هذه ملاحظاتي حول الحوار وكيف دار وما جاء فيه من نقاط شدّت انتباهي.
في مستوى الشكل، وجدت أنّ اللقاء حصل في بهو كبير، جميل. فرش زرابي ومن حول جدران بهيّة، منقوشة. أعجبني الديكور. نقطة الضعف فيه تلك الطاولة الصغيرة. هذه طاولة لا تليق بالمقام وفيها ضيق للرجلين وبخاصّة لرئيس الحكومة. يوسف الشاهد عبد عملاق. رأيته في تبرّم، لا يقدر على مدّ رجليه ورجلاه عظيمتان كأرجل البربر... على كلّ، هذا الحوار أفضل من ذاك الذي أجراه رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد لمّا جلس والمنشّط حول طاولة صغيرة، مهتزّة. قوّموها من تحت بكتب ودفاتر.
أمّا في مستوى المضمون فجاءت أسئلة المنشّط بوبكر بن عكاشة بسيطة. أخذها من خطاب عامّ، متداول. هو اكتفى بإعادة ما كان بين الناس يقال. كما رأيت المنشّط يكتفي بما جاء من أجوبة سريعة. أحيانا هي أجوبة بديهيّة دون حرص على الوقوف عند الاشكالات والنظر المعمّق. في الارهاب مثلا وفي ما حصل في سبيبة مؤخّرا، ينتهي الحوار بما أجابه الشاهد من جواب مختصر: رصدت الحكومة مالا لدعم جهود الأمن والعسكر. انتهى الردّ. كأنّ القضيّة هي المال وكأنّ المال وحده يكفي لمواجهة ما نحيا من إرهاب، منذ زمن. كان الاولى، مواصلة البحث عن الأسباب الخفيّة والنظر في ما قد يكون من إهمال ومن تسيّب في الأمن وفي العسكر. كان بالإمكان التعرّض الى ما قد يلقاه الارهابيون من مساعدة لدى بعض الأطراف ولدى المتساكنين... كيف فهم هذا اليسر الذي نرى في عمليّة سبيبة الارهابيّة؟ كان على المنشّط الوقوف عند هذه الهنات والدفع بالشاهد الى القاء المزيد من الضوء... دون فحص كثير، يسأل المنشّط في شأن صندوق الكرامة وفي ما كان مع هيئة بن سدرين... في الحوار، مرّت الملفّات بسرعة دون فحص يشفي. كان الأولى الاكتفاء ببعض الاشكالات الكبرى والتعمّق فيها وهذا أفضل من التعرّض لعديد القضايا والمرور بسرعة...
ولأنّ الأسئلة كانت سريعة، خاطفة، جاءت أجوبة رئيس الحكومة سريعة، خاطفة، لا تفي بما هو منتظر...
في ما قاله الشاهد، ماذا بقي في رأسي؟ رأيت في الرجل أحيانا صراحة وأحيانا مراوغة. رأيت أنّه كسب خبرة وهو اليوم أفضل قدرات ممّا كان. هو اليوم تعلّم. رأيت أنّه أكثر ثقة ممّا كان... رغم ما كان من حوله من ألغام مبثوثة، هو يصدح برأيه وإن في حدود. في ما أرى، هو عازم على مواصلة الأخذ بزمام الأمور والمضيّ قدما رغم ما يجري من مناوشات على رأس السلطة وما يحصل في البلاد من اضطرابات تتجدّد. لا تخيفه اضرابات الاتّحاد بل هو سيواصل السعي للضغط على الأجور. ليس هو مرتبكا بما يأتيه صاحب قرطاج من خبث ومن مناورة. أظنّه هو الآخر أصبح على قدر كبير من الخبث والمناورة...
أعجبني الشاهد لمّا دعا الشعبويين الى النظر في واقع الأمور والى اقتراح منوال تنميّة إن كان المعتمد حقّا فاسدا. أعجبني لمّا قال إنّ صندوق الانتخابات هو الفيصل وتبعا لما جاء في الصندوق فازت النهضة وعلى خصومها، إن أرادوا إزاحتها، التجمّع والفوز بالصندوق. أعجبني لمّا قال إن في تونس هناك الأجراء وهناك أيضا مئات الآلاف من العاطلين ومن المعوزين وعلى الدولة أن تنظر فيهم وأن تسعى لتوفير الشغل ولمدّ يد العون لمن شدّه عوز...
لم يعجبني رئيس الحكومة لمّا أخفى بل رأيته يراوغ حين سئل إن كان عازما على الترشّح في سنة 2019 وماذا سيأتي وحزبه. لم يعجبني لمّا رأيته يهادن في الأطراف جميعا وفي ساكن قرطاج خاصّة كأنّه يريد ربح الوقت وهو يفضّل المهادنة على المواجهة والمواجهة أحيانا أبقى وأفضل. كنت وددت أن أراه أكثر وضوحا في ما يقول وإن أغضب الوضوح بعضا من أنصاره ومناهضيه...
أخيرا، أدعو رئيس الحكومة أن ينتهي من الحوارات وأن يقول في الناس مباشرة ما يرى دون منشّط. فوق طاولة كبيرة، في مكتب جميل، مرتّب، فليخطب في الناس ولينظّم أفكاره حول ثلاثة أو أربعة نقاط لا أكثر. حولها يشرح ويبيّن في دارجة سهلة وبطريقة بديهيّة ودون تكلّف ما كان فعل وكيف هو عازم على المضي في الطريق.