حادث وحديث: حياة الصبية هي أهمّ قضيّة...

خلق الانسان ليحيا. بعث في الأرض ليعيش. هنيئا للناس الذين سخّروا العقل وبذلوا الجهد ليحيوا، لينعموا بالدنيا وبما فيها من حبور ولذّة. تلك

هي غاية الخلق. ذاك هو الهدف من الوجود في الدنيا... الحياة حلوة. لمن شاء وتوكّل. الحياة جنّة لمن في قلبه عزم وفي عينيه اشراقة الصبية. لا شيء في الدنيا يضاهي الدنيا. لا شيء أفضل من الوجود في الدنيا... هذا رأيي وأعلم أنّ الكثير من الناس حولي لا يشاطرونني الرأي، يعتقدون أنّ الدنيا دنيئة وأنّ الحياة سراب وعذابات مختلفة...

لهم دينهم وليّ ديني... أنا أعشق الحياة وأحبّ الوجود. كلّ صباح، أنهض مبتهجا، متوكّلا. قلبي بالحبّ مفعم. أنظر ملء عينيّ في الأفق. ها هي الشمس في الأفق تشرق. ها هي السماء بهاء وفسحة. في الأفق البعيد، حيث البحر، أرى الكون. أشدّه بين يديّ. أنا العرش. أنا الحياة، أحيا. في كلّ مطلع يوم، أسري الى المعراج. أرفرف مع الطير. أغنّي... لست غبيّا. أعلم ما في الحياة من عسر ومن عصب. ما فيها من مكر ومن موت محتّم. أعلم أنّ الحياة الدنيا سعي لا ينتهي وهي كدح وكدّ... كلّ هذا أعلمه، فقل ما شئت في الدنيا وعدّد ما ترى من عذابات أخرى... أنا أحبّ الدنيا رغم ما فيها من شقاوة كبرى. أنا أعشق الحياة وان هي عسر على عسر. ريح تجري...

لنحيا ونرتقي، يجب أن نحبّ الحياة. أن نشدّ عليها بالأسنان، بالأظافر. يجب أن ننفخ حبّ الحياة في الأنفس. أن نشرح للناس ما في الحياة من متعة، من غلمان وحور وأجنّة. الدنيا هي الجنّة لمن أدرك الدنيا... الجنّة يا مسلمين هي اليوم هنا، بين أيدينا وليست وعدا. الجنّة يا اخوتي هي الحياة كما كنت، كما شئت...

أعجب من الناس حولي وقد تركوا الدنيا وأكلهم وهم وغيب. أعجب من الناس وقد انطفأت قلوبهم وسكنهم همّ وغمّ... لمّا يأتي الصباح، انهض يا أخي وأنظر في ما كان فيك من جمال وقدرة، في ما كان حولك من بهاء وضياء ونور. أنظر في تلك العصافير تغدو وفي السماء وما لفّها من ضياء مشعّ. أنظر الى وريقات الشجر، في النمل يسعى، في الصبية. أنظر في ما كان لك من عافيّة وتمتّع بما هو حاصل وموجود اليوم. عندها، سوف تحبّ الحياة. عندها، سوف تعشق سرّ الوجود...

* * *
بعض من أهلنا يبغضون الحياة. تراهم في شقاء، في فناء، في متاهات مختلفة. بعضهم جعل من حياته كفاحا وجهادا. بعضهم قضّى العمر في النضال، في الوغى، في الحروب... كلّ هذا عندي هو صراع مع الريح. لا يفيد. خلق الانسان ليحيا. خلق الانسان لينعم، ليغنم، ليعيش. لم يخلق الانسان ليموت. خلق ليأخذ من لذّات الحياة ويظفر بالكون وبالوجود. الحياة حقّ وواجب. الحياة فرض. هي بقاء وخلود...

في غزّة، في جزء من فلسطين، حيث أصبح العيش عسرا عسيرا وهذا حصار مقيت، ضارب، يموت كلّ يوم جمعة شباب في عمر الورود. يموتون كلّ يوم برصاص جند غبيّ... منذ مارس المنقضي، مات في غزةّ نحو مائتي شابّ وصبيّ. كلّ يوم جمعة يدفع قادة حماس الصبية الى الحدود. على الحدود، يرمون حجارة، يتظاهرون، يحرقون. هم صبية. أطفال وبنات في عمر الياسمين. يمشون الى الحدود. يلقون بأنفسهم في الجحيم. يموتون كلّ جمعة «فداء للوطن. فداء للقضيّة» أو هكذا يقولون... لا يقتل الوطن عباده. يحمي الوطن الشباب والشيوخ. لا تقتل القضيّة. يقتل أصحاب القضيّة من يشاؤون...

لا أدري ان كان الموت هذا نافعا. لا أدري ان كان من الأخلاق، من الحكمة، من الدين، الدفع بالصغار الى الجند المدجّج، الى الجحيم. لا أقبل أن يموت الصبية من أجل القضيّة. حياة الصبيّة هي عندي أهمّ قضيّة. حماية النشء هي عندي أفضل من ألف قضيّة. القضيّة عندي هي البقاء سليما، حيّا. هي أن يلقى كلّ صبيّ في فلسطين وفي اسرائيل وفي الأرض جميعا عناية وحبّا. أن يلقى الشباب أمنا وصحّة ومدرسة. أنا لا أرى نفعا في ما تأتيه حماس. ما تأتيه حماس هو عندي جنون. منذ سنين وهي تدفع بالشباب العزّل للتظاهر، للموت المحقّق. يجب أن تنتهي حماس من هذا التمشّي. أن تضع حدّا لمثل هذا المنهج. أن توقف النزيف... كلّ قتل هو خسارة كبرى. كلّ نفس تزهق من الفلسطينيين والاسرائيليين على حدّ سواء هو بلاء ومحنة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115