بها آلاف من الفرنسيين ظهرت تحت تسمية "السترات الصفراء"، بما أن المتظاهرين لبسوا سترات صفراء، وربما قصدوا بذلك أن يكونوا بارزين للعيان في تحركاتهم. هذه التحركات والمظاهرات التي تتواصل للأسبوع السادس، تحث على متابعة التعليقات والتحاليل التي ظهرت على المواقع الألكترونية والبرامج التلفزية والإذاعية الفرنسية المختلفة وكذلك الإهتمام والإستماع لعدد من السياسيين والكتاب والنقاشات مع بعض من أفراد «السترات الصفراء». وسوف أعتمد على البعض من الأسماء المحللة التي تمكنت من الإستماع إليها وشدت إهتمامي.
لقد مثل إعلان ضريبة أقرتها الحكومة الفرنسية على كافة المواطنين الفرنسيين، مع الإشارة على أنها، أي الحكومة الفرنسية، قد ألغت منذ أشهرضريبة على ذوي الدخل المرتفع، هذا الإعلان مثل إ ذن، النقطة التي أفاضت الكأس، ودفعت لخروج الفرنسيين من كل جهات ومدن و قرى فرنسا إلى الشارع وتميزت المظاهرات بآنعدام الإنتماء السياسي والنقابي، والتأكيد على رفضه وآنعدام الثقة في أية تمثيلية و التأكيد على ذلك لافت النظر. و قد بدأت التحركات بالمطالبة بإلغاء الضريبة، ومع تشبث الحكومة الفرنسية بداية بعدم التفاعل مع هذه التحركات، تأججت الحركة و توسعت و أخذت منحى أكثر عمقا يبين الشرخ في البلاد وبين شرائح عريضة تشتكي أساسا من تدني وضعها المادي، وباتت تنادي برحيل الرئيس والمطالبة بما أعلنته «استفتاءات مبادرات مواطنية» و الرفض للمشهد السياسي الحالي، في مراحل متقدمة من تحركاتها عبر الأسابيع وقد لفتت نظري المواضيع التي يطرحها عدد من السياسيين والمحللين وسأذكر منهم:
«إيمانييول تود»، و هو كاتب ومؤرخ وأنثروبولوجي ، إضافة إلى كونه إختصاصي في علم الإجتماع وكاتب سياسي. وقد نشرالعديد من الكتب وتكهن باندثار نظام الإتحاد السوفياتي قبل 20 سنة من حصوله، وكذلك حلول ما يسمى «بحركات الربيع العربي» ... وغيرها وهويعتمد أساسا بينات ديمغرافية وأنتروبولوجية لها علاقة بتكوين وطبيعة النواة العائلية للمجتمعات ليحلل مدى تأثيرها على التطورات المستقبلية المتعلقة بها. وهو يختبر فرضية الصلة بين تنوع الهياكل الأسرية وتنوع المسارات التاريخية. و آخر ما نشره: أين نحن؟ في 2017. كما كتب عن العولمة.
يعتبركتاب أين نحن ؟ «رسم تخطيطي للتاريخ البشري، يقدمه ايمانويل تود بداية من ظهورالإنسان العاقل إلى أيامنا ، يتحول هذا التاريخ القصير للبشرية عمداً نحو ذكاء العالم كما يعاد تشكيله أمام أعيننا، الآن، في أعماق الحياة الاجتماعية الأقل وعياً ، يكمن تفسير ما يبدو لنا اليوم كاختلال عظيم للعالم». وبالتالي ، فهي مسألة استيعاب الديناميكيات طويلة المدى لأنظمة الأسرة ، وتعبير هذه الأنظمة عن طريق الدين والأيديولوجيا ، وآستكشاف الاختراقات الناجمة عن التقدم التعليمي من أجل فهم التأثير المختلف في الدول المتقدمة: و يأتي إلى ظاهرة ترامب التي يسميها في آن واحد بالعتيقة والمبتكرة ، والافتقار إلى الواقعية في الإرادة الألمانية والصينية إلى السلطة، والنجاعة الروسية، واستسلام اليابان، والتحولات الأخيرة في أوروبا و «البركسيت». وأخيرا، «فإن هذا التأويل البارع لتاريخ الإنسانية يسمح لنا بالرؤية بكل وضوح ما ينتظرنا غدا» وتجدر الإشارة إلى أحد مؤلفات تود مع يوسف كرباج: موعد مع الحضارات الصادر في 2007، يتطرق فيه للمجتمعات العربية. وقد سجلت له العديد من المداخلات والمحاضرات في الجامعات والمؤسسات «المثقفة والنخبوية» والعلمية تنشرعلى المواقع الألكترونية .
