«الكورونا» قد تعيد «صلاة التراويح» إلى سيرتها الأولى ؟؟ فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة

حتما سنتألّم وقد نبكي ونحن نحرم من ارتياد الجوامع والمساجد على غير عاداتنا خلال شهر رمضان المبارك

ونصلّي الفرائض ونستمع للقرآن الكريم ونتنوّر به وندعو الله ونستأنس بمناجاته.

فقد تعوّدنا لعقود أن نستقبل شهر رمضان المبارك استقبالا خاصا نظرا لما فيه من مشاعر دينية و روحيّة ، ونحرص على التزوّد فيه بالزاد الروحي والطاقة الإيمانية فنسعى للنهل من معين القرآن الكريم ونكثر من التلاوة والذكر ونعمّر بيوت الله بالصلاة والقيام والدعاء.
قد يكون لفيروس «الكورونا» القول الفصل في حرماننا المؤقّت من كلّ هذا حين يمدّد أهل العلم من الأطبّاء في مدّة الحجر الصحّي العام حماية لنا من كلّ توقّع من العدوى ومخاطر هذه الجائحة القاتلة .
وعليه قد يكون القرار المؤلم المرّ بتعليق صلوات التراويح كما علّقت من قبل صلوات الجمعة والجماعة .

فحرمان الناس من عباداتهم وعاداتهم ليس بالأمر الهيّن لكنّ الحفاظ على صحّتهم وأرواحهم أولى و أوكد .وخاصة وأنّ صلاة التراويح بقدر أهميّتها الروحيّة فقد تحوّلت إلى عادة طغت عليها الطقوسيّة وتبوّأّت مكانة علّية عن الفروض العينيّة ونعني بها الصلوات المفروضة
وعليه لابدّ من تحضير التونسيين ممّا ينتظرهم خلال شهر رمضان وكلّنا نعلم كثافة الحضور - رجالا ونساء وحتّى الأطفال - في صلوات التراويح وامتدادها في الزمن كلّ ليلة وخلال كامل ليالي شهر رمضان المعظّم ..وما قد ينجرّ عن التزاحم والتقارب بين رواد المساجد من إمكانيّة العدوى وتبعات ذلك .

ولا بدّ من الإستباق حتّى لا نرى ممارسات من العناد والتعنّت بمكان كفتح بعض المساجد خلسة من كلّ رقابة و كفتح البعض لمحلاّت وتجميع أعداد من المصلّين لأداء الصلوات واستدعاء الأئمّة والتعبّد «اللصوصي» وارتكاب الآثام والمعاصي بدل الأجر الحقيقي في الالتزام بالتوصيات الطبيّة التّي بيّنت وحذّرت من المخاطر المنجرّة عن مثل هذه السلوكات ولا نظنّ أنّه يوجد خطر أكبر من الموت بهذه الجائحة لا قدّر الله ينتظر المتهوّرين ويكون الإستباق بالتحذير وإفهام النّاس حقيقة صلاة التراويح الشرعيّة وأفضليّة القيام بها في البيوت ..

فصلاة التراويح ليست فرضا عينيا ولا إلزاميّا بل هي شعيرة قيام الليل في ليالي رمضان حكمها السنيّة وعند السادة المالكّية هي مندوبة ندبا أكيدا لكلّ مصلّ وتسنّ فيها الجماعة عينا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة ، فيقول « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».

وكأنّنا نرى فيروس «الكورونا» يساعدنا اليوم على تصحيح المفاهيم وتخليص صلاة التراويح من تحوّلها من عبادة رمضانيّة إلى عادة رمضانيّة لا تختلف كثيرا عن عادات التبضّع والطبخ والسهرات وغيرها وما يحيط بها من سلوكات تخرج الصلاة من إحدى أدوارها التربويّة التهذيبيّة..
وكأنّنا بفيروس الكورونا يقول لنا «سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى» سورة طه: 21 .

ليست عصا موسى من عاد لسيرتها الأولى بل صلاة التراويح ستعود لسيرتها الأولى فهي عبادة بيتيّة بإمتياز بداية فها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما روت السيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّء سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلّى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلّى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله فصٌلِّي بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخف عليِّ مكانكم، ولكني خشيتٌ أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها، فتوفي رسول الله والأمر على ذلك»
ثمّ طرأت على صلاة التراويح تحوّلات في كيفتها وعددها من بعد عند ساداتنا الصحابة ومن تلاهم لنشهدها اليوم بطرق مختلفة في جوامعنا .

وثمّة عديد الأحاديث النبويّة الشريفة الثابتة والداعيّة لتعمير البيوت بالصلاة فهاهي الفرصة متاحة لتطبيق هذه الأحاديث والعمل بتعاليمها وخاصة في هذه الظرفية التي تستوجب منّا حذرا وتغليب الضروري الحياتي على كلّ شيء ..

ومن هذه الأحاديث ما رواه سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيء صلّى الله عليه وسلم قال: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» متفق عليه، وفي حديث سيّدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا»رواه مسلم . والحديث الثالث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة»

وهي أحاديث يعود معناها ومضمونها لصلاة التراويح وغيرها من السنن والنوافل فليغتنم كلّ منّا ولا يحرم أحد من صلاة التراويح في بيته مع عائلته علما وأنّه تجوز صلاة التراويح سواء بقراءة كامل القرآن حفظا أو من المصحف أو بما تيسّر منه أو بقصار السور وكلّ حسب طاقته وجهده وفي الأمر اتّساع ويسر واختيار ..فلنعمّر بيوتنا بكلّ عبادة فالله يجيبنا ولا تمنعه الحواجز ولا تضيق على رحمته مساحة ولا فضاء ولا زمان ..

فنفرّ بالتالي من قدر الله وهو أن نحرم من هذه الروحانيّة ونحرم من كلّ خصوصية لهذا الشهر التعبّدي العظيم إلى قدر الله وهو الحجر الصحّي الذي نحتمي به من خطر الجائحة حتّى نلقى الحياة بجمالها ونوالها وعباداتها بعد سلامتنا من هذه الوباء ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115