وإجتماعيّة حادّة، نتجت عن توقّف سائر الأنشطة الإقتصاديّة أو تعطّل سيرها العادي، اكتشفت عديد المؤسّسات عدم جاهزيّتها لمجابهة هذه الجائحة، وبالأخصّ عدم إتخاذها لأيّة إجراءات إستباقيّة تمكّنها من توقّع مثل هذه الأزمات قصد تفاديها أو مجابهتها عند الإقتضاء، والخروج منها بأقلّ التكاليف وأخفّ الأضرار. وفي هذا الإطار أردنا تسليط الضوء على أحد أهمّ المعايير الدوليّة الهادفة إلى ضمان إستمراريّة نشاط المؤسسات والمنظمات زمن الأزمات والكوارث، وهو معيار «إيزو 22301» حول نظم إدارة إستمراريّة النّشاط.
ونتولّى في ما يلي تقديم معيار «إيزو 22301» وأهميّة إعداد المؤسسة لمخطّط إستمراريّة نشاطها خلال الأزمات، قبل التطرّق إلى التطبيق العملي لهذا المعيار قصد مجابهة أزمة إنتشار وباء كورونا.
معيار «إيزو 22301» ودوره في ضمان إستمراريّة نشاط المؤسسة
إيزو 22301 هو معيار دولي حول نظم إدارة إستمرارية النشاط Systèmes de management de la continuité d'activité صدر سنة 2012 عن المنظمة الدّولّية للتقييس The International Organization for Standardization والمعروفة بالمختصرات ISO. وقد تمّت مراجعة هذا المعيار سنة 2019 قصد جعله أكثر إستجابة لمتطلبات إستمرارية نشاط المؤسسات والمنظمات في مختلف المجالات. وهو يُمكّن المؤسّسة من إرساء نظام تصرّف لإدارة إستمراريّة نشاطها خلال الأزمات التي يمكن أن تمرّ بها، وذلك بالخصوص من خلال تأطير مختلف الخطوات والإجراءات المتّبعة لإعداد ما يسمّى بمخطّط إستمرارية النشاط، المعروف بالفرنسية بتسمية Plan de continuité d’activité PCA. وتجدر الإشارة إلى إمكانيّة تطبيق هذا المعيار من قبل مختلف المنظمات والمؤسّسات مهما كانت طبيعتها أو حجمها أو مجال نشاطها قصد تحقيق عدد من الأهداف التي نتطرّق إليها في ما يلي.
1 - أهداف معيار «إيزو 22301»
يحدّد معيار إيزو 22301 المتطلبات التنظيميّة والفنيّة لنظام إدارة إستمراريّة النشاط قصد حماية المؤسسات من الكوارث والأزمات المحتملة على غرار الكوارث الطبيعية والحوادث البيئية والحرائق والسرقات والأوبئة، إضافة إلى الهجمات الإرهابية والحوادث التكنولوجية. ويُمكّن نظام إدارة إستمراريّة النشاط المؤسّسة من تحديد مختلف التهديدات والمخاطر المحتملة وكيفية تأثيرها على سير أعمالها، ومن وضع الخطط المناسبة لتفاديها والتصدي لها أو التخفيف من أثرها في حال حدوثها.
وبذلك، فإنّ تبنّي المؤسّسة لهذا النّظام يخوّل لها تحديد المخاطر ووضع الإجراءات المناسبة لإدارتها أو وضع حدّ له وإعتماد منهج وقائي لخفض تأثير الحوادث لأدنى مستوى. بالاضافة الى ضمان استمراريّة الأعمال الأساسية للمؤسسة زمن الأزمات والكوارث.و تقليص فترات التوقف عن العمل لأدنى مستوى عند التعرض لأيّة حوادث أو أزمات. أمّا بخصوص تحليل تأثير الأعمال، فيجب إجراء هذا التحليل لتحديد أهم الأنظمة والعمليات المعتمدة في تأمين أنشطة وأعمال المؤسّسة والتعرف على مدى تأثير الانقطاعات الناتجة عن الأخطار من أزمات وكوارث على تلكم الأنظمة والعمليات، وذلك قصد التمكّن من ضمان حدّ أدنى لتشغيلها ومواصلة المؤسّسة لنشاطها في حالة حدوث طارئ.