الرجل الثاني هو «فرانسوا أوسالينوا» وهوعلى رأس «الإتحاد الشعبي الجمهوري» والذي مع «إيمانييول تود» يناقش موضوع ملفت للنظر بعنوانه: «هل ستختفي فرنسا؟» النقاش حديث العهد وقد نظم بتاريخ 30 أكتوبر 2018 في إطار «جامعة الخريف» للإتحاد الشعبي الجمهوري. يدور الحوارحول : الثلاثة لاءات ، لا للإ تحاد الأوروبي، لا لليورو ولا" للناتو: «أي منظمة حلف شمال الأطلسي».
هذا هو الوضع الحالي في فرنسا حسب بعض الجهات السياسية التي توجه معارضتها للاتحاد الأوروبي وتفسر الإنسداد الإقتصادي والأزمة السياسية في العديد من جوانبها بالقرارات و الإملاءات التي تسيرها من بروكسل والشروط التي تمليها تحت العملاق الألماني المسيطرعلى الساحة الصناعية والإقتصادية وتراه سببا في مأزق القرارفي فرنسا، نظرا للشروط التي ترتهن لها الحكومات المختلفة في أوروبا ومنها الفرنسية تحت أجنحة «الإتحاد الأوروبي». الشيء الذي نتج عنه «حسب بعض المحللين» تأخرإعلان قرارات لتهدئة الوضع، وأطلق العنان إلى طلبات باتت أكثر شمولية وعمقا وتشكيكا في المنظومة السياسية القائمة في فرنسا.
رجوعا للمحللين وثالثهم هو فيليب بسكو وهوسياسي وكاتب وقد عمل خلال فترة كعضو مجلس بلدي وانتخب نائب رئيس بلدية ايفري وتمثيليات أخرى وقد انقطع عن السياسة تحت راية حزبية منذ 2009. غير أنه معروف بكتاباته ومنها: لصوص الدولة، ولصوص الحياة. يشهر فيليب باسكو في كتاباته بإساءة استخدام السلطة لأقلية تشوه الطبقة السياسية الفرنسية بأكملها، وكذلك باللوبيات التي توجد بالعالم وفرنسا تحديدا ويتطرق إلى أن هذه اللوبيات تتمثل في 10 «من الملياردار» التي تحكم فرنسا وتتحكم في وسائل إعلامها، فيليب باسكو، من دعاة الشفافية المطلقة في الممارسة السياسية ويقوم حاليا بحملة، إلى جانب بعض أصدقائه، للمطالبة بسجل جنائي نظيف «للمنتخبين» بفتح «خ» فهو يبين أن عددا من المترشحين للتمثيليات المختلفة لا يتمتعون بسجل «جنائي نظيف».
ويقوم فيليب باسكو بالعديد من التدخلات لفضح التصرفات غير القانونية على كل المستويات وفي العديد من المجالات للممثلين السياسيين في فرنسا ويدقق في"ديمقراطية" النظام السياسي والإنتخابي في كل مستوياته مطالبا بإجبارية الإنتخاب على كل مواطن في البلاد حتى تكون الإنتخابات ذات معنى وجدوى وحتى يكون للورقة الإنتخابية البيضاء وزنها في الإحتساب، وهو يعمل على عريضة وطنية في الإتجاه. ولا يستثني أي حزب من الأحزاب على الساحة في التطرق لكل المسائل ويقوم بحملات فاضحة من خلال المحاضرات وبعض البرامج الإذاعية والتلفزية.
لم أتطرق هنا إلى جوانب أخرى من التحركات والغوص في تفاصيل حصولها، و كيفية الرد عليها إن في الشارع، أو في التعليق عليها من عديدالأطراف المتدخلة المباشرة مثال القوات الأمنية والإعلامية والسياسية المختلفة وللقارىء حرية المقاربة بين الوضع العام في تونس وفرنسا نموذجا للنظام الإقتصادي العالمي القائم، فرنسا التي تمثل للكثيرفي بلادنا المرجع القائم والمثال الأعلى في العديد من المجالات.