الذى يتغذى وينتعش حصرا من طوابير الحشود البشرية والتى لا تجدي معه نفعا آليات المواجهة الكلاسيكية على أهميتها كالعزل الذاتي، وحظر التجوال النمطي، وغلق للحدود، فإننا نٌعبّر فى نفس الوقت عن تخوفنا الشديد من مخاطر الاستخدام الفوضوي المرتقب لبراديغم «العمل عن بعد» التى لم تتجهز له ادارتنا كما يجب في ما عدا بعض المؤسسات العمومية التي لا حول ولا قوة لها بحكم موقعها التراتبي الخطأ، منها على وجه الخصوص «الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» التى تجتهد على أكثر من صعيد فى تأمين مختلف منظوماتنا المعلوماتية بالرصد والتدقيق والإرشاد والمعالجة...
فالمثل الفرنسي الشهير un malheur n’arrive jamais seul ينطبق تمام الانطباق على المشهد الوبائي الراهن ..ففيروس الكورونا يتصرّف هذه الأيام «كملكة مٌتوّجة» بصدد تفريخ فيروسات جنيسة Virus génériques لا تقلّ خطورة عن «الفيروس الأم» بل قد يتجاوزه وفق العديد من القراءات، منها الرمزي المتمثل في «كورونا الفوبيا» التي ألقت بقتامتها السيكولوجية على تفاصيل حياتنا اليومية، ومنها الفيزيولوجي أو «كورونا البطون» التى ألهبت الأسعار وأسهمت فى صعود صاروخى لأسهم بورصة المضاربة والاحتكار، واخرها وليس باخر فيروسات «الكورونا الرقمية» التى ستستفاد أيّما استفادة من الية «العمل عن بعد» ومن قرار «الحجر الصحى العام» المتوقع اتخاذه .. فبمجرّد انتقال منظوماتنا الاعلامية من أسوار المؤسسات العمومية والخاصة المؤمنة في عمومها إلى داخل بيوتنا غير المٌحصّنة رقميا سيعرضها الى مخاطر وتهديدات سيبرنية جدية.
فالتقاطعات المدهشة بينها وبين «الفيروس الأم» كالقدرة على التخفى وسرعة الانتشار وغيرهما من الخصائص الوبائية المشتركة ستجد فى منظومة «العمل عن بعد» غير المؤهلة بالقدر الأدنى البيئة المثالية للتفشي والانتشار قد يرتقي إلى مستوى المساس بمنظوماتنا المعلوماتية الحساسة SCADA بما فيها منظومتنا الصحية التى تصارع ببسالة الفيروس بامكانات لوجستية تكاد تقارب الصفر مقارنة بدرجة خطورة الوباء.
فخبراء السلامة المعلوماتية فى العالم مجمعين بان «العمل عن بعد» مسالة حيوية لا مفر منها لمواجهة توسع الفيروس الا أنه سيوقعنا لا محالة فى كورونا من نوع جديد، رقمية بامتياز عبّر عنها بمنتهى الوضوح خبير السلامة المعلوماتية Ivan Kwiatkowski بقوله : «المخربين الافتراضيين يستفادون دوما من المستجدات الراهنة والأزمات لتوسيع نطاق هجماتهم، وبالتالي «الفيروس كورونا» غير مستثنى من ذلك. كما نرغب جميعنا دون أن ندري في متابعة آخر تطورات انتشار هذا الفيروس وسبل مقاومته إلا أنه فى لحظة عدم انتباه يمكننا أن نضغط على رابط او ان نفتح رسالة إلكترونية مشبوهة، حينها نكون قد فتحنا على أنفسنا أبواب جهنم دون رجعة. فالحواسيب المنزلية أقل سلامة من تلك المٌثبّة بمقرات عملنا، وبالتالى وجب الحذر قبل الانطلاق في هذه العملية بتمكين الموظفين من حواسبهم المكتبية دون غيرها».
سيادة رئيس الحكومة، أكيد انه قد بلغ الى علمكم أنّ منسوب التهديدات الرقمية في الاونة الاخيرة تصاعد بشكل غير مسبوق عبر العالم، وان علاقة التونسي «بالعالم الافتراضي» بلغت درجة من المصاهرة والقرابة السوسيو - افتراضية المحيرة، وان تنفيذ قرار «الحجر الصحى العام» المتوقع سيجعل من المنصات الرقمية بمختلف استخداماتها الملاذ الأخير للتونسي القابع في بيته.
فالتطبيقية الخبيثة المتداولة اليوم على الهواتف الذكية تحت اسم Coronavirus Traker تحاول إيهام مستخدمي نظام «الاندرويد» بأنها تطبيقية ذكية تساعدهم على متابعة تنقل الفيروس داخل محيطهم الجغرافي القريب وكيفية التوقي منه، إلا أنه بمجرد تثبيت هذه التطبيقية على هواتفنا حتى نكتشف اننا وقعنا ضحية تحيّل رقمي فظيع من نوع «الابتزاز الرقمي» Ransomware ممّا يٌمكّن القرصان من السيطرة الكلية على معلوماتنا التي لا يتم الإفراج عنها إلا بعد دفعنا لمقابل مالى يناهز 250 أورو...
كما نعتقد انه لا يفوتك علما بأن «الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية» كانت قد حذّرت العموم منذ 13 مارس الماضي من ظهور فيروس خطير يعرف باسم corona.exe ، تم تصميمه بغاية التجسس والاستيلاء على معطياتنا الخاصة من أسماء وكلمات عبور وأرقام بطاقاتنا الائتمانية الالكترونية الخ...
كما وضعت نفس الوكالة على ذمة مختلف المنشآت الحكومية او الخاصة « دليل اجرائي للعمل عن بعد « un guide de mise en œuvre de télétravail بغاية تحصين عملية التبادل المعلوماتي عن بعد .. دليل يحتوي على حزمة من الحلول الآمنة solutions fiables et sécurisées المفتوحة المصدر وغير المكلفة على الاطلاق.
اعتقادنا راسخ بأن تنفض الغبار عن هذه المؤسسة المنسية التي تعمل بصمت كبير من خلال وضعها تحت اشرافكم المباشر تٌعدّ اليوم مسالة أمن قومي بامتياز دونها سنقع بين فكي كماشة من جهة الفيروس اللعين ومن جهة ثانية الكورونا الرقمية.