وكيف ستكون تداعيات ذلك على مسألة الأمن والاستقرار السياسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
من كاميرون إلى الكونغرس الأمريكي : الإخوان في قفص الإتهام :
بدأ كاميرون في نهاية 2015 بتفجير قنبلة صغيرة في البرلمان البريطاني عندما اعترف أن فكر الإخوان يؤدي إلى الإرهاب. وبعد ذلك بشهرين نجحت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي في تمرير لائحة بأغلبية 17 صوتا ضد 10 أصوات، يمكن أن تتحول إلى قانون يعتبر الإخوان المسلمين تيارا إرهابيا.
وسيعرض مشروع قانون في هذا الشأن على أنظار الكونغرس للبتّ فيه لاحقا. وهناك احتمالان إما أن يستخدم الرئيس أوباما حق الفيتو لإسقاط القانون أو يتم تبنّيه نهائيا من طرف الكونغرس. وفي صورة تبنّيه يؤدي ذلك إلى تجميد أموال الإخوان وعقاراتهم والملاحقة القضائية لكل من يتعامل معهم أو يُموّلهم.
لماذا اهتزت صورة الاخوان؟
وفي كلتا الحالتين سواء الرفض أو القبول للقرار فإن صورة الإخوان لدى الرأي العام الأمريكي اهتزت بشكل كبير لثلاثة أسباب رئيسية:
• السبب الأول: هو العدد المتزايد لهياكل وتنظيمات الإخوان في أمريكا التي بلغت حوالي 220 هيئة منذ الستينات إلى اليوم بين فرع إخواني وجمعيات مرتبطة بالإخوان، ومرد هذا الخوف أن المحللين الأمريكيين الكبار يعتقدون في وجود علاقات فكرية بين الإخوان وتيارات القاعدة. وقد سبق ليوسف القرضاوي القيادي الإخواني الذي يعيش في قطر حاليا أن صرح بأن أبو بكر البغدادي زعيم داعش كان إخوانيا سابقا. كما أثبتت عديد الدراسات أن أسامة بن لادن كان عضوا بالتنظيم الإخواني قبل أن يؤسس القاعدة، وأن مؤسس بوكو حرام محمد يوسف إخواني سابق، أما في تونس فأبو عياض زعيم تنظيم أنصار الشريعة المرتبطة بالقاعدة كان عضوا سابقا في حزب راشد الغنوشي المعروف بتوجهه الإخواني. وبالتالي فالأمريكيون أصبحوا يخشون من تحول الجماعات الإخوانية الكثيرة العدد إلى جماعات متطرفة ترتكب عمليات إرهابية لأن فكرهم كما قال رئيس الوزراء البريطاني كاميرون يؤدى إلى الإرهاب. ونحن نعلم أن الأمريكان يثقون كثيرا في تقارير إنجلترا.
• السبب الثاني : هو أن ورقة الإخوان التي راهن عليها صانعو الربيع العربي احترقت بعد سقوط مرسى وبعد انتشار الفوضى الخلاقة في ليبيا وبعد أن أُجبرت حركة النهضة على الخروج من الحكم في يناير 2014 بعد أن استشرى الإرهاب في تونس وبعد أن تم اغتيال زعيمين سياسيين. وبالتالي فالأمريكان الذين راهنوا على الإخوان في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط خسروا جزئيا هذا الرهان وأصبح الإخوان عندهم عبئا بعد أن كانوا طرفا أساسيا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط. واقتنعت أمريكا وأوروبا أنه ليس من مصلحتها معاداة مصر ودول الخليج بسبب الإخوان.
• السبب الثالث : سبب إيديولوجي إذ أن هناك قناعة لدى صناع القرار في العالم الغربي بأن الديمقراطية والسلمية لدى الإخوان اختيار تكتيكي لا استراتيجي وأنهم لم يتنازلوا عن فكرة الخلافة ودولة الشريعة وإنما يؤجلون ذلك إلى حين. والغرب والأمريكان استمعوا جيدا لخطاب حمادي الجبالي رئيس حكومة الإسلاميين في تونس، التي كانوا ينظرون إليها على أنها تمثل الاسلام المعتدل، حين علق على نتائج انتصار حركة النهضة في انتخابات أكتوبر 2011 و اعتبر أنها تمثل واستشعار لدخول مرحلة الخلافة السادسة.
تداعيات القرار الأمريكي والانجليزي على الأمن والإستقرار السياسي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا :
هناك 6 تداعيات أساسية:
• أولا : إضعاف دور الإخوان في سوريا بعد الوصول إلى حل سياسي للحرب في هذا البلد.
• ثانيا : مراجعة تركيا وقطر لأسلوب تعاملهما مع الإخوان بعد التطورات الإقليمية التي حصلت مؤخرا في تركيا. وستضطر قطر إلى تغيير سياستها تجاه الإخوان بعد أن تأخذ بعين الاعتبار اهتزاز صورتهم عربيا وخاصة دوليا.
• ثالثا : قيام أوروبا بحملة كبيرة لحل وتجميد العديد من الجمعيات الإسلامية الناشطة في أوروبا والتي تنتمي غالبيتها العظمى لتيار الإسلام السياسي الإخواني.
• رابعا : نهاية تجارب حكم الإخوان فيما تبقى من بلدان الربيع العربي خاصة في ليبيا وتونس في الفترة القادمة. واعتقد أن هناك وعيا مجتمعيا في كلا البلدين برفض إعادة تكرار تجربة الإخوان بعد أن خلفت ضررا بالغا في الأمن ودمارا في الاقتصاد. ولا يُتوقع مثلا استمرار تجربة التحالف مستقبلا بين نداء تونس وحزب النهضة الإسلامي لأن عدد المنتقدين لها في ارتفاع كبير.
• خامسا: إنقسام حاد في صفوف التيارات الإخوانية في مصر والبلدان العربية يمكن أن ينتهي بانشقاقات. كما يُتوقع أن تحصل على المدى المتوسط مراجعات ربما تستغرق بضع سنوات تفضي إلى التخلي عن ايديولوجية الإسلام السياسي لصالح إيديولوجيات جديدة لا تعادي الدين ولا توظفه في السياسة مثلما حصل مع تيار الإسلام الإصلاحي في القرن 19 ومطلع القرن 20.
• سادسا: إمكانية اتخاذ أمريكا وأوروبا لإجراءات تمنع أو تحُدّ كثيرا من قبول أفواج من الإخوان المسلمين في بلدانها سواء كانوا مصريين أو عرب. وما قرار كاميرون ولائحة الكنغرس الأمريكي سوى جرس إنذار وإجراء احتياطي لتفادي هجرة مكثفة للتيارات الإسلامية إلى أوروبا وأمريكا كما حصل في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. وفي صورة صعود الجمهوريين إلى البيت الأبيض فإن متاعب التيار الإخواني في العالم العربي ستزداد أكثر حدة.
المحللون يقولون أن شبح عدم الاستقرار الأمني سيتواصل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لكنه سيكون أقل حدة بكثير من لو بقي الإخوان في أروقة الحكم.
أعلية العلاني