برج بابل: الكاستينغ الرئاسي: المترشحون و أصنافهم

ضمن تقاليد الرئاسيات في العالم الديموقراطي يستشعر الناس رئيسهم سنة على الأقل قبل الانتخابات. كل حزب سياسي يقدم مرشحيه داخل سباق أولي تتضح

فيه برامجهم ومواقفهم من القضايا الكبرى، وتبرز الملامح العامة لكل مترشح مثلما هو الحاصل الآن في الولايات المتحدة الأمريكية. هناك ما يشبه الكاستينغ الذي يضع المترشح الأولي أو المحتمل أمام اختبارات كبرى عليه تجاوزها بنجاح حتى يبلغ السباق النهائي. في هذا الكاستينغ يقع التثبت من القدرات السياسية للمترشح ومن قدرته على عرض أفكاره ومن الدفاع عليها. كما يتم التعرف على مهارات المترشح الاتصالية وحتى على تاريخه الشخصي، بحيث لا يصل إلى المنعرج الأخير إلا وقد علم عنه المواطنون كل شيء تقريبا. ويحدث للمترشح أن يخسر السباق من الأول إذ ثبت وأن تاريخه الشخصي لا يليق بالرئاسة وتأخذ وسائل الاعلام النصيب الأكبر من هذا الكاستينغ علاوة على وسائل التواصل الاجتماعي وكل هذا من أجل أن يكون الرئيس في مستوى الموقع المترشح من أجله، لذلك يعيش المترشح عذابا انتخابيا من أجل الوصول إلى مبتغاه.

في ديموقراطيتنا الناشئة مازلنا غير قادرين على فعل شيء مشابه أو حتى قريب منه. هناك حرج كبير يعيشه كل سياسي يريد أن يتقدم للانتخابات الرئاسية قبل عام من إجرائها. يكون في الغالب عرضة لهجومات شرسة تتهمه بالتسرع وبالنهم السلطوي وبالتشبث بالكرسي وغيرها من النعوت التي نعلمها. وحتى وإن برز أحدهم كمرشح محتمل فإنه ينكر ذلك ويؤجل كلامه في الموضوع إلى موعد لاحق وينتابنا إحساس وكأنه كمن لصقت به تهمة. والنتيجة في آخر الأمر عصفور نادر يتبارى الجميع في التكهن بمن يكون إلى اخر رمق. ولذا لا يوجد لدينا اختبار رئاسي قبل الرئاسة. عملية يكتنفها اللايقين الذي معه تتعقد الأمور لدى الناخب والمتابع.

لا نعلم عن المترشحين للانتخابات الرئاسية إلى حد اللحظة أي شيء تقريبا. نعرفهم فقط كأشخاص وكسياسيين في مواقع أخرى دون الحديث طبعا عن النكرات منهم. نقيم فقط مرورهم بالمواقع القيادية الكبرى للدولة وبالوزارات التي شغلوها سابقا لمن كان لهم ذلك ونقيم بعضهم الآخر بصورتهم التي علقت في أذهان المواطنين. ولكن ننسى دائما أننا أمام استحقاق رئاسي له شروطه الخاصة كما يضمنها الدستور وهي في الغالب غير مدركة من طرف الناخبين لأننا لا زلنا تحت تأثير أكثر من نصف قرن من الذهنية الرئاسية التي جعلت من رئيس الجمهورية المتحكم الفعلي في شؤون الناس في حين أن دستور 2014 قد غير الأمور بشكل يكاد يكون جذريا.

التصنيفات التي يرى بها الناس المترشحين للانتخابات الرئاسية عديدة ومتنوعة. هناك التصنيفات الشخصية وهي الحاضرة بقوة عند الاستحقاق الرئاسي، وتتعلق ببناء ملامح الشخص ومطابقتها مع متطلبات الموقع السياسية منها والرمزية. وفي هذه الحال هناك إرث تاريخي يشغل مخيلة الناس يجعل من الرئيس شخصا يختزل تقريبا مكونات رؤساء سابقين لهم تأثيرهم وآخرهم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. يأتي الانتماء الحزبي للمترشح في مرتبة ثانية في عملية بناء الاختيار، المهم هو التمرين الذي يقوم به الناخب في مطابقة المترشح للرئاسة مع منصب الرئيس. ويقود هذا التمرين في مخيلة الناس إلى رسم صورة رئيس تلعب فيها متغيرات السن والتجربة والحضور أهمية بالغة. شرعية الرئاسة في تونس لها نواميسها التي تختلف عن أي رئاسة أخرى ضمنها الدستور.

المترشحون للانتخابات الرئاسية أصناف، وبقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية يمكننا اقتراح التصنيف التالي:
هناك المترشحون الذين شغلوا مناصب قيادية عليا في الدولة ترتقي أو تقترب من منصب رئيس الجمهورية من حيث القيمة الاعتبارية ومن حيث الممارسة أيضا وهؤلاء خمسة اشخاص مترشحون منهم من شغل خطة رئيس الجمهورية وهو السيد منصف المرزوقي ومنهم من شغل سابقا خطة رئيس للحكومة وهم السادة حمادي الجبالي والمهدي جمعة وحاليا السيد يوسف الشاهد وهناك السيد عبد الفتاح مورو وهو الرئيس الحالي للبرلمان بالنيابة. هؤلاء جميعا وبقطع النظر عن تقييم آدائهم ذوو أسبقية في إدارة شون الدولة في أعلى مستوى أي ضمن الرئاسات الثلاث.

الصنف الثاني من المترشحين وعددهم تسعة وهم الذين شغلوا مناصب في الدولة كوزراء أو كوزراء مستشارين سابقين أو حاليين وهؤلاء أيضا وبقطع النظر عن تقييم آدائهم لهم أيضا خبرة ما في إدارة شؤون الدولة من المواقع التي كانوا فيها. هؤلاء هم قادة الصف الثاني في الدولة.
الصنف الثالث وعددهم سبعة وهم زعامات حزبية عليا لم تشغل مواقع في الدولة، منهم من كانت له تجربة الترشح في انتخابات 2014 ومنهم من يخوض التجربة لأول مرة، ومنهم من يتزعم حزبا حديث النشأة. هؤلاء هم زعامات السباق الرئاسي.
الصنف الرابع وعددهم خمسة مترشحين جاؤوا من مشارب مختلفة يعتمدون بالأساس على أسمائهم وعلى تجربتهم الخاصة في الميادين التي يشتغلون فيها. هؤلاء هم فرسان السباق الرئاسي.
هذا تصنيف من بين تصنيفات أخرى عديدة يمكن إقحامها في اختيار الرئيس القادم لتونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115