اي منذ الحضارة الحفصية التي كان لها إسهام جليل في نشأة حضارة أوروبا. ولسائل ان يسأل، فيم هذه اللحظة التاريخية، ولماذا تمثل منعطفا لم يسبق للشعب التونسي ان اتيحت له حرية مثل هذه للاختيار بكل ديمقراطية، وان يفرز حكامه وهو في سعة من أمره.
لقد صوت التونسيون غداة 2011 لأول مرة ضد عائلة مفترسة مستندة إلى نوع من الديكتاتورية، ثم صوتوا ثانية ضد المنازع الاسلاموي الهادف إلى اجتياح البلاد وخنق الحريات.
اليوم تغيرت المعطيات، والشعب التونسي الذي التاع بالتجربة اصبح اكثر نضجا سياسيا. واليوم، وفي ذات الوقت، لم يعد شيء محسوم مسبقا. وهذه اول مرة، إذ لا وجود لإيديولوجيا ساحقة، ولا لتدين خانق، ولا وجود لبلد اجنبي يستطيع ان يفرض علينا اختياراته رغم انفسنا. انها حرية الامتياز دون اكراه، ودون رد فعل على الإكراه.
لم تكن يوما متاحة لشعبنا الحرية في الاختيار مثلما هي متاحة له اليوم، وهو الواعي برشده. وهذا لم يحصل إلا اليوم.
لم ذلك؟ بكل بساطة لأنه يتاح لكم في هذه اللحظة اقتران عدة احداث، واختيار برنامجكم في الحياة، واختيار توجهاتكم الاقتصادية والمجتمعية والثقافية، اي اختياراتكم الحضارية.
انه ما من شيء قد حسم مسبقا على الاطلاق. وكل الاحتمالات مفتوحة، ولم يقض من الأمر شيء. أنكم وحدكم القادرون على اختيار من يحكمكم، واختيار نمط الحياة التي تبتغون.
هلموا، بادروا، وقرروا، وانخرطوا، ولا تدعوا احدا يقرر بدلا عنكم. والا فان اعراضكم عن الشأن العام لن يسألكم عنه اولادكم فحسب، وانما ستحاسبون عنه طوال الاف السنين. لقد حان الان فرض اختياراتكم. وهي فرصة من الزمان لن تتكرر بعد اليوم ابدا.