هو عنوان السخط في هذه المدينة.

في مدينة أخرى هناك طلب إداري للحصول على امتياز أن تكون المدينة الولاية رقم 25 في خارطة الولايات التونسية. نتحدث عن جزيرة جربة التي دفعها عدم قبول مريض بمستشفى جهوي بمدنين إبان أزمة الكورونا إلى إعادة هذا الطلب الإداري وحشد ما يمكن من المناصرين له. في هذه المنظومة الجديدة للسخط المجتمعي يمكن أن يكون حدثا بسيطا دافعا هو الآخر ليكون الموضوع الذي يجعل كل المدينة مجندة له ومستثمرة كل الموارد من أجل إنجازه. فأن يكون لتلك المدينة ملعب أو أن تصبح تلك المدينة ولاية فهذا يفتح أمامنا التفكير حول المواضيع الجديدة للاحتجاج وللسخط المجتمعي. ولكنه في نفس الوقت يزيح ولو ظرفيا فاعلين ليتم تعويضهم بآخرين. ففي مثال مطلب أهالي جربة بأن تكون لهم ولاية تشكلت لجنة علمية لمساندة حراك المجتمع المدني وهو نفس الشيء الذي حصل في مدينة بنزرت حين تشكلت أيضا لجنة من قدماء المسيرين في النادي من اجل أن تسترجع المدينة ملعبها.
مدينة أخرى أتاحت لها حادثة مؤلمة التعبير عن احتجاج وسخط مجتمعي كبير. يتعلق الأمر بمدينة حاجب العيون التي هلك أبناؤها في حادثة " العطر القاتل". كان ذلك سببا في أن يُعاد النظر في علاقة المركز بضواحيه. وفي احتجاج أبناء المدينة أمام المسرح البلدي أي في قلب العاصمة رسالة واضحة للتعبير عن سخط مدينة تشعر بالتهميش وفي ذلك رسالة أخرى هي أن شباب المدينة، قواها الحية ونسيجها المدني يأخذون بزمام المبادرة دفاعا عن مسألة يعتبرونها مشروعة.

تتكرر مشاهد مدن تحتج ومدن ساخطة، يمكننا تعداد الكثير منها ولكن ما يهمنا في هذا التحول الاحتجاجي هو أن المسألة الاقتصادية والاجتماعية ليست وحدها الآن دافعا للاحتجاج، هناك مسائل ودوافع جديدة يمكن أن تُصنّف بكونها غبر جديّة. الفاعلون التقليديون الذين تعودوا على قيادة الاحتجاجات وهندستها لم يعودوا وحدهم على الساحة. ولكن الأهم في كل هذا أن الدوافع الاقتصادية والاجتماعية للاحتجاج بدأت تأخذ في منحى مُدن منشغلة بإثبات هويتها و هنا ندخل عالم الثقافة و الرموز وهو ما يجعل شكل الاحتجاج ومضمونه أكثر ضراوة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115