عندما اكتشف العالم الفرنسي «لويس باستور» الدور الحاسم للكائنات المجهرية الدقيقة فى عمليات التخمير la fermentation لم يدر فى ذهنه إطلاقا أن يتم «تطوير» هذا المنجز العلمى الكبير من قبل مافيا الأدوية فى بلادنا، وبسبب العلاقة الكيميائية المؤكدة بين البكتيريا وتعتيق النبيذ انتقلنا من مرحلة «بيع الخمر خلسة» الى «بيع البكتيريا القاتلة خلسة»...
فبعد أن ابتدعنا قطارا مزطول مسيّر ذاتيا .. ومنظومة «تربوية» تقدّم دروس خصوصية لأطفالنا بطعم «الزطلة» و»البيدوفيليا»..وديمقراطية الضجيج والبطون الخاوية، بات من الضروري ان تنال المنظومة «الصحية» حظها أيضا من هذا الابداع الانتقالي المنقطع النظير، كيف لا وقوة وعنفوان جسم المجتمعات تقاس بمدى قدرة جهازها المناعي على التصدي للاختراقات الفيروسية او البكتيرية القاتلة، كيف لا ومنظومتنا الصحية التى كانت بالأمس القريب العنوان الكبير للدولة الاجتماعية ينبغي إسقاطها بأي ثمن...
فمن «بيع الخمر والزطلة والتسفير خلسة» حان الوقت اليوم لحيازة وترويج البكتيريا القاتلة خلسة.. تجارة سوداء رابحة تقدّر بالمليارات.. مسرح عملياتها مستشفيات جامعية تفتقر الى الحدّ الأدنى من متطلبات حفظ الصحة، عندما تزورها لمعايدة مريض تجد فى استقبالك كائنات جرثومية تقوم بالواجب وأكثر.. ومحلاّت وأكشاك تعدّ وجبات بكتيرية سريعة التعفن.. ومسالخ عشوائية خارجة تماما عن المراقبة البيطرية الخ
وبالعودة لتقارير «دائرة المحاسبات» نعاين أنها سجلت فى السنوات الأخيرة العديد من الاخلالات والخروقات الجسيمة التى تعتري حوكمة القطاع الصحّي العمومي بمختلف مكوناته الاستشفائية والخدماتية والإدارية، كما أن هناك شبه إجماع بأن خلف تجارة الموت هذه شبكات تهريب منظمة فى الداخل والخارج..تتشكّل أذرعتها التنفيذية - دون تعميم أو إطلاق - من طواقم إدارية وطبية وشبه طبية تنتمي للقطاع العام والخاص على حد السواء تجنّدت بالكامل لخدمة البكتيريا القاتلة قبل الوطن ..تشتغل وفق نظرية تقسيم العمل التايلورية، فشبكة «البنج الفاسد» ليست تلك المتخصصة فى «اللوالب المنتهية الصلاحية» أو «الأدوية الخارجة عن المسالك الرسمية »..فلكل خلية نشطة مجال اختصاصها ومرجعها الترابي...
وفى ظل غياب إطار قانوني منظم للمسؤولية الطبية بشكل دقيق من خلال الإبقاء على مشروع القانون المعدّ للغرض بحالة «حجر صحي» en état de mise en quarantaine برفوف مجلس نواب الشعب.. وفى ظل حالة التردد فى الإسراع بوضع تطبيقة رقمية مواطنية شفافة تعمل على رصد التجاوزات والأخطاء الطبية بجميع أصنافها والإبلاغ عنها، فان حرب الأرقام والأرقام المضادة ستظل قائمة وعلينا توقع حدوث كوارث أخرى من الحجم الثقيل فى المنظور القريب خاصة وأن الأخطاء الطبية تجاوزت وفق «إحصاءات الجمعية التونسية لضحايا الأخطاء الطبية» سقف 7 آلاف سنويا بسببها يفقد العديد من المرضى الحياة والبقية تطال حرمتهم الجسدية أضرارا جسيمة...
ما نخشاه اليوم - ونحن على أبواب شهر افريل - ان تخلص أعمال اللجنة المكلفة بالتحقيق فى جريمة وفاة الرضع بمستشفى الرابطة الى نتيجة مفادها أنها مجرد كذبة افريل وأن تتحول على هذا النحو «ثورة الياسمين» الى «ثورة البكتيريا» بامتياز !