وذلك بإرسال وفد رسمي يمثل قيادتها العليا في شخص الملك محمد السادس، لتبليغ رسالة التهاني للرئيس التونسي الجديد ومشاركة التونسيين فرحة تتويجهم الانتخابي. وشكل حضور ممثلي ملك المغرب في شخص رئيس مجلس النواب المغربي السيد الحبيب المالكي ورئيس مجلس المستشارين السيد عبد الحكيم بنشماش في جلسة تأدية الرئيس التونسي الجديد لليمين الدستورية، مناسبة للتذكير بمتانة العلاقات الأخوية والحميمية التي تجمع بين المغرب وتونس، قيادة وشعبا، كما عكس بالملموس مدى الاهتمام الذي يوليه المغرب لأوضاع الجمهورية التونسية وحرصه الشديد على استقرارها وازدهارها.
إن ما يجعل العلاقات المغربية التونسية عميقة ومتجذرة، فوق تغيرات التاريخ وأثبت من حتمية الجغرافيا، أنها علاقات تجمع بين دولتين لهما مقومات مشتركة من دين ولغة وثقافة ومجتمع وقرب جغرافي، كما استطاعا في تطورهما المجتمعي الحديث أن يخرجا بخيارات متقاربة جعلت منهما دولتين متميزتين على صعيد المنطقة، خيارات من قبيل إعلاء ثقافة حقوق الانسان وتعزيزها واختيار بناء دولة الحق والقانون وابتغاء الاستقرار الوطني والإقليمي وتكريسه، إلى جانب تثمين التعايش السلمي بين الديانات والهويات كمكاسب وطنية لا سبيل للتفريط فيها.
أكيد أن ملوك المغرب، والامر ينسحب على القيادات التاريخية لتونس، قد لعبوا دورا محوريا في تمتين هذه العلاقات المغربية التونسية الفريدة ومدها بالدينامية الكافية لتتعزز مع مرور السنين، سواء في عهد الملك الراحل محمد الخامس الذي تمت على أيديه مأسسة العلاقات المغربية التونسية زمن الاستقلال، بفتح البعثة الدبلوماسية المغربية بتونس سنة 1956 وتنظيم زيارات تبادل توجت بالتوقيع على معاهدة الأخوة والتضامن في 30 مارس 1957، او عهد مؤسس الدولة المغربية الحديثة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كانت لتونس لديه مكانة خاصة في نفسه، ظهرت جليا في أحد حواراته مع الإعلام الفرنسي سنة 1980، حين سئل الملك عن مستقبل تونس بعد احداث قفصة لسنة 1980 وأجاب بما يفيد أن الدولة التونسية وراءها شعب ولا قوة في الأرض يمكنها ان تقهر شعبا، معربا عن استعداد المملكة المغربية للدفاع عن تونس إن دعت الضرورة إلى ذلك.
أما مع عهد الملك محمد السادس، فلم يزدد الترابط السياسي والشعبي بين المغرب وتونس إلا تماسكا، بل وصل الى حد التماهي خصوصا مع الزيارة الملكية التي أجراها الملك محمد السادس إلى تونس سنة 2014، في رسميتها حين التقى برئيس الدولة آنذاك مع منصف المرزوقي ومع باقي كبار المسؤولين في الدولة التونسية وتباحث معهم حول سبل تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات، أو في جانبها غير الرسمي- الشعبي بجولات الملك في أهم المواقع السياحية والرمزية بتونس، في شارع الحبيب بورقيبة وسيدي بوسعيد، حيث تفاعل معها الرأي الوطني التونسي بتوجيه الشكر للملك محمد السادس، وبالتأكيد على أن التونسيين سيتذكرون أنه ذات يوم من أيام 2014، وتونس في أزمة اقتصادية خانقة، وسياحتها تترنح تحت ضربات إرهابية موجعة، قام ملك صديق لتونس بجولة في شوارع العاصمة، وصافح أهلها وسمح بالتقاط صور تذكارية مع أبنائها وبناتها وكأنه في ازقة مدنه بمراكش أو فاس.
واليوم، وإتماما لتلك الأواصر المتينة ووفاء لكل الجهود المبذولة لتعزيز والارتقاء بالعلاقات المغربية التونسية، بعث الملك محمد السادس رسالة تهنئة للرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، عقب فوزه رسميا بالانتخابات الرئاسية لسنة 2019، أشاد فيها بنجاح الاستحقاق الرئاسي التونسي وأعرب عن استعداد المملكة للتعاون مع القيادة الجديدة في تونس «من أجل تعزيز علاقات التعاون المتميزة القائمة بين بلدينا ، والارتقاء بها إلى مستوى الروابط الأخوية المتينة التي تجمع بين شعبينا الشقيقين ، بما يستجيب لتطلعاتهما إلى المزيد من التضامن والتكامل والتنمية المشتركة». كما حرص الملك محمد السادس على إرسال مبعوثين شخصيين له رفيعي المستوى، في شخص رئيسي البرلمان المغربي، لحضور حفل تنصيب الرئيس التونسي الجديد، قيس سعيد، وهو الوفد الوحيد من دول المنطقة والعالم الذي يشارك في مراسم تنصيب الرئيس وقد جاءا يحملان رسالة شفوية تؤكد حرص المملكة، قيادة وشعبا، ليس فقط على الحفاظ على جودة العلاقات المغربية التونسية والمضي بها قدما، ولكن أيضا من أجل تعميق التقارب بين الشعبين المغربي والتونسي، وهما الرسالة والحضور اللذين تفاعل معهما الرئيس التونسي الجديد بالشكر لملك المغرب والشعب المغربي واعتزازه بروابط الصداقة والأخوة التي تجمع بين تونس والمغرب قيادة وشعبا، مشددا على وحدة مصير المغرب وتونس في الحاضنة المغاربية وعلى أهمية تفعيل العمل المغاربي المشترك كخيار استراتيجي لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة.
إن حضور المغرب اليوم مع تونس قيادة وشعبا في عرس اختيارها الديمقراطي، والذي سال على إثره مداد أقلام مغاربية عديدة ، ذكر بمتانة العلاقات ووحدة المصير المشترك بين البلدين وان له دلالته القوية ويعكس مدى حرص المغرب من جهة وتونس من جهة أخرى للارتقاء بعلاقاتهما إلى مستويات أرحب من التعاون والتبادل، وإيمانهما الشديد بضرورة الثورة على المفاهيم والتصورات التقليدية، ومعها المعيقات والمشاكل التي تحول دون جعل المنطقة المغاربية فضاء وتكتلا للتعاون ،خصوصا المصطنعة منها، وذلك لتحقيق آمال وتطلعات دول المنطقة في عالم يحتاج إلى كيانات جهوية قوية للتموقع بقوة وبنجاعة وباستقرار في مواجهة التحديات العاصفة.