أمّا في ما يتعلّق بتحليل المخاطر، فيتعيّن على المؤسّسة تحديد مختلف المخاطر التي تواجهها في الحاضر بالإضافة إلى تلك التي قد تواجهها في المستقبل. وفي هذا المستوى يجب تحليل المخاطر قصد تحديد وقت التوقف المقبول لنشاط المؤسّسة والنقاط الهامة التي ستتأثر بذلك التوقف خصوصا إذا ما تعلّق الأمر بتوقف لمدّة زمنيّة هامّة.
2 - مخطّط إستمراريّة نشاط المؤسسة:
يتمثّل مخطّط إستمرارية النشاط Plan de continuité d'activité PCA أو مخطّط إستمراريّة الأعمال Plan de continuité des affaires في وثيقة إستراتيجيّة تمكّن المؤسّسة من مواصلة نشاطها ولو في حالة حدوث كارثة أو أزمة كبرى. ويهدف هذا المخطط إلى إستباق الحدث الذي من شأنه أن يعرقل السير العادي للمؤسّسة ووضع إستراتيجية للحدّ من تأثيره، كما يمكّن من تشغيل المؤسّسة ولو كان ذلك في وضع متدهور.وفي هذا الإطار، يتعيّن على المؤسّسة توثيق مختلف الإجراءات والخطوات اللاّزمة لتأمين إستمراريّة أنشطتها، وذلك من خلال:
− إرساء نظام ملائم للإتصال الداخلي و الخارجي.
التحديد الدّقيق للإجراءات الفوريّة الواجب إتخاذها في صورة إنقطاع النشاط.التعامل المرن مع المخاطر الغير متوقعة ومع مختلف تطورات الأوضاع الدّاخليّة والخارجيّة، والتركيز على تأثيرات الأحداث التي يمكن أن تتسبب في اضطراب في الإستغلال ووضع الإستراتيجيات المناسبة قصد تقليص تلكم التأثيرات.
مجابهة المؤسّسة لأزمة إنتشار الكورونا بإعتماد معيار «إيزو 22301»
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
لئن كان كورونا فيروسا مستجدّا، فإنّ عددا من المؤسسات الإقتصاديّة، خاصّة العالميّة منها، نجحت في ضمان إستمرارية أنشطتها رغم هذه الجائحة، بفضل إعتمادها المسبق على مخطّط لإستمرارية الأعمال يأخذ مخاطر الوباء بعين الإعتبار. وقد تمّ الإعتماد في هذا المجال على معيار إيزو 22301 الذي لاقى إهتماما منذ نشره سنة 2012، خصوصا على إثر الأزمة التي تسبّب فيها وباء H1N1 المعروف بأنفلوانزا الخنازير قبل ذلك، أي سنة 2010.ويتعيّن في هذا المستوى الإشارة إلى الاختلافات بين التخطيط الكلاسيكي لإستمرارية الأعمال والتخطيط لمواجهة الأوبئة، لما يتميّز به هذا الأخير من خصوصيّات. ذلك أنّ المؤسسة، ولدى تطويرها لمخطّطات إستمرارية النشاط عموما، تدرس بالأساس تأثيرات الكوارث الطبيعية أو تلك التي تكون من فعل الإنسان، والتي عادة ما تكون تأثيراتها و طرق التعاطي معها معلومة.
1 - إضافة مخاطر الوباء إلى تحليل المخاطر في المؤسسة:
لمواجهة التحديات التي يطرحها وباء الكورونا، يجب أن تشمل خطة عمل المؤسسة برنامجا وقائيا يمكّن من تقليل احتمال تأثر أنشطة المؤسسة بشكل كبير من تفشّي الوباء، بما في ذلك مراقبة الدرجة المتوقعة لتفشّيه، مع توسيع نطاق جهود مكافحته حتّى تكون متناسبة مع تأثيرات كلّ مرحلة معينة من مراحل إنتشار هذه الجائحة.لذلك يتعيّن أن تكون التأثيرات المحتملة للوباء جزءا من التحليل العام لمخاطر المؤسسة الذي يجب أن يشمل على تحديد الأثر المحتمل للوباء على الأعمال الأساسية للمؤسسة، وتحديد المتطلبات القانونية والتنظيمية لوظائف وعمليات المؤسسة بالنّظر إلى تفشّي الوباء، بالاضافة الى وضع إجراءات احتياطية للتخفيف من أي مخاطر محتملة قد تنجم عن هذه الجائحة.
