هوية من يصارع طواحين الريح. هي كرة القدم التي تعطي معنى للوجود، هي خلاصة هذا الوجود بكل التناقضات الممكنة. كلمات النشيد مفعمة بالحياة، بالتحدي وبالأمل. كتبت كلمات النشيد آخر سنة في الحرب العالمية الثانية، يرسلها من كان له قريب أو حبيب في جبهة القتال. ولكنها في الأصل كلمات مسرحية غنائية عنوانها «دوامة خيل» ورددها إثر ذلك نجوم الأغنية العالمية في كل مكان.
دخل النشيد ملعب «الأنفيلد» مع ستينيات القرن الماضي ومنذ ذلك الزمن والمناصرون يدفعون بهذا النشيد عند بداية كل مباراة ويرددونه وقوفا بإحساس من يتماهى مع وطن. «ليفربول» مدينة صناعية شمال أنقلترا، عرفت كرة القدم منذ نهايات القرن التاسع عشر عندما كانت اللعبة تعبيرا عن تفوق الأنقليز في اللعبة ومسؤوليتهم كانت كبيرة في نشرها في كل أنحاء العالم أين كانت لهم موطأ قدم.
أن يستعير مناصرو نادي "ليفربول" كلمات مسرحية غنائية تم تأليفها في أتون حرب عالمية فهذا مؤشر على أن اللعبة ليست معزولة عن محيطها. فإذا لم تكن كرة القدم كل المجتمع، فإن كل المجتمع موجود في كرة القدم، هي بالفعل استعارة للوجود البشري. فكيف يمكن لمباراة في كرة القدم أن تكون خلاصة لهذا الوجود؟ كيف لها أن تمنحنا هذا الشعور بأننا نواجه
كل تفاصيل هذا الوجود؟ وأننا ننتقل من حيز عاطفي إلى آخر في زمن قياسي؟
مباراة كرة قدم هي ظاهرة اجتماعية كلية، هي ميدان كل الأبعاد السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية، كلها حاضرة بقوة في نشاط يعتبر من أقوى الأنشطة البشرية ومن أكثرها انتشارا. تتصارع داخل المباراة النوازع الفردية والجماعية ويمكن لها أن تتوافق أيضا. تعطي للفرد إمكانية الصعود الاجتماعي بقطع النظر عن أصوله الإثنية، الطبقية أو غيرها. المباراة هي أيضا مختبر للمشاعر البشرية. الألم والأمل، الخيبة والإهانة، التفوق والبروز، مزيج بين الخوف والشفقة والتشفي هذه بعض مشاعر إنسانية وليس كلها يمكن أن تحدث في مباراة واحدة. هي علاوة على ذلك كله علاقة بالزمن، تحددها روزنامة على شاكلة طقوس الخصب وتحضرها الشعائر وأدوات السحر والشعوذات. اللايقين هذا الشعور الإنساني المقيت والممتع في الآن نفسه يعطي للمباراة معنى التراجيديا البشرية.
هي أيضا أمثولة بلا منازع للتوق الديمقراطي. هي تجسيد ولو في الأذهان لديمقراطية يتساوى فيها الجميع أمام قانون اللعبة. يتقاسم الناديان نصف الميدان بالتساوي، ويحاول أن يكون حكم المباراة عادلا بينهما، وحدها الجدارة وهي قيمة ديمقراطية بإمكانها تفسير ما يحصل ولكن ليس في كل المناسبات، للحظ أيضا مكانته في تفسير الأشياء. ولهذا نشأت اللعبة في صيغتها الحالية في أقدم بلد صناعي وديمقراطي.
نشيد نادي «ليفربول» هذا نشيد تراجيدي كلماته تحيل على المعاناة البشرية وعن الأمل في تخطيها. نشيد مفعم بالأمل، بالتحدي وبالمواجهة، دعوة للسير نحو الهدف دون كلل، تلك هي الحياة مسيرة مليئة بكل صنوف المعاناة. وفي المباراة الأخيرة التي خاضها نادي «ليفربول» أمام نادي «برشلونة» في الدور النصف النهائي لأمتع الكؤوس في كرة القدم وأقواها رهانا كان النشيد حاضرا ليخلص اللاعبين من ضراوة الموقف. كانت المباراة تراجيدية بكل ما في الكلمة من معنى، درس في الحياة، درس في مواجهة شيء مستحيل، درس في إهانة خصم بأخلاق الفرسان في ليلة اللامعقول. إنها أيضا درس في التفاني وفي التركيز وفي مغالبة النفس وعدم التراجع أمام اليأس ومقارعة الشعور باللايقين.
«لن تسير وحدك أبدا» هي في الأصل كلمات أغنية مسرحية ثم أغنية ملاعب ولكنها في الآخر كلمات تتجه إلى الوجود الإنساني حين يجد الفرد نفسه أمام ضراوة أن يكون وحيدا...