برج بابل: الحراك والكأس: الجزائر فوق السحاب

هل يمكن تخيل وضعية سريالية كالتي يعيشها الجزائريون في هذه اللحظة الفارقة من تاريخهم؟ حراكهم السلمي

نحو الديموقراطية متزامنا مع حصول الفريق الوطني على كأس إفريقيا للأمم في كرة القدم يجعلهم أسعد الشعوب، أكثرهم انتشاء وأبلغهم في التعبير عن طموحات شعب في التغيير. النصف الأول من يوم الجمعة الماضي مخصص لطقوس التظاهر وطقوس التذكير باستحقاقات الحراك، أما النصف الثاني من اليوم فهو الأكثر تشنجا والأكثر انتظارا للتتويج المستحق والفريق الوطني يخوض المواجهة المصيرية والأخيرة للفوز بالكأس الإفريقية. ولكن ولأول مرة يحقق منتخب وطني إنجازا بهذا المستوى دون أن يستولي عليه رمزيا نظام سياسي ويستفيد منه.

للجزائريين تاريخ سياسي وسحري مع كرة القدم. تكاد تكون حركة التحرير الجزائرية الوحيدة في العالم التي ساوت بين ضغطة على زناد وركلة كرة قدم. كان ذلك في سنة 1958 عندما تم تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، الفريق الذي ضم أبرز لاعبي البطولة الفرنسية من أصول جزائرية. نذروا أقدامهم وقلوبهم للثورة، التحقوا بتونس ومنها جابوا العالم ككتيبة. ومنذ ذلك التاريخ والجزائريون يلعبون وكأنهم في حرب تحرير.

كيف يمكن للحراك السلمي في الجزائر أن يستفيد من الإنجاز الكروي المبهر؟
الحراك السلمي في الجزائر استثنائي بكل المقاييس. وتأتي فرادته من الحرص الشعبي المتواصل على تحقيق الهدف دون أي انزلاق نحو عنف دام. سلمية الحراك تفند الفكرة السائدة التي تعتبر أن الجزائريين لا يحسمون أمورهم إلا عنفا وأن الشخصية القاعدية الجزائرية ميالة دوما إلى العنف والتشدد. سلمية التظاهر بعد أكثر من خمسة أشهر من الحراك وبهذا الانضباط المتواصل يجعل القوالب الجاهزة عاجزة على فهم ما يحدث.

المهم في هذا الحراك السلمي أنه لم يضعف أمام اهتمام الجزائريين بمنتخبهم الوطني لكرة القدم. فمنذ بداية البطولة والمنتخب الجزائري يشد ناظريه بأداء جيد وكبر الحلم طيلة شهر كامل دون أن يثنيهم أو يلهيهم ذلك عن الاهتمام بحراكهم السلمي ومواصلة التعلق به. وهذا في حد ذاته إنجاز لوحده يهدم القناعة بأن كرة القدم ملهاة. لقد تعامل الجزائريون مع إنجازهم الكروي طيلة شهر كامل وكـأنه حراك بنفس الجدية والمثابرة والاعتقاد في النصر وتحقيق الإنجاز.

يمكن للحراك السلمي أن يستفيد رمزيا من الإنجاز الذي حققه المنتخب. تأتي الاستفادة من الثقة التي منحها الفوز باللقب لكل الجزائريين في قدرتهم على إنجاز شيء مبهر أي في إيصال حراكهم إلى منتهاه الديموقراطي. تأتي الاستفادة أيضا من اللحمة الوطنية الكبيرة التي لعب بها الجزائريون وهي ذات اللحمة المطلوبة التي يتطلبها حراك سلمي بمثل هذا الحجم.

لقد لعب الجزائريون خلال كامل البطولة دون كلل أو ملل ودون حسابات، الكل يلعب من أجل الوطن وكان هذا ظاهرا في أدائهم وفي التعبير عن فرحتهم بالنصر في كل مباراة. والرسالة التي بعث بها الناخب الوطني جمال بلماضي للاعبيه أن المشاركة ليست بالأسماء بل بالجدارة والاستحقاق وأظهر للجميع أنه كان عادلا إلى أبعد الحدود بين اللاعبين. هذه القيم التي نجح الناخب الوطني في بثها والتي أوصلته إلى النجاح هي ذاتها قيم الحراك السلمي.

تستفيد الجزائر في أي منعطف تاريخي من كرة القدم، حصل ذلك إبان حركة التحرير الوطني ويحصل الآن في الطلب الشعبي للديمقراطية. وهذا ما عبر عنه أحد المحتفلين عندما رفع لافتة مكتوب عليها نريد الفوز برئيس منتخب ديمقراطيا مثلما هو فوزنا بكأس إفريقيا.

الآن وقد فرح الجزائريون بالكأس الإفريقية كما لم يفرحوا من قبل، لم يبق لهم سوى الفرح بالاستقلال الثاني ولن يكون هذا إلا بإرساء الديمقراطية التي يستحقونها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115