2 - اعتماد إجراءات خصوصيّة في مجال تقييم وإدارة المخاطر:
تعتبرعملية تقييم المخاطر في المؤسسة أمرا بالغ الأهمية بالنّظر إلى تأثيرها الكبير على إدارة استمرارية الأعمال. وتشمل خطوات تقييم وإدارة المخاطر الخاصة بالتخطيط لمجابهة أزمة تفشّي الوباء إعطاء المؤسسة الأولوية لأنشطتها الأكثر عرضة للتأثر بالأزمة الناتجة عن الوباء، ومقارنة السياسات والإجراءات القائمة مع تلك المطلوب إضافتها للتخفيف من حدّة الاضطرابات المحتملة الناتجة عن الوباء، ثم مراجعة خطّة مجابهة أزمة تفشّي الوباء من قبل إدارة المؤسّسة بصفة دوريّة، وتحديد الآثار المحتملة لإنقطاع العمليات التجارية.
يتعيّن على المؤسّسة في هذا المستوى إعادة النظر في طرق العمل لتصبح أكثر مرونة على غرار إعتماد العمل عن بُعد، وتعيين موظفين إحتياطيين قصد ضمان التأمين المستمرّ للوظائف الأساسيّة والوفاء بإلإلتزامات الإدارية والتجارية والماليّة للمؤسّسة من خلال اعتماد تكنولوجيا المعلومات ويجب في هذا المستوى بالخصوص التأكد من قدرة البنية التحية لتكنولوجيا المعلومات على دعم خاصيّة العمل عن بعد بصورة فعّالة وآمنة تضمن سلامة قواعد بيانات المؤسسة مع توفير الدعم الفنّي والمساعدة الإكترونية في حال حدوث أي إشكال. هذا من جهة ومن جهة اخرى فيما يتعلق بالأعمال اليومية يتعيّن على المؤسّسة تحديد الأنشطة ذات الأولوية والموظفين الأساسيين المسؤولين على تأمينها، مع مراعاة الجوانب المتعلقة بالصحة والسلامة على غرار توفير معدّات الحماية والتعقيم وإعداد فرق بديلة من الموظفين مع ضرورة الفصل بينها ماديّا لتجنب خطر العدوى، ويمكن على سبيل المثال تعيين فريق يعمل بمقرّ المؤسّسة وآخر يعمل عن بعد. مع تحديد الحرفاء الأساسيين للمؤسّسة والتأكد من وجود الخطط اللازمة للإستجابة لطلباتهم في صورة إغلاق أحد المزودين، وذلك من خلال الحرص على تحديد قائمة أخرى للمزودين مع ضمان وجود احتياطي كاف من المواد الأساسية، إضافة إلى الصيانة الاستباقية للمعدات قصد ضمان الاستدامة أثناء الأزمة الوبائيّة.
ويتعين على المؤسّسة مواصلة مراقبة المخاطر الناجمة عن الوباء مع إختبار خطتها التي يجب أن تكون مرنة بما يكفي لإدراج المعلومات الجديدة قصد تحيين الخطّة وتحسينها.ومع إنتشار وباء كورونا، برزت أهميّة إعتماد المؤسّسات نظام إدارة إستمراريّة النشاط حتّى تتمكّن من التعامل مع هذه الجائحة خصوصا من خلال تحديد المخاطر التشغيلية الرئيسية لأعمالها، و الخطوات الواجب اتخاذها لتقليص آثار هذه الأزمة عليها قدر الإمكان وضمان إستمراريّة نشاطها. و تبرز هنا أهميّة معيار إيزو 22301، الذي يمثل إحدى أبرز الأدوات التي تمكّن المؤسسة من تبني نظام إدارة يضمن إستمراريّة نشاطها في مثل هذه الظروف.