و نعتبر أنه من الضروري رسم خارطة طريق واضحة و شروط صحية دقيقة و صارمة تستأنس برأي الخبراء و المختصين حتى يتم رفع الحجر بأكثر ما يمكن من شروط السلامة و بأقل المخاطر الصحية على المواطنين.
• هل سيطرت تونس على الوباء؟؟؟؟ كم بلغ مؤشر R0؟؟؟
تمثل السيطرة على تفشي الوباء المقياس الرئيسي والشرط الضروري للخروج من الوباء.
وتمثل قاعدة R0 القاعدة الأساسية التي يعتمدها الخبراء في جميع أنحاء العالم لقياس مدى السيطرة على الوباء. و R0 هي قاعدة رياضية valeur mathématique يتم تحديدها بحساب رياضي و تؤشر على مدى عدوى المرض و تجيب عن السؤال المركزي. الأساسي في علم الوبائيات: إلى كم من شخص بإمكان المصاب بالفيروس أن ينقل العدوى؟؟ فعلى سبيل المثال فإن فيروس نزلة البرد العادية grippe له R0=1.
أي أن المريض ينقل العدوى لشخص فقط.أما مرض الحصبة الذي يمثل أكثر الفيروسات سرعة في العدوى فإن مؤشره R0=9 أي أن المريض قد ينقل الحصبة إلى 9 أشخاص.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
تشير الإحصائيات الوبائية أن فيروس كورونا في تونس له مؤشر R0=4. أين أن مريضا واحدا ينقل العدوى لأربعة أشخاص. و يبدو أن هذا الرقم تضاءل إلى أقل من 2 في الفترة الماضية.
و يعتبر المختصون أنه لا يمكن التأكد من تراجع تفشي الوباء إلا عندما يبلغ R0 قيمة أقل من 1. أي R0<1 . بمعنى أن مصابا بالفيروس ينقل العدوى لأقل من شخص. و قد صرح رئيس الحكومة الفرنسي بأن R0 في فرنسا بلغ 0.6 أي أن عشرة مصابين لا ينقلون المرض إلا لستة أشخاص. و اعتمادا على ذلك قررت فرنسا رفع الحجر الصحي تدريجيا. كما أن المؤشر في ألمانيا نزل تحت 1 مما سمح للسلطات هناك بنفس القرار.
كم بلغ مؤشر R0 في تونس؟؟؟ يبدو أنه مازال أعلى من 1 في المدة الماضية. و يعتبر المختصون انه يجب أن يقل عن 1 حتى يتقرر الرفع التدريجي للحجر الصحي.
• «العيش» مع الفيروس وضرورة تغيير نمط الحياة
الفيروس سوف يبقى بيننا و يعيش معنا إلى فترة لاحقة غير معلومة. هذا ما تظهره كل الدراسات الوبائية. و حتى إذا ما تناقص بصورة هامة في بلادنا فإن إمكانية عودته مستوردا من بلدان أخرى موبوءة تبقى دائما فرضية قائمة. فهنالك اليوم مليوني مصاب في العالم و لا تكاد تخلو بلاد من مصابين بالفيروس. و في غياب تلقيح ناجع أو علاج فعال فإن الوقاية تبقى هي الوسيلة الأساسية لمواجهته. لذلك يعتبر المختصون أن على المواطنين في جميع البلدان تغيير طريقة عيشهم في الفترة القادمة والتكيف مع تواجد الفيروس للحد من انتشاره بينهم.
وبعد تردد واختلافات في وجهات النظر يجمع جميع الخبراء بما في ذلك المنظمة العالمية للصحة ( التي كانت متحفظة في البداية) أن حمل الكمامة إجراء وقائي هام للحد من انتشار الفيروس. لذلك فإن على المواطنين التعود على حملها في مواقع العمل و الأماكن العمومية. قد يبدو هذا صعبا على المواطنين في تونس. ولكن ربما عليهم الاعتبار بتجربة بلدان جنوب شرق أسيا التي يمثل عدم حمل الكمامة فيها عيبا و إجراء غير اجتماعي لأنه يعرض غيره من المواطنين إلى خطر العدوى.
كما أنه من الضروري مواصلة إجراءات التباعد الإجتماعي distanciation sociale خلال فترة رفع الحجر الصحي. فعلاوة على تفادي السلام باليدين وبالقبل بين المواطنين فإنه من الضروري منع التجمعات الرياضية و الدينية و الثقافية والسياسية لفترة أخرى إلى حين القضاء على الفيروس.
