حديث الفرد: «الشعب يريد».. ماذا يريد الشعب؟ يجب الاطاحة بالشعب... (2)

فشلت الثورة. أفشل الشعب الثورة. أفشلها بسبب ما أتى من تهافت، من فساد، من عنجهية كبرى. فشلت الثورة وتونس اليوم في يأس، في بؤس...

خرّب الاقتصاد بسبب ما كان من إضرابات ومن تسيّب. تراجع الانتاج بسبب ما كان في الشغّيلة من لامبلاة، من تقاعس. ساءت الحياة بسبب ما كان في الدهماء من تهوّر، من جهل... هؤلاء أفسدوا الثورة. هؤلاء هم الناس، من كلّ الفئات، يفعلون في الأرض ما شاؤوا في صلف، دون خوف. «لا خوف بعد اليوم» يقول الثوريّون وأنصار الشعب. أمّا الأحزاب والمنظّمات فهي الأخرى ساهمت في الاثم. بما أتت من مناورة ومكر، بما غنمت واستأثرت، أفسدت الأحزاب الثورة وعرقلت السير. رجال السياسة في تونس ذئاب مسعورة. همّهم جاه وغنيمة وملك...

كلّنا جميعا قتلنا الثورة وساهمنا في تقهقر تونس وفي ما نحياه اليوم من عصب وعسر. الشعب بطبقاته والحاكم في الحكم كلّهم غدروا الثورة. كلّ الناس ترى ما يجري في البلاد من غوغاء وبؤس ولا أحد يتحرّك. هذه النقابات ترى الفساد قد عمّ والرداءة قد تغلغلت ولا أحد يتحرّك. هذه المساجد في كلّ حيّ تدفع الى التطرّف وفيها يقول الأيمّة قولا محموما، أحمق ولا أحد يتحرّك. هذا الاعلام في هيج، في غيّ، يدفع بالناس الى الحقد، الى اليأس ولا أحد يتحرّك. أمّا الدولة فتأتي الخبائث والكبائر كلّها ولا أحد ينهى ولا أحد يتحرّك. أمّا الشغّيلة فتراها في مواقعها، تتصيّد، تخادع، تتقاعس ولا أحد ينذر ولا أحد يصدّ... إنّه الشعب بحكّامه، بموظّفيه، بعمّاله، ببطّاليه، بحاملي الشهادات العليا، بكلّ طبقاته يضمر شرّا.

كلّ يسعى، يغنم ما استطاع من الغنم، وإن لزم، سوف يحرق السماء والأرض. حيث تمشي تلقى بشرا يفعلون ما يرتؤون دون قيد ولا منطق. هؤلاء يفتكّون الرصيف. هؤلاء يغورون على الملك العام من أرض وغابات وبحر. هؤلاء في المدارس، في المستشفيات، في المطارات، في البلديّات، في الشركات العموميّة، في الوزارات... يتغيّبون، يتعسّفون، يعبثون ولا من رقيب يردع. هؤلاء في الإدارات في الديوانة، في المطارات، في الجامعات، في المناجم... قاعدون، يفسدون الشغل ويطالبون بمزيد الرزق. هؤلاء في الأسواق، تجّار ومحتكرون، يرفّعون الأسعار وكلّهم مكر وخدعة. هؤلاء بشر من ذكر وأنثى يلوّثون الأرض، يقطعون الشجر، يوسّخون، يعيثون فسادا وظلما... كلّ هؤلاء هم الشعب. الشعب يلهو، يعبث ولا أحد يردع. هؤلاء هم الشعب، من شباب وكهول ومن اشتعل رأسه شيبا، وقد انتشر في البلاد ذبابا أزرق. إنّه «الشعب يريد». إنّه الشعب يفعل ما يريد ولا مردّ لما يريد الشعب...
***
ذاك هو شعبنا كما أراه. ذاك ما أحياه كلّ يوم. نغّص الشعب حياتي. أطفأ النور والأمل. شعبنا يحمل أدرانا متمكّنة وفي رأسه استوت ظلمات منكرة. متى ننتهي من ظلماته المنكرة؟ يجب أن ننتهي من هذه الحياة المبعثرة. يجب أن نعمل ثورة. يلزمنا ثورة لنطيح بهذا الشعب وقد طغى وتجبّر. يجب أن نوقف هذا البشر الأسود وقد تغوّل وتكبّر. يجب أن نصدّه وقد كثر شغبه وعاث في الأرض فسادا وشرّا. يجب أن نردّه عمّا يأتي من خروقات، من سوء نظر، من رداءة كبرى...

يجب تثقيف الشعب، فتح بصيرته. في شعبنا اليوم جهالة كبرى. فكره ضحل وعيشه غوغاء ولخبطة. يجب تثقيفه وهذه، في نظري، أولويّة مطلقة. مع التثقيف والتحسيس، يجب الردع. يجب ردع الشعب وزجره، كلّما اقتضى الحال، علّه ينتهي ممّا هو يأتي من عبث وممّا هو يقول من بذاءة كبرى. أمّا أن تتواصل الحياة على نحو ما نرى من تسيّب وفوضى ويواصل الشعب في لامبالاته، في طلعاته، ففي هذا قتل لكلّ عيش مشترك وإبطال لكلّ سعي وجهد... الثورة لا تعني الهيج ولا هي الفوضى. الثورة لا تعني قبول كلّ ما يريده الشعب ويرضاه. الثورة هي الدفع بالشعب حيث السبل المنقذة، حيث النظر الحصيف والفعل المجدي...

«الشعب يريد» هذا شعار زائف، باطل. أنا لا شأن لي بما يريده الشعب، إذا كان ما يريده الشعب لا يقبله عقلي. لن أعبأ بما يريده الشعب إن لم أر في ما يريده الشعب نفعا ومصلحة. إن رأيت غير ما يرى الشعب فلسوف أقول ما أرى ولسوف أقاوم الشعب إن هو أراد السطو على فكري وغصبي في ما أرى من ٍرأي.

أنا لست الشعب ولا الشعب أنا. للشعب دينه وليّ ديني. لا علاقة لي بالشعب وقد هزّته جهالة وأعمت أعينه نرجسيّة فجّة. للشعب إرادته ولي إرادتي. له شأنه وليّ شأني. إن تجاوز الحدّ وأتى الشعب تجبّرا أو تكبّرا فلسوف أصدّه صدّا. سوف أسعى للإطاحة به كلّما مشى في طرق معوجّة.

(يتبع)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115