حادث وحديث: انتهى زمن التعليم في الأقسام ...

في ما أرى، تشهد منظومة التعليم، في تونس وفي الأرض جميعا، تراجعا. هي اليوم في أزمة. انتهى الزمن لمّا كان الكلّ

في تهافت، يعتقد أنّ التعليم وحده هو المنقذ وهو وحده طريق النجاة. انتهت منظومة التعليم التي عهدناها. أصبحت منظومة التعليم اليوم محلّ سؤال. أن يأتي الصبية من كلّ بيت للقاء مدرّس، في قسم، في ساعة، هذا منهج للتعلّم قديم. ولّى وانتهى. بل قل هو اليوم محلّ شكّ وجدواه محلّ سؤال. يجب إعادة النظر في هذا النحو من التعليم. يجب التفكير في سبل أخرى، في طرق بديلة...
كما أنّ الصحافة الورقيّة انتهت أو تكاد، تمشي المعاهد والجامعات الى زوال. تتنحّى شيئا فشيئا من البلاد. هي اليوم في تفكّك، في اضطراب وبعض الناس يسأل إن هي تنفع النشء، إن هي تصلح لهذا الزمان...
انتهى التدريس ذاك الذي عرفنا. انتهى ما كان يسكننا من شغف ومن يقينيّات. خفت اليوم ومنذ سنين صيت التعليم. أعرض عنه الكثير من المتعلّمين ومن الأوليّاء. في التعليم اليوم ظنون. في الناس يوم حيرة وسؤال. هل يمكّن التعليم حقّا من الصعود في مدارج الحياة؟ هل التعليم منير للسبل؟ هل فيه نفع للإنسان؟ في تونس، كل عامّ، ينقطع عن التعليم العموميّ أكثر من 100 الف صبيّ. في الجامعة، لا يمشي طلبة كثر الى الأقسام. أنظر في المعاهد الثانويّة وفي الجامعات سوف ترى أن قد هجرها أهلها، منذ زمان. هناك اليوم تصحّر يسري. هناك قطيعة تزداد، مع السنين، عمقا واستفحالا...
* * *
منذ أكثر من حولين، كنت أدرّس في كلّيّة ابن شرف. في الكليّة، كان تغيّب الطلبة عادة قائمة. في الأقسام، أرى الأساتذة لوحدهم وأحيانا قبالتهم نفر من الطلبة قليل. أربعة طلبة أو أكثر بقليل أو أقلّ بقليل. في حصّتي، كنت أنتظر كلّ ساعة. يدخل القسم متأخّرا أقلّيّات. أحيانا، لا يدخل الطلبة القسم أشهرا. أحيانا، لا يعرف هؤلاء درسا ولا أستاذا. اقفرت المعاهد والكلّيّات. مثل هذا القفر ليس ظاهرة عابرة. هذا سلوك عامّ. هذا عزوف قائم منذ سنوات ماضيّة..
ما نرى هذه الأيّام من إضرابات في الثانويّ تتجدّد وما نسمعه من مقاطعات للامتحان ومن أيّام غضب ومن مظاهرات واعتصامات ليس هو فقط من أجل زيادة في الرواتب ولا هو فقط من أجل الترقيّات... هذا التشويش العامّ مردّه ما يشكوه القطاع من انسداد، من فناء. الإشكال، يا سادتي، يكمن في ما يحياه التعليم من أزمات. في ما أرى، انغلقت في وجه التعليم التقليديّ الأبواب. التعليم الثانوي والعاليّ هما اليوم محلّ شكّ وريبة وسؤال. وجودهما مرتهن. مستقبلهما ضباب. لا تصلح منظومة التعليم كما نراها. فشلت في تحقيق المراد. فقدت ما لها من رمزيّة. أعرض عنها الناس.
* * *
يجب إعادة النظر في منظومة التعليم. يجب خلق نمط تعليميّ مختلف، في قطيعة مع ما كان. في زمن الاعلاميّة وما كان انتشر من سبل اتّصال، انتهى التعليم في الأقسام. انتهى زمن المعلّم ومن حوله متعلّمون جاؤوا من كلّ البلاد. انتهى الأستاذ ذاك الذي تراه من قسم لآخر، يعلّم الصبيان، يقول البيان، يعيد ما كان حفظ من علم وخبّأ من معلومات...
بفضل الاعلاميّة، كلّ العلوم وكلّ المعارف هي اليوم على الرصيف، ملقاة. تأخذها متى شئت وفي كلّ مكان. اليوم، هنا، في بيتي، أتابع أفضل الدروس، تلك التي يؤسّسها أكبر الأساتذة وتعطى في أرقى الكلّيّات. إن لم أتبيّن. أسأل فيجيبني الناس... انتهى حصر الزمان والمكان. انتهى الجمع. جمع التلاميذ والأساتذة في فضاء وفي توقيت محدّدين لإملاء درس أو لقراءة كتاب. انتهى زمن التدريس في الأقسام...
يجب اليوم التفكير في رسكلة كلّ هؤلاء المعلمين والأساتذة وكيف اعتمادهم غدا في مهامّ أخرى، لقضاء غايات مختلفة. أمّا التدريس في «الكتاتيب» والدفع بالمتعلّمين في دروب بيّنت ضعف جدواها فهذه فقدت صلاحيّتها وهي اليوم مدعوّة، مجبرة على مراجعة ما كان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115