تسمى دخلة الباك سبور؟ هل هي مجرّد احتفال كروي بامتحان دراسي؟ أم هي شكل من أشكال الاحتجاج الهوياتي؟
المدرسة مؤسسة محافظة. من العصيّ أن تقبل بسهولة طقوسا مشابهة ليست من سجلاّتها. ما الذي يحدث إذا؟
الباك سبور وهو امتحان الرياضة السنوي الذي تحسب أعداده ضمن التحصيل النهائي للباكالوريا. بدأت الاحتفالية منذ سنوات خلت ويتمّ التحضير لها في انسجام والتزام وإبداع جماعي لا مثيل له. في اليوم المخصص لهذه الاحتفالية يقع امتلاك فضاء المعهد بقاعاته وساحاته وأسقفه من أجل ممارسة هذا الطقس.
الإبهار، سرية الكوريغرافيا، الشماريخ، الرقصات، قرع الطبول، الشخصيات التي ستظهر والرسائل التي ستكتب، كلها عناصر للفرجة المنتظرة. الجميع يشارك، الفتيات كما الفتيان، البارزون في الدراسة كما المتخلين عنها، الراسبون كما الناجحون، هؤلاء جميعا لا ينظرون إلى المشهد بعيونهم فقط بل بقلوبهم أيضا. ينظرون إليه قدرة تضامنية على تدبير الأموال وإبداعا جماعيا على تدبير الأفكار والرسائل و مكانة تنافسية مع الآخرين.
المدرسة للمتعة لا للإكراه،
جلّ التلاميذ يرغبون في الذهاب إلى مدرستهم. روتين يومي على مشقته، له من المتعة ما يضاهي متعة التنصل من قرف البقاء في المنزل. الدروس فقط ما يزعجهم في هذه الفسحة اليومية. الضحك والمزاح في الطريق إلى المدرسة في صحبة الأتراب، ساعات الفراغ التي تمضي حديثا في كرة القدم أو في سرديات التلاميذ التي لا تنتهي. تعلّم أشياء مناسبة للمرحلة، اختبار الذات في مواقف متعدّدة ومختلفة. بناء الصداقات والبحث عن الحبّ متى تسمح الظروف بذلك. أشياء أخرى تمنح للمراهق صورة مثلى عن نفسه يصنعها بنفسه أو يعطيه إياها من يرافقونه طول اليوم. إلاّ الدروس، فتلك قصة أخرى.
إحتفالية الباك سبور التي ينظمها التلاميذ هي خلاصة كل هذا، هي هذه القدرة على صنع شيء ما، مبهر ومثير، مسؤوليتهم عليه مطلقة. يتقاطع داخل هذه الاحتفالية إبداع فرد مع فعل جماعة، إتحاد تلاميذ في أبهى حلله وتدرّب على الاستنفار يضاهي استنفار كتيبة.
المدرسة للاحتجاج وتضمين الرسائل،
ليست دخلة الباك سبور بالبساطة التي يعتقد البعض. مضامينها توازي مضامين مؤتمرات دولية وحركات احتجاجية متمرّسة. شكل مغاير للالتزام بقضايا الشأن العام. هي تواصل للحركة التلمذية التي صبغت معاهدنا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي والتي صنعت زعامات سياسية فاعلة اليوم. إحدى الدخلات في أحد المعاهد تشير بشكل واضح إلى المكانة التي يجب أن تكون للعلوم الإنسانية والاجتماعية في معاهدنا وفي منظومتنا التربوية، اقتناص ذكي للأحداث وعرضها عند الإشارة إلى دور السياسيين في انسداد الأفق أمام مستقبل الشباب، بيان انتخابي بكل ما في المسألة من معنى." دفنتم طموحنا ولكن مازلنا نقاوم " كانت إحدى أقوى الرسائل في طقوس هذه السنة. إشارة أخرى صريحة لحادثة الرضع، وتنديد بالهجوم الإرهابي على مسجد في نيوزيلندا، تنشيط للذاكرة المحلية والوطنية والدولية والقضية الفلسطينية دائمة الحضور. تحية العلم حاضرة دون أن ينسى التلاميذ تكريم أساتذتهم وبقية الإطار التربوي.
يتمّ ذلك كله بلغات عالمية وكأن نص "الدخلة "هو خلاصة الدروس الممكنة التي تقدمها المدرسة ولكن بشكل مغاير.
ونصيبي من مدرستي،
هناك دعوات عديدة لما يسمى تأطير دخلة الباك سبور واحتفاليتها. يقع التأطير من طرف إدارة المعهد. من يدعو لهذه المهمة لا يفهم المقاصد التي يدفع بها التلاميذ حين انجاز مهمّتهم. المسألة الأساسية هي إبعاد الإدارة عن هذا الشأن وتولي مسؤولية الحدث دون تدخل آخرين. المعنى وراء هذا التملك هو الإقرار بتحول التلميذ من مجرّد رقم يتابع الدروس بانتباه إلى تلميذ فاعل له نصيب من مدرسته، وكأنه يعلن بذلك عن تصوّر مغاير للمدرسة وعن موقعه داخلها، وكأنه يقول أيضا على المدرسة أن تكون أكثر تشاركية وأكثر جرأة وإبداعا وأن تحترم الذكاءات المتعدّدة الكامنة في تلاميذها. يحدث كل هذا استعارة من عالم كرة القدم، يحدث كل هذا ليقول التلاميذ أننا معنيون بالشأن العام ولكن بشكل مغاير.
برج بابل: طقوس دخلة الباك سبور... ونصيبي من مدرستي
- بقلم محمد جويلي
- 10:20 23/04/2019
- 1336 عدد المشاهدات
ما هذه المدرسة التي تتحول نهاية كل سنة إلى ملعب كرة القدم؟ ما هذه الإحتفالية الطقوسية التي