كما انه من الضروري تواصل الإجراءات- الحواجز les mesures barriéres و التي تتمثل في احترام مسافة بين الأشخاص لا تقل عن متر و نصف خلال النشاطات المهنية و الاجتماعية. وعلى المؤسسات العمومية و المساحات التجارية والمحلات العامة أن تعيد تنظيم نشاطاتها اعتمادا على ذلك.
• التحاليل المكثفة: عزل المصاب و«تحرير» السليم
يمثل إجراء التحاليل بصورة مكثفة أهم الشروط التي وجب اعتمادها قبل و خلال الرفع التدريجي للحجر الصحي. فالتحاليل المكثفة تمكن من اكتشاف المصابين و بالتالي عزلهم و علاجهم. أما الأشخاص السالمون من الفيروس فبإمكانهم العودة إلى أعمالهم و نشاطاتهم العادية. و يعتبر الخبراء أن التحاليل المكثفة تخلق أجواء من الثقة في المجتمع. إذ تمكن من التعرف سريعا على المصابين و السالمين وتنزع فتيل الشك والتخوف بين المواطنين.
ويدور نقاش واسع حول أشكال التقصي بالتحاليل. إذ يدعو البعض إلى التقصي العشوائيى والمكثف (تقصي المواطنين في الفضاء العام دون وجود أعراض سريرية) كما هو الحال في بعض البلدان. في حين أن التقصي الموجه dépistage cibléé نحو الأشخاص الذين لديهم أعراض (حمى..سعال..) و محيط المصابين والمخالطين يبدو أكثر ملاءمة للحالة التونسية.
وخلال مرحلة رفع الحجر الصحي من الضروري إرساء منظومة تتبع tracage فعالة و ناجعة في محيط المريض و تحديد بؤر الوباء cluster في المناطق والجهات عبر التحاليل السريعة والمكثفة. ويمكن التتبع من تحديد مجموعات ثلاثة: المصابون بالفيروس والسالمون من الفيروس و الأشخاص الذي أصبح لديهم مناعة ضد الفيروس بعد إصابتهم. و هو ما يمكن من تدقيق الخارطة الوبائية في البلاد.
• توقف.. ثم ..تقدم..stop and go
لا يمثل الرفع التدريجي للحجر الصحي سوى إجراءا مؤقتا في مثل هذه الاوبئة. فمن المعلوم أن مئات الأشخاص الحاملين للفيروس دون أعراض سريرية porteurs sains ينقلون العدوى لغيرهم عند الخروج من الحجر الصحي مما يؤدي إلى موجة وبائية جديدة. فالأوبئة تسير بموجات des vagues حسب الفصول وحسب عوامل أخرى لا زالت غير معروفة. فإمكانية انطلاق موجة جديد لفيروس كورونا تبقى دائما قائمة. لذلك فإنه بالإمكان و بعد رفع الحجر الصحي إرساؤه من جديد لفترة أسبوعين أو ثلاثة و هو ما يطلق عليه المختصون بطريقة stop and go. فالهدف الأساسي هو «تسطيح» منحنى الوباء applatir la courbe de l’épidémie وتفادي حدوث ذروة عالية من المصابين تعجز الهياكل الصحية عن علاجها.
ويتم التأكيد على ضرورة اتباع منهجية تدريجية في رفع الحجر الصحي. إذ من الضروري عدم رفع الحجر عن الكبار في السن و ألمصابين بأمراض مزمنة لأن مرض «الكوفيد 19» خطير عليهم. و هنالك نقاش عالمي بين المختصين حول الأطفال. فمنهم من يعتبر أنهم محصنون و يمكن إعادتهم لقاعات الدرس مثلما قررت الحكومة الفرنسية في حين يتجه البعض إلى حمايتهم واستثنائهم من رفع الحجر الصحي مثلما ندعو إليه في تونس. فقد أثبتت تجربة فيروس كورونا أن هناك اختلافات كبيرة في تأثير الإصابة على المواطنين حسب البلدان و مناطق العالم.
قد يكون الخروج من الحجر الصحي أصعب من الدخول فيه. إذ كما يقول المثل التونسي «الدخول للحمام سهل و لكن الخروج منه صعب» نظرا للمخاطر الصحية التي قد تنجر عن ذلك. فالقدامى أيضا خيروا الوقاية على العلاج. و هو حالنا اليوم.