السياسة الفلاحية في تونس: لابد من نقلة نوعية!

بقلم : فوزي الزياني
فلاح ونائب رئيس النقابة التونسية للفلاحين

كانت الفلاحة ولاتزال قطاعا استراتيجيا يساهم في النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ لكنه عرف منذ سنوات وخاصة بعد الثورة النكسة تلو النكسة. فمن مساهمة وصلت في الماضي إلى حوالي 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام إلى نسبة لا تتعدى ال10 في المائة في الفترة الأخيرة. ورغم هذا التقهقر فإن القطاع الفلاحي مازال داعما ومنقذا للميزان التجاري من حيث صادرات المنتوجات الفلاحية على غرار زيت الزيتون والتمور...

المتناقضات في السياسة الفلاحية في تونس. لعل أهم مثال يجسد ذلك هو حرص الحكومة من جهة على النهوض بقطاع التصدير من خلال الحوافزوالتدعيم عبرصندوق الصادرات ومن جهة أخرى توريد العديد من المنتوجات الفلاحية و أبرزها توريد الحليب أخيرا. مفارقة غريبة ان دلت على شيء فهي تدل على عدم ايلاء المجال الفلاحي في تونس المكانة التي يستحقها من طرف السلط المعنية وخاصة بعد الثورة. فمنظومة الحليب كانت منذ ثلاثين سنة مضت نموذجا يحتذى به لدى عديد الدول على غرار المغرب لكن بعد الثورة وخاصة في السنوات الأخيرة عرفت اضطرابات عديدة أدت في الشهور الأخيرة إلى بداية انهيارها. ونحن نعيش هذه الأيام على وقع بداية ضرب منظومة الدواجن من خلال اصدار وزارة التجارة مقررا يحدد أسعار بيض الاستهلاك. وفي هذا القرار ضرب لعرض الحائط لمصالح المربين وللمنظومة عموما وضرب لكل الاتفاقات السابقة بين وزارات الإشراف والمهنة.
المشاكل التى ان تعالج تصبح حلا ودافعا للتنمية. وفي رأينا هناك جملة من الإصلاحات الضرورية والعاجلة التى يجب اتخاذها من طرف الحكومة خاصة وقانون المالية 2019 لم يصوت عليه من طرف مجلس نواب الشعب. هذه الإصلاحات كفيلة بدفع التنمية في المجال الفلاحي والإقتصادي عموما.

1 - التمويل. ليست هناك برامج تمويلية للقطاع الفلاحي في تونس فيكفي أن نطلع على الموارد المالية المخصصة للفلاحة في كل ميزانية حتى نعلم الاهمال الذي يعاني منه الفلاحون والشروط المجحفة المرافقة لكل قرض فلاحي (على غرار القروض الموسمية – مبدأ الضمان صعب التوفير خاصة لصغار الفلاحين – الفائدة المشطة...)
لذلك كانت النقابة التونسية للفلاحين سباقة في اقتراح فكرتين أساسيتين يمكن أن يحققا النقلة النوعية المرجوة في القطاع وهما
-اكتتاب وطني من أجل تنمية فلاحية مستدامة تشارك فيه أغلب الفئات الاجتماعية فالمواطن التونسي مؤمن بأن بلاده فلاحية بالأساس ولن يتأخر لحظة في المساهمة في هذا الاكتتاب الوطني وبذلك نوفر على الدولة امكانية الاقتراض الخارجي.
- بعث بنك فلاحي تعاوني يكون في نفس الوقت صندوق ضمان لمن ليس له ضمان وخاصة لصغار و متوسطي الفلاحين. ومن أهداف البنك دفع الاستثمار في القطاع من خلال قروض فلاحية ميسرة وبفوائض معقولة.

2 - الارشاد و البحث العلمي. حلقتان ضروريتان في المجال الفلاحي . عندما كان القطاع الفلاحي متعافا كان الارشاد و التكوين من دعائمه الأساسية لكن في السنوات الأخيرة عرفت المنظومة تراجعا بل عرفت في بعض الأحيان محاولة الإنقضاض عليها ثم توظيفها لمارب أخرى...

3 - قانون الاستثمار والاعفاءات الجبائية للمشاريع الفلاحية. لابد من مراجعته خاصة وأن الدولة في بحث متواصل عن توفير الموارد المالية. فالقطاع الفلاحي جذاب للاستثمارللبعض ليس لأنه ذو مردودية عالية وإنما لأن الإمتيازات الجبائية التى يمنحها للمستثمر مغرية جدا وتسمح لصاحبه بعدم دفع الضرائب للدولة. هذه الامتيازات نعتبرها غطاء قانونيا للتهرب الجبائي أكثر منه تشجيعا على الاستثمار. والفلاحون المستثمرون في القطاع الفلاحي صنفان صنف مشتغل في الفلاحة وليس له أي مورد رزق اخر سوى هذا النشاط وصنف ثان له نشاط أساسي غير فلاحي ونشاط ثانوي فلاحي وكلاهما يتمتع بنفس الإمتيازات المالية و الجبائية. اقتراحنا أن لا يتمتع الصنف الثاني الذي له نشاط ثان غير فلاحي بالإمتيازات الجبائية. هذه الإمتيازات التى تحرم الدولة من موارد مالية هامة تقدر بالمليارات يمكن توظيفها في الاستثمار الفلاحي وضخها في التنمية الفلاحية في المناطق الداخلية المهمشة.

4 - منظومة دعم سيئة. منذ سنوات وبالخصوص بعد الثورة ارتفعت الأصوات لمطالبة الحكومات المتعاقبة بترشيد منظومة الدعم التى تتعلق بها شبهات سوء التصرف لكن لا من مجيب. طالبت النقابة التونسية للفلاحين عديد المرات أن يوجه الدعم لمستحقيه. ففي المجال الفلاحي الذي يعنينا لابد من توجيه الدعم الى المنتجين (دعم المنتج وليس الإنتاج). فسياسة الدعم الحالية أفلست وساهمت في تعميق الهوة بين مختلف الفئات الاجتماعية وفي إثقال عجز الميزانية.

5 - التأمين الفلاحي. لابد من تطوير منظومة التأمين الفلاحي وتكريسها لمجابهة الكوارث الطبيعية خاصة وبلادنا والعالم يعيش متغيرات مناخية متصاعدة. ونعتقد أن إرساء ثقافة التأمين الفلاحي لدى الفلاحين بدعم من الدولة في مرحلة أولى وبمساهمة كل الأطراف المتدخلة سيساهم في دعم القطاع الفلاحي.

6 - التسوية العقارية كمورد للتمويل ولدفع الاستثمار. هناك مشكل عقاري حقيقي في تونس وفي أغلب ولايات الجمهورية يمثل عائقا أمام الاستثمار وأمام عديد الفلاحين الذين يجدون أنفسهم مقصيين من المشهد الاقتصادي نظرا لأنهم لا يستطيعون أن يتحصلوا على قروض بتعلة أن أراضيهم غير قابلة للرهن. إن التسوية العقارية الشاملة يمكن أن تدر على الدولة موارد مالية جديدة تضخ في البنك الفلاحي التعاوني الذي من مشمولاته دعم الاستثمار.

7 - الترويج والتسويق. تصدير المنتوجات الفلاحية الوطنية في الخارج يتطلب اعتماد وسائل وأدوات عصرية تساهم في جلب مزيدا من العملة الصعبة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توحيد كل اليات التصدير في هيكل واحد على غرار المجلس الأعلى للتصدير وهي فكرة دافعت عنها النقابة التونسية للفلاحين منذ أكثر من سنتين لكنها لم تر النور حتى الان. فالتصدير المحكم والمدروس وخاصة للمنتجات ذات القيمة المضافة العالية يمكن أن يضاعف مداخيلنا من العملة الصعبة.

وفي ختام هذه المقاربة نتساءل هل أن الحكومة تعتبر الفلاحة أولوية في المخططات التنموية أم لا؟ ونطالبها بمناسبة إعداد مشروع قانون المالية 2019 بتبني «منعرج فلاحي» يتمثل في اعتماد نقلة نوعية في السياسة الفلاحية في تونس قوامها فلاح في قلب التنمية (الفلاح أولا) و منظومة دعم ايجابية موجهة الى المستحقين لا غير.
ونعتبر أن اتخاذ مثل هذه الاصلاحات الضرورية والعاجلة سوف تبعد عنا شبح الانزلاق في مطبات التبعية الكلية للخارج وسوف تؤسس لضرورة اعتماد سياسة فلاحية تقوم على احترام مبدأ «فلاحة مستدامة من أجل سيادة غذائية وطنية».
ونلفت أنظار الحكومة والساهرين على الشأن العام أن بلادنا تعيش شحا مائيا تفاقم في السنوات الأخيرة سيقودنا حتما إلى مشاكل أعمق في المستقبل لذلك ندعو إلى ضرورة التعجيل باقرار حواروطني شامل حول ملف الماء وحول الاجراءات التى يجب اتخاذها لاعتماد خارطة مائية جديدة مواكبة للواقع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115