نحو سيناريو استدامة «الحجر الصحّي» تحت عناوين أخرى !

 بداية، كنا لا نرغب على الاطلاق استحضار مثل هذه الفرضية الكارثية - خاصة ونحن لم نتوانى لحظة في أكثر من مناسبة من تقديم سيل من التصوّرات

والبدائل الممكنة لمواجهة هذا الفيروس بشكل مباشر أو غير مباشر لأصحاب القرار - لو لم نعاين حقيقة وجود مؤشرات جدية عن إمكانية تحققها على أرض الواقع، أكده بوضوح الخروج الإعلامى المتلفز الأخير لعدد من الوزراء بغرض عرض استراتيجية الحكومة بخصوص « الحجر الصحي الموجّه»...

1 - في خطوطها العريضة تٌعدّ الخطة المقدمة من الحكومة شكلا من اشكال «الرفع التدريجى للحجر الصحي» يقابلها إصرار ومكابرة غير بريئة في استخدام لفظ «حجر صحى موجّه «دون سواه...

2 - التصريح علنا بنفس النقطة الصحفية عن امكانية التراجع في كل لحظة - سواء بالتعليق أو الالغاء -عن جميع الاجراءات والتواريخ المتخذة ان تطلّب الوضع الوبائى ذلك (أى العودة الى نقطة الصفر)...

3 - افتعال فوضى اصطلاحية في توصيف المرحلة المقبلة من الحجر الصحي :

على خطّ نقيض من شعار «المنظمة العالمية للصحة» الشهير : tester, tester, tester وفي عكس للتيار العام الدولى في ادارة الجائحة باستخدام مفردات ومستويات واضحة لا لبس فيها على غرار «الحجر الصحي العام»، «الرفع التدريجى للحجر الصحي» أو « الرفع الكامل للحجر الصحي»، فان ممارسة هواية الالتفاف على المفاهيم بلغت ذروتها في القاموس التونسى الانتقالى «فمن الحجر الصحي العام» سنتجه يوم 4 ماى المقبل الى «حجر موجّه» التى قد تفضى بنا الى «حجر مٌخفّف « أو الى العودة مجددا الى الدائرة الجهنمية «للحجر الصحي العام».. بالنتيجة نحن وبقدرة «الفعل الابداعى» لقسم من ساستنا في منزلة بين منزلتين من الحجر الصحي :

- حجر صحي سيكولوجي عام يٌسوّق له باليات الميديا تحت يافطة الحرب المقدسة المعلنة ضد الفيروس،

- وحجر صحي عام مخترق غير معترف به على صعيد السلوكيات اليومية العامة، يسهل رصده بالعين المجرّدة على الطرقات الفرعية والسيارة والأنهج والأسواق الخ.. تعود أسبابه أساسا إلى عدم توفر مٌقدّمات مطمئنة للخروج من الأزمة...

4 - وضع وبائىي تشقّه العديد من مناطق الظل :

فان لن نشكك اطلاقا في مصداقية نتائج الاختبارات المعلنة الا انه بحكم محدودية عدد الاختبارات اليومية المجراة مقارنة بجميع التجارب المقارنة الشقيقة والصديقة وعدم استقرار خطوطها البيانية - من 800 تحليل يومى ننزل الى عتبة 200 تحليل يومى - فانه أضحى من الضروري الاعتراف بان الاستمرار في توخى هذا النهج الحلزونى في تقصى انتشار الوباء لا يساعد كثيرا في تقديم صورة تقريبية للوضع الوبائى الحقيقى للبلاد والتى بدونها يستحيل وضع خطط ناجعة وامنة للخروج من حالة «الحجر الصحي العام».

فامعان وزير الصحة الغير مبرّر في تبنى مقاربة «الكشف الموجّه» le dépistage ciblé ، التى أثبتت عجزها عن تحقيق نسق منتظم وتصاعدى للاختبارات لأسباب لم تعد خافية على أحد، وتصريحه مؤخرا في احدى المحطات الاذاعية الخاصة بأن «الكشف المكثف غير ذى معنى» تثير أكثر من علامة استفهام وتعجّب لدى أهل الاختصاص والعامة على حد السواء كيف لا وأغلب دول العالم تتبنى استراتيجية «الكشف المكثف والسّريع» le dépistage massif et rapide بغاية وضع خارطة طريق ذكية ومستدامة للخروج من حالة «الحجر الصحي العام» بما فيها الصين - خلافا لما تم الادلاء به خلال الندوة المتلفزة المذكورة - التى اخضعت مواطنى مقاطعة Hubei بما فيها مدينة Wuhan - مصدر الوباء - للمراقبة الواسعة والعشوائية contrôle massif et aléatoire عن طريق قيس حرارة الاشخاص بشكل مكثف واجراء اختبارات كشف سريعة لمن ثبت ارتفاع درجة حرارتهم، ونصب نقاط تفتيش checkpoints في مناطق عدة من المقاطعة وفي مداخل الاقامات السكنية والبنايات المأهولة بالسكان مهمتها اخضاع عدد كبير من المواطنين لاختبارات الكشف السريعة والمكثفة...

5 - غياب للمقدّمات الضرورية لتحقيق خروج امن ومستديم من حالة «الحجر الصحي العام» :

فان وجب التنويه بالجهود المبذولة من الطاقم الطبى والشبه الطبى في مواجهة هذا الفيروس بامكانات وقاية محدودة وبالمبادرات الذاتية المحمودة للمجتمع المدنى فانه من الضرورى التوقف بالاجابة عند السؤال التالى : ماذا اعددنا لبلوغ مرحلة «ما بعد الحجر الصحي العام» بشكل امن ومستديم ؟

- عدد من مسالك الكوفيد-19 تحتاج الى قدرا أعلى من المطابقة مع مواصفات «المنظمة العالمية للصحة» في الغرض،

- افتقار عدد من المؤسسات الصحية - خاصة تلك المنتصبة بالمناطق الداخلية بالبلاد - للحد الادنى من معدات الوقاية ومن التأطير والتكوين لمواجهة هذا الوباء المستجدّ،

- نقص واضح في الفضاءات المعدّة «للحجر الصحي الاجبارى» بالرغم من الجهد المبذول من العديد من المتدخلين،

- اطلالات «جماهيرية» غير موفقة لعدد من المسؤولين الكبار في الدولة وذلك في خرق صارخ لأبجديات الحجر الصحي العام،

- عدم الاعتماد على الخبراء في ادارة الجوائح والازمات وعلوم النفس والاجتماع داخل اللجان المتخصصة في مواجهة الوباء،

- منظومة نقل غير مؤهلة لوضع مقتضيات «التباعد الاجتماعى» موضع التنفيذ،

- تهميش رسمى معلن لمقاربة « الكشف السريع والمكثف» المعترف بها دوليا،

- كمامات وقاية غير متوفرة الى اليوم، وان توفرت فإنه من المتوقع ان تخضع إلى مضاربة شديدة مثلها مثل عدد من المنتجات الحيوية وبالتالى لن تكون أسعارها في متناول الجميع،

الخ الخ